لم تكن العلاقة حسنة بين مرسي والسيسي، وتبين أن ضباط الجيش المستائين من سياسة مرسي الاخوانية، وعزوفه عن حماية الجنود ومحاكمة قاتليهم في سيناء، قد خططوا لانقلاب عليه قبل أشهر من اندلاع الثورة الشعبية التي انتهت بعزله.
جلس وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي بابتسامته المهذبة في الصف الأمامي للاستماع إلى خطاب الرئيس محمد مرسي الذي دام ساعتين ونصف، دافع فيها عن السنة التي قضاها في منصبه. هذه الابتسامة كانت دلالة على هدوء الجنرال، الذي كان يخطط للإطاحة بقائد القوات المسلحة. بعد ذلك بأسبوع، ظهرت نوايا السيسي علنًا، وأعلن الاطاحة بمرسي على التلفزيون الحكومي يوم 3 تموز (يوليو)، والإبقاء على الزعيم الاسلامي في الحجز. هذه الخطوة أتت تتويجًا لنحو عام من العلاقات الحادة والخلافات بين السيسي ومرسي. وفي سلسلة من المقابلات التي أجرتها وكالة أسوشيتد برس مع مسؤولي الدفاع والأمن ومسؤولين في الاستخبارات، اتضحت أن الرئيس كان يتقصد استعراض سلطته كقائد أعلى للقوات المسلحة، وإصدار الأوامر إلى السيسي. في المقابل، فإن قائد الجيش كان يعتقد أن مرسي يقود البلاد إلى حال من الاضطراب، وأنه يخالفه الرأي فقط من أجل التحدي، وقد رفض السيسي أوامره مرتين على الأقل.
الرئيس يسيء التصرف
توحي درجة الخلافات بين الاثنين بأن الجيش خطط منذأشهر للحصول على قدر أكبر من السيطرة على مقاليد السياسة في مصر. عندما بدأت مجموعة quot;تمردquot; حملة الاطاحة بمرسي من خلال احتجاجات مليونية بدأت في 30 حزيران (يونيو)، وجد السيسي أنها الفرصة الذهبية للتخلص من الرئيس. ووفقًا لمسؤولين مصريين، ساعد الجيش حركة quot;تمردquot; منذ بداياتها، وتواصل معها من خلال أطراف ثالثة، بسبب الخلافات السياسية العميقة بين السيسي ومرسي. فالأول اعتبر أن الرئيس يسيء التصرف بشكل خطير تجاه موجة من الاحتجاجات في السنة التي شهدت مقتل العشرات على أيدي قوات الأمن في وقت مبكر. الأهم من ذلك هو قلق الجيش من إطلاق مرسي يد المتشددين الاسلاميين في شبه جزيرة سيناء، لا سيما وأنه طلب من السيسي وقف حملات القمع ضد الجهاديين الذين قتلوا الجنود المصريين.
منذ عقود طويلة، عُرفت المؤسسة العسكرية المصرية بسياسة عدم التسامح مع جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي، كما أن القيادة العسكرية على قناعة بأن الجماعة تضع طموحاتها الإقليمية الاسلامية فوق المصالح الأمنية للبلاد. تحالف الإخوان مع قادة حماس في غزة والجماعات الإسلامية الأخرى أزعج المؤسسة العسكرية، التي تتهم نشطاء حماس بالتورط في العنف الذي اندلع في سيناء. وقال المسؤولون في القيادة العسكرية إن جماعة الإخوان حاولت استمالة بعض جنرالات مصر للتحول ضد السيسي. الجيش أقوى مؤسسة في مصر منذ انقلاب الضباط في العام 1952، الذي أطاح بالنظام الملكي. ومنذ ذلك الحين، كان الجيش مصدرًا لكل رؤساء مصر باستثناء مرسي، وحافظ على تأثير قوي على السياسة. بناء على ذلك، كان وجود زعيم مدني منتخب كقائد أعلى للجيش تجربة جديدة ومختلفة تمامًا بالنسبة لمصر.
افتراق السويس
تتهم جماعة الإخوان السيسي بالتحول ضدها وتنفيذ انقلاب لتقويض الديمقراطية. ومنذ الاطاحة بمرسي، اعتقل الرئيس من قبل الجيش في منشأة تابعة لوزارة الدفاع لم يكشف عنها. وتحدث السيسي عن خلافاته مع مرسي للمرة الاولىالاحد الماضي، عندما خاطب ضباط الجيش في لقاء بُث جزءٌ منه على التلفزيون. وقال: quot;أنا لا أريد أن أحسب عدد المرات التي أظهرت فيها القوات المسلحة تحفظاتها على الإجراءات والتدابير الرئاسية المفاجئةquot;.
جنبًا إلى جنب مع مسؤول من جماعة الإخوان، تحدث ثمانية من كبار المسؤولين في الاستخبارات العسكرية ووزارة الداخلية إلى أسوشيتد برس، من دون الكشف عن هويتهم، من بينهم ضباط في الدائرة الضيقة للسيسي، أكدوا الخلافات التي كانت تحدث بين مرسي والجيش، إضافة إلى الاجتماعات المتوترة التي اعتاد فيها مرسي أن يذكر قائد الجيش برتبته كقائد أعلى للقوات المسلحة. وقال مسؤولون في المخابرات والدفاع إن الجيش رسم خطة طوارئ في وقت مبكر من شهر نيسان (أبريل) لتأكيد السيطرة على البلاد، من خلال اتخاذ مسؤولية الحفاظ على الامن، في حال تصاعد العنف في الشوارع وخرج عن سيطرة مرسي. والخطة لم تستتبع عزل مرسي، بل كانت تهدف إلى التوسع في دور الجيش وتحديدًا في مدينة بور سعيد على قناة السويس، التي كانت في ذلك الوقت قد شهدت أشهرًا من الاحتجاجات المناهضة لمرسي، ثم تطورت إلى ثورة صريحة. وكان أكثر من أربعين محتجًا قد قتلوا على يد الشرطة هناك، فيما حث مرسي علنًا قوات الأمن بالتعامل بقوة مع الاحتجاجات. لكن ما أن تم نشر الجيش في المدينة، حتى رحب بهم السكان بحرارة، ثم واصلوا الاحتجاجات والإضرابات. وقال مسؤولون عسكريون إن مرسي أمر الجيش بالتصرف بأسلوب أكثر صرامة مع المحتجين، لكن السيسي رفض وأجابه: quot;الناس لديها مطالبquot;.
إشاعة حقيقية
خلال شهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو)، اجتمع مسؤولون من دائرة السيسي مع قادة الحرس الجمهوري، وهو فرع الجيش الذي يحمي الرئيس. وقال القادة إن مساعدي مرسي كانوا يحاولون استمالة ضباط الحرس وكبار ضباط الجيش في خطوة لاستبدال السيسي. وتأججت الشكوك بين الجانبين من خلال التسريبات الصحفية، لكن مرسي طمأن السيسي إلى أن ليست لديه النية في طرده من منصبه، وقال له: quot;إنها مجرد إشاعةquot;، فيما قال السيسي للرئيس إن المعلومات عن انتقاد الجيش له ليست سوى حديث جرائد. في نيسان (ابريل)، بدأ نشطاء حملة quot;تمردquot; بجمع التواقيع على عريضة تطالب مرسي بالتنحي. وقال اثنان من كبار مسؤولي وزارة الداخلية: quot;عندما وصلت التواقيع إلى مليوني توقيع في منتصف أيار (مايو)، تدخل الجيش وعمل من خلال أطراف ثالثة على ربط المجموعة التي تضم الليبراليين والمعارضين مع رجال الأعمال الذين قاموا بتمويل الحملة. وفي حزيران (يونيو)، كانت حركة quot;تمردquot; جمعت أكثر من 20 مليون توقيع، ودعت إلى مسيرات حاشدة ضد مرسي بدءًا من 30 حزيران (يونيو)، أي في ذكرى تنصيبه رئيسًا. في ذلك الوقت، أصدر السيسي بيانًا قال فيه إن القوات المسلحة ستتدخل لمنع حدوث أي عنف في الاحتجاجات، ولا سيما لمنع أنصار مرسي من مهاجمة المسيرات. وأعطى قائد الجيش مهلة اسبوع للطرفين لتسوية خلافاتهما. وقال مسؤول في الإخوان إن مرسي استدعى السيسي وطلب منه شرح ما يقصده من البيان، فأجابه أن كلامه يهدف quot;لطمأنة الناسquot;. لكن السيسي لم يظهر نواياه الحقيقية حتى 1 تموز (يوليو)، عندما أعطى الرئيس مهلة 48 ساعة، وطلب منه ببساطة إيجاد حل مع معارضيه وإلا يتدخل الجيش. وبعد فترة وجيزة من صدور الموعد النهائي الأول، دعا مساعدو مرسي القائد الميداني الثاني للجيش، اللواء أحمد وصفي من منطقة قناة السويس، وأوحوا له بإمكانية تعيينه بدلًا من السيسي، فهرع وصفي وأبلغ السيسي بهذه النوايا.
... وفرّ الخاطفون!
قال اللواء سامح سيف اليزل، من مركز الجمهورية للأبحاث السياسية والأمنية، إن مسألة الأمن في شبه جزيرة سيناء، على الحدود مع غزة، كانت في قلب الخلافات بين السيسي ومرسي. فعقب الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، اكتسب المتشددون الاسلاميون اليد العليا في هذه المنطقة. وبعد فترة وجيزة من تولي مرسي الحكم، قتل مسلحون 16 جنديًا مصريًا في هجوم واحد، كما تم اختطاف جندي وستة من رجال الشرطة في شهر أيار (مايو). تعهد مرسي حينها بالعمل على حل القضية، لكنه ومساعديه تحدثوا علنًا عن الحاجة إلى ضبط النفس والحوار. وفي مرحلة ما، اعترف مرسي بأنه منع الجيش من تنفيذ غارة بهدف منع سقوط ضحايا من المدنيين، وتحدث أيضًا عن ضرورة عدم الاساءة إلى الخاطفين وكذلك الأسرى. وعمل حلفاء مرسي السلفيون على التوسط مع الجماعات المتشددة لحملهم على وقف العنف، على الرغم من أن الهجمات استمرت. وبعد الإفراج عن الرهائن، تعهد مرسي علنًا بتعقب الخاطفين، لكنّ مسؤولين عسكريين قالوا إنه أمر السيسي بسحب قواته من المنطقة حيث يعتقد بوجود الخاطفين، فامتثل الجيش وفرّ الخاطفون. وقال مسؤولو الأمن والمخابرات إنهم أبلغوا مرسي بالأعداد المتزايدة للجهاديين الأجانب، بمن فيهم الفلسطينيون، التي تدخل إلى سيناء. وقالوا إن الجيش أبلغ مرسي بأن مسلحين من غزة شاركوا في مقتل 16 جنديًا، لكنه رفض طلب السيسي بتسليمهم للمحاكمة. بدلًا من ذلك، طلب مرسي من السيسي لقاء خالد مشعل، زعيم حركة حماس، لمناقشة هذه القضية، فرفض لا سيما أن الجيش المصري يرى في حماس تهديدًا لأمن مصر.
التعليقات