تكررت عمليات الهروب من السجون العراقية على مدى سنوات، ويرى مراقبون ومعنيون بالشأن السياسي أن عمليات فرار المعتقلين من أفراد الجماعات المسلحة يرتبط بعدد من الملفات السياسية.
وسيم باسم من بغداد: وقع خبر هروب عشرات السجناء الخطرين الذين ينتمون إلى الجماعات المسلحة الاثنين الماضي، بعد اقتحام سجني ابوغريب والتاجي، كالصاعقة في نفوس العراقيين الذين تروعهم المفخخات كل يوم، حتى افقدهم خبر الهروب الكثير من الآمال حول المستقبل بسبب عدم كفاءة أجهزة الامن وفساد السياسيين. والمثير في حالة العراقيين بعد الحادثة هو اليأس المشترك، ووقوفهم مكتوفي الايدي رغمًا عنهم، بينما يُخرّب بلدهم ويقتل ابناؤه. بل إن البعض، مثل المدرس هادي الجنابي، يقر بأن الاعتكاف وعدم سماع الاخبار هو الحل الامثل في هذه المرحلة لتجنب الانهيار النفسي.
ويعترف الجنابي أن اليأس يدب في اوصاله إلى الحد الذي يتمنى لو لم يذهب إلى عمله في المدرسة بسبب فقدانه الحماسة، مؤكدًا أن لا مستقبل للعراق في ظل ساسة فاشلين وقادة امنيين لم يستطيعوا الحفاظ حتى على السجون. ويتابع: quot;من وجهة نظري، ما يحدث اكبر من تقصير رجل امني، بل سببه اجندة خفية وعمليات فساد كبرىquot;.
وكان العشرات من نزلاء سجني التاجي وأبوغريب بالقرب من بغداد فروا الاثنين بعدما نجح مسلحون في اقتحامهما وتهريب السجناء، بينهم أعضاء كبار في تنظيم القاعدة المحكوم عليهم بالإعدام، بعدما اندلع قتال لساعات أسفر عن قتل 20 من أفراد الأمن على الأقل.
تبرير الفشل
لا يتوقع الباحث السياسي والأكاديمي باسم عودة من جامعة بابل استقرار العراق على المدى القصير، مؤكدًا أن البلد يحتاج عشر سنوات على الاقل لكي يستقر، اذا تم استبدال قياداته السياسية ومسؤوليه الامنيين.
وتابع: quot;دخل العراق ضمن الصراع الاقليمي بين القاعدة والغرب وبين القوى العالمية والإقليمية حول سوريا وسيدفع ثمن ذلك بكل تأكيدquot;.
من جانب آخر، يؤكد عودة أن المسؤولين والسياسيين في الحكومة سيظهرون أمام وسائل الاعلام ليبرروا فرار المعتقلين في السجون، وسيتهمون اطرافًا سياسية بالتواطؤ، لكن ذلك لن ينطلي على العراقيين الذين يعرفون جيدًا أن الجميع مسؤول عن هذا الخرق الامني.
وتكررت عمليات الهروب من السجون العراقية، على مدى سنوات حيث يرى مراقبون ومعنيون بالشأن السياسي أن الخروقات الأمنية ترتبط بعدد من الملفات التي تشكل تحديا أمام الحكومة العراقية. ففي أيلول 2012، هرب عشرات السجناء المنتمين إلى تنظيم القاعدة من سجن التسفيرات في تكريت بعد اقتحامه من قبل مسلحين، كما أن عمليات الهروب تكررت بين الحين والآخر في سجون أخرى منتشرة في البلاد.
بعد سياسي
يعتبر الضابط في وزارة الداخلية صلاح حسين أن الاسباب الرئيسة وراء ذلك يعود إلى عدم كفاءة الاجهزة الامنية وغياب اكاديمية حراس السجون، حيث إن الكثير منهم لا يعرف القراءة والكتابة، اضافة إلى تعاطف بعضهم مع السجناء. لكن عودة يقول إن للهروب المتكرر للسجناء بعدا سياسيا وهناك احتمال تورط جهات سياسية.
ولم يقف الامر عند السجون شمال بغداد بل امتد إلى وسط وجنوب البلاد ايضًا، حيث شهد سجن القصور الرئاسية في محافظة البصرة جنوبي البلاد هروب نحو 13 سجينا في شهر كانون الثاني من العام الماضي. وقالت مصادر وقتها إن شخصيات سياسية لم يعلن عنها متورطة في العملية.
كما تمكن أكثر من 30 نزيلا من الهروب من سجن الموصل شمالي البلاد في أيلول الماضي، إضافة إلى عمليات هروب أخرى من سجون السماوة والحلة جنوبي البلاد.وجرت محاولات الهروب لنزلاء سجون تسفيرات الرصافة في بغداد و تكريت وديالي خلال العامين الماضي والجاري.
من جانبه، يتساءل الاعلامي عدنان الطائي كيف يتعرض سجنا ابو غريب والتاجي لهجمات مسلحين بالقذائف والمفخخات، وهما ليسا على الحدود مثلًا؟، معتبرًا ما حصل إهانة لهيبة الدولة واسقاط لحكومة ادعت انها تعمل وتنجز. ودعا الطائي إلى الخجل من الشعب بتقديم المسؤولين الكبار وعلى رأسهم هرم السلطة الاستقالة. اما الكاتب ستار محسن علي فيؤكد أن الحكومة فاشلة وعليها أن تستقيل الليلة قبل الغد.
فقدان الأمل
الباحث الاجتماعي والناشط السياسي باسم الشريفي يقول إن معظم شباب العراق يتحاشى الاهتمام السياسي، بسبب اليأس المتراكم من تكرار فشل الحكومة من توفير الامن والاستقرار، quot;بل إن اغلب الشباب يتمنون الهجرة خارج العراق حتى الذين يعملون او على مقاعد الدراسة، وسبب ذلك يعود إلى فقدانهم الامل في وطن مستقر الاوضاعquot;.
وعُرف سجن أبو غريب قبل العام 2003 باعتباره معتقلًا رئيسا لمعارضي النظام وقتها، كما أن صيته السيئ زاد في العام 2004 عندما نُشرت صور أظهرت تعذيب معتقلين على أيدي حراس السجن الأميركيين آنذاك.
وأثارت قضية هروب السجناء اهتماما كبيرا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب امير الاسدي باللهجة العامية، معلقا: quot;لكّم والله سوّيتونه مضحكة, لكم والله قرقزوكم ولعبوا بيكم لعب، ولكم هم انتوا دولة او حكومة، تتحاصصون بالمناصب والامتيازات وتاركين المجرمين يلعبون شاطي باطي؟quot;. وكتبت الشاعرة والكاتبة رجاء الربيعيlrm; باللهجة العراقية ايضًا: quot;لو عندهم غيرة على انفسهم يقدمون استقالتهمquot;.
ويتحدث عزيز الخزرجي من جانبه معتبرا أنه بعد هروب عشرات السجناء على العراقيين انتظار ألف مفخخة سيتم إعدادها من قبل هؤلاء الفاريين. ولعل رأي الاعلامي عماد الخفاجي هو رأي الغالبية من العراقيين حين يتوجه متهكمًا بالشكر إلى مديرية السجون والادارات والقوات الامنية والوزارات المعنية لمساهمتهم الكبيرة والواضحة في الفيلم العراقي quot;الهروب الكبيرquot;.
التعليقات