من المتوقع أن يساهم اغتيال المعارض التونسي محمد البراهمي في زيادة الضغوط على اسلاميي تونس الذين يواجهون محاولات من معارضيهم لنقل السيناريو المصري الذي أطاح بحكم الاخوان المسلمين. وتتدارس المعارضات عدة مقترحات قد تنتهي الى تعطيل المسار الانتقالي الحالي.


إسماعيل دبارة من تونس: صُدمت تونس مهد الربيع العربي في يوم عيد الجمهورية باغتيال المعارض والنائب بالمجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي.

وتتدارس الأحزاب السياسية التي دانت بقوة عملية الاغتيال، مستقبل المسار الانتقالي بعد هذا المصاب الذي يضاف الى سجلات الفشل والصعوبات التي تواجه حكومة الترويكا التي تقود المرحلة الانتقالية بقيادة حزب النهضة الاسلامي الذي يعتبر فرع الاخوان المسلمين في تونس.

وتبدو تونس في مفترق طرق، ويشير متابعون الى سيناريوهات محتملة قد تعقب عملية الاغتيال الجديد لعلّ ابرزها استقالات جماعية لنواب المعارضة من المجلس التأسيسي، ما يعني رفع الشرعية عنه، وبالتالي المضيّ نحو مسار انتقالي جديد، يكون مغايرًا للمسار الحالي.

واغتيل محمد البراهمي النائب في المجلس التأسيسي والقيادي في الجبهة الشعبية ومنسق حزب التيار الشعبي المعارض (قومي عربي) أمام منزله في حي الغزالة بأريانة.

وأعلن التلفزيون الرسمي التونسي أن رجلين على دراجة نارية قتلا البراهمي الذي يبلغ من العمر 58 عامًا باطلاقهما 11 عيارًا ناريًا.

استقالات جماعية

يبحث نواب المعارضة في المجلس التأسيسي، اقتراحًا يقضي باستقالات جماعية من المجلس الذي تم انتخابه في 23 اكتوبر 2011، وفازت فيه حركة النهضة بأغلبية المقاعد.

وأعلن نائبان هما اياد الدهماني، ومراد العمدوني (معارضة) استقالتيهما من التأسيسي، عبر وسائل الاعلام، في حين يتدارس آخرون الاستقالة، حسب مصادر إيلاف.

وتهدف المعارضة من خلال هذا الاجراء الى رفع الشرعية عن المجلس التأسيسي، وكانت دعوات كثيرة صدرت عن أحزاب وشخصيات تعارض حكم الإسلاميين، تدعو الى حلّ المجلس التأسيسي، وتشكيل حكومة انقاذ وطني.

العصيان المدنيّ

قالت الجبهة الشعبية التي ينتمي اليها المعارض القتيل، في بيان تلقت ايلاف نسخة منه، إن البراهمي اغتيل quot;بنفس الطريقة الجبانة التي اغتيل بها يوم 6 شباط/فبراير الماضي الشهيد شكري بلعيد زعيم حزب الوطد الموحد (اليساري) وقائد الجبهة الشعبيةquot;.

وأضافت: quot;ندعو الشعب التونسي الى الدخول في عصيان مدني سلمي في كافة المناطق حتى إسقاط الائتلاف الحاكم، مجلسًا تأسيسيًا ومؤسسات نابعة عنه: حكومة ورئاسة.

واعتبرت أن quot;هذه الجريمة النكراء التي ارتكبت في وضح النهار، والتي تستهدف مباشرة زعامات الجبهة الشعبية وكل الزعامات الوطنية والديموقراطية، يتحمل مسؤوليتها مرة أخرى الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة التي تدفع بساستها المعادية لمصالح الوطن والشعب البلاد نحو الانهيارquot;.

وطالبت quot;كافة القوى الوطنية والديمقراطية إلى الدخول مباشرة في مشاورات من أجل تشكيل حكومة انقاذ وطني تتولى تسيير البلاد والإعداد لانتخابات حرة وديموقراطية في مناخ سياسي سلمي خالٍ من العنف والإرهابquot;.

كما دعت الى quot;إعلان الإضراب العام في كافة مناطق البلاد يوم جنازة الشهيد الرمز محمد البراهميquot;.

وتم في حدود الساعة الثالثة غرينتش من بعد ظهر الخميس، نقل جثمان محمد البراهمي من مستشفى محمود الماطري إلى مستشفى شارل نيكول بالعاصمة.

وأمر وكيل الجمهورية بتوجيه جثة البراهمي إلى مستشفى شارل نيكول لعرضها على الطب الشرعي.

واستخدمت الشرطة مساء الخميس الغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرة امام وزارة الداخلية في العاصمة شارك فيها عشرات المحتجين الذين طالبوا باسقاط النظام اثر اغتيال محمد البراهمي، كما افاد مراسل وكالة فرانس برس. (التفاصيل)

وأعلنت الخطوط الجوية التونسية أنها ألغت كافة رحلاتها المُبرمجة ليوم الجمعة بعد اغتيال البراهمي. (التفاصيل)

من جانبه، قال الباجي قايد السبسي رئيس حركة نداء تونس أن quot;عملية اغتيال الفقيد محمد البراهمي تعتبر فاجعة كبرى لتونس، وأن الأمر كان متوقعًا، لا سيما بعد استهداف كل من الشهيدين لطفي نقض وشكري بلعيدquot;.

واعتبر قايد السبسي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (وات) أن تونس quot;دخلت منعرجاً خطيرًا لإسكات الأصوات الحية ومرحلة التصفيات الجسدية التي من شأنها أن تشكك في السياسات المتبعة من طرف بعض الأحزاب. وأضاف قوله: quot;من المؤسف أن يتم اغتيال مناضل سياسي في يوم تحتفل فيه تونس بعيد الجمهوريةquot;.

الحكومة ترفض العصيان

رفض علي العريض، رئيس الحكومة التونسية، دعوات الى العصيان المدني في تونس وإسقاط الحكومة اثر اغتيال المعارض محمد البراهمي، ودعا التونسيين الى عدم الاستجابة لها.

وقال العريض في مؤتمر صحافي: quot;اؤكد رفض كل الدعوات، سواء صدرت عن شخص أو حزب أو جمعية أو تيار أو وسيلة اعلام، الى التقاتل والتجاوز والفوضى والخروج عن القانونquot;.

وقال quot;أتوجه بنداء الى الشعب التونسي لكي لا يترك الفرصة لكل دعوة للفتنة والتقاتل نحن ندعو الى التهدئةquot;.

وأضاف العريض quot;لا يجب أن نترك فرصة لدعاة الفتنة والإرهابيين كي يفشلوا المسار الديموقراطي ويحققوا أجندة الذين حلموا وسعوا وما زالوا لإفشال الربيع العربي بتمامه وكمالهquot;.

وتابع quot;الوحدات الامنية والعسكرية تقوم بواجبها حفاظًا على الامن والممتلكات. وأعطينا تعليمات لتعبئة اكبر ما يمكن من الوحدات والفرق الامنية للكشف عن الجناة و تقديمهم للعدالة والقصاص منهمquot;.

وقال إن quot;الحكومة ستستمر في القيام بواجبها الوطني وفي ضبط الامن وملاحقة الجريمة أيًا كان نوعهاquot;.

ويبدو أن العريض يردّ بتصريحاته تلك على quot;الجبهة الشعبيةquot;، وهي ائتلاف سياسي علماني يضم اكثر من 10 أحزاب، دعت إلى quot;عصيان مدني سلميquot; في تونس quot;حتى اسقاطquot; الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية.

شبح السيناريو المصريّ

مع سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، خيّم شبح السيناريو الذي اطاح بالرئيس المصري الاخواني محمد مرسي على تونس، وبدا واضحًا أن حركة النهضة تعدّ العدّة لمنع تكرار ما جرى في مصر.

ولو سقطت الحكومة الحالية، فذلك قد يعني فشل المرحلة الانتقالية التي اختارتها تونس، وانتهت الى مجلس تأسيسي مهمته صياغة دستور للبلاد، انبثقت عنه حكومة يقودها الاسلاميون.

وبينما يؤكد النهضويون وحلفاؤهم (حزبا المؤتمر والتكتل العلمانيين) أن السيناريو المصري الذي انتهى بالإطاحة بمحمد مرسي لن يتكرر في تونس الا أن المعارضة تريد الانقضاض على تلك الفرصة واستثمارها لإزاحة خصومها الاسلاميين.

ويبدو أنّ اغتيال محمد البراهمي سيعزز فرص المعارضة في حشد الشارع ضدّ الاسلاميين.

وقبل عامين ونصف العام فجرت تونس انتفاضات الربيع العربي التي انتقلت الى مصر وليبيا وسوريا. وأدت اول انتخابات في تونس الى وصول اسلاميين يوصفون بـquot;المعتدلينquot; للحكم، وهو ما حدث ايضًا في مصر لكن تدخل الجيش المصري لعزل الرئيس الاسلامي المنتخب بعد ضغوط شعبية كبيرة ألقى بسرعة بظلاله على تونس.

ولم ينتظر علمانيو تونس طويلاً كي يتحركوا ضد الاسلاميين فأطلق شبان حركة تمرد تنظيمًا مماثلاً لحركة تمرد المصرية بهدف اسقاط الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية وحل المجلس التأسيسي المكلف صياغة دستور جديد للبلاد. وقال منظمو هذه الحركة إنهم جمعوا 200 ألف توقيع إلى حدّ الآن.

وبعد يوم واحد من الاطاحة بالرئيس الاسلامي مرسي سارع حزب نداء تونس الذي يعتبر القوة المقابلة لحزب النهضة، ويضم وجوهًا كثيرة من عهد حكم الرئيس السابق بن علي، لتهنئة المصريين بانتصارهم لكنه استغل الموقف ليدعو الى حل حكومة النهضة وتشكيل حكومة انقاذ وطني.

وقال بيان حزب نداء تونس إن فشل الحكومة السياسي والاقتصادي وتفشي العنف أسباب تبرر الدعوة لحكومة انقاذ لتسيير شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

وفجر اغتيال المعارض شكري بلعيد في فبراير شباط أسوأ موجة احتجاجات في البلاد منذ الاطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في 2011 لكنّ الاسلاميين نجحوا في امتصاص غضب شعبي استمر بضعة اسابيع بتشكيل حكومة جديدة ضمت عددًا كبيرًا من المستقلين استجابة لطلب المعارضة، والغضب الشعبي.

وقال رئيس الوزراء التونسي علي العريض في وقت سابق إنه لا يتوقع حدوث السيناريو المصري لثقته بوعي التونسيين ولأن الرزنامة السياسية في تونس واضحة، على حدّ تعبيره.

ورغم أن الاسلاميين في تونس اقتسموا السلطة مع حزبين علمانيين وقبلوا بضغوط المعارضة تعيين مستقلين في كل وزارات السيادة وكانوا اكثر انفتاحًا من اسلاميي مصر الا أن محللين يرون أن السيناريو المصري ليس ببعيد ولو باختلافات في ظل تزايد الاحتقان من استمرار الاحباط لدى الشبان العاطلين وغلاء المعيشة وتفشي العنف.

واشنطن عن الاغتيال... مشين وجبان

إلى ذلك، نددت الولايات المتحدة بشدة باغتيال النائب التونسي اليساري المعارض محمد البراهمي، واصفة عملية اغتياله بأنها quot;مشينة وجبانةquot;.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية ماري هارف quot;هذا ليس الاغتيال السياسي الاول منذ الثورة التونسية، ولا يوجد أي مبرر لمثل هذه الاعمال المشينة والجبانة في تونس ديموقراطيةquot;. كما اشارت الى أن quot;لا مكان للعنف في عملية الانتقال الديموقراطية التونسيةquot;.

وإذ دعت السلطات الى اجراء تحقيق quot;شفاف ومهنيquot; لإحالة مرتكبي الجريمة الى العدالة، حضت quot;جميع التونسيين على التخلي عن العنف والتعبير بشكل سلميquot;.

ويأتي هذا الاغتيال بعد حوالي ستة اشهر من اغتيال شكري بلعيد، أحد ابرز وجوه المعارضة اليسارية التونسية.

واتهمت عائلة بلعيد ايضًا حزب النهضة الذي نفى أي ضلوع له في الجريمة. وحملت السلطة التونسية مجموعة اسلامية متشددة صغيرة المسؤولية عن الاغتيال.