نشر فريق من العلماء بحثًا جديدًا يقولون فيه إن ارتفاع حرارة الأرض لن ينحصر في العواقب الوخيمة على البيئة فقط، وإنما يزيد احتمالات النزاعات الدموية ويجعلنا أشد عنفًا.


تذهب فرضية واسعة الانتشار بين العلماء إلى أن التغيّر المناخي ستكون له عواقب وخيمة لا على البيئة وحدها، بل وعلى ساكني هذه البيئة، وأنه مع تزايد شح الموارد سيزداد عدد النزاعات العنيفة في أنحاء العالم.
وتبدو هذه الفرضية منطقية من الوهلة الأولى، لكنّ سجالاً يحتدم بين العلماء منذ 20 عامًا حول ما إذا كان ارتفاع حرارة الأرض يزيد احتمالات النزاعات الدموية بالضرورة. ورغم سيل الدراسات العلمية التي نُشرت في هذا المجال، فإن غياب الاجابة التي تحسم الجدل تُبقي النقاش مفتوحًا.
وفي حين أن بعض الباحثين ينظرون إلى ارتفاع حرارة الأرض على أنه خطر يهدد السلام العالمي، فإن آخرين يرون أنه على النقيض من ذلك يمكن أن يقلل خطر الحرب.
60 دراسة
وفي أجواء هذا السجال يأتي البحث الذي نُشر مؤخرًا في مجلة quot;ساينسquot; ليزيد النقاش حدة. إذ قام فريق من جامعة باركلي في كاليفورنيا بتحليل 60 دراسة في فروع وحقول علمية مختلفة متوصلاً الى أن ارتفاع حرارة الأرض يزيد بشكل واضح خطر اندلاع نزاعات دموية.
وإذا ارتفع متوسط درجة الحرارة 2 الى 4 درجات مئوية بحلول عام 2050، كما هو متوقع، فإن النزاعات المسلحة في بعض مناطق العالم يمكن أن تزداد بنسبة تصل إلى 50 في المئة، كما يحذر البحث الجديد.
وكتب فريق العلماء برئاسة سولومون هسيانغ أن جميع مناطق العالم ستتأثر بهذا الارتفاع. فان الزيادات المفاجئة في العنف المنزلي في الهند واستراليا، وتصاعد أعمال العنف وجرائم القتل في الولايات المتحدة وتنزانيا، والاضطرابات العرقية في اوروبا وجنوب آسيا والنزاعات على الأرض في البرازيل وعنف الشرطة في هولندا وحتى الأحداث التاريخية مثل سقوط حضارة المايا، كلها أمثلة ساقها العلماء لإسناد نظريتهم. وذهبوا إلى أن دراستهم اكبر بحث حتى الآن في علاقة حرارة الأرض والنزاعات.
ودفعت موجة الحر في أميركا الشمالية واوروبا مطبوعات مثل مجلة اتلانتيك الى اختيار عنوان يقول quot;الطقس الحار في الواقع يجعلنا نريد أن نقتل بعضنا البعضquot;. وكتبت البي بي سي quot;ازدياد العنف يرتبط بالتغيّر المناخيquot;.
وطلع موقع هفنغتون بوست بعنوان يقول quot;ارتفاع حرارة الأرض يزيد الجريمة والنزاعات الأخرى بدرجة كبيرةquot;. ونشرت وسائل اعلام المانية عديدة تنويعات على موضوع quot;مناخ العنفquot; تصدرتها مجلة فوكوس اونلاين بعنوان يقول quot;إن الحرارة تحول البشر إلى قتلةquot;.
ولكن الدراسة لاقت انتقادات لاذعة من خبراء آخرين اتهموا فريق جامعة باركلي ورئيسه هسيانغ باستخدام طرق احصائية مغلوطة والخروج بنتائج مشكوك في صحتها وحتى باستخدام البيانات استخدامًا انتقائيًا يخدم اغراضهم.
ورد هسيانغ وفريقه بتعقيب مستفيض يفند خصومهم. واحد هؤلاء الخصوم يورغن شفران الاستاذ المتخصص بالمخاطر الأمنية الناجمة عن التغيّر المناخي في جامعة هامبورغ. وكان شفران وفريق من العلماء الآخرين قاموا بتحليل 27 دراسة.
16 دراسة على النقيض
ونقلت شبيغل اونلاين عن شفران أن فريقه وجد أن 16 دراسة منها تبين أن ارتفاع حرارة الأرض يزيد احتمالات العنف، ولكن 11 دراسة أخرى تقول إن التغيّر المناخي يمكن أن يزيد العنف في بعض الحالات ويمكن أن يخفضه في حالات أخرى أو لا يكون له تأثير مؤكد بالمرة.
ولاحظ شفران ان هسيانغ وفريقه لم يأخذوا في الاعتبار 8 من هذه الدراسات الإحدى عشرة، منتقدًا التعامل مع القاعدة البيانية بهذه الطريقة الانتقائية لتقديم صورة معينة.
ونشرت مجلة ساينس نفسها انتقادات شديدة لدراسة فريق جامعة باركلي. ونقلت عن الاقتصادي النرويجي هلفارد بوهوغ أن هسيانغ وفريقه تجاهلوا بيانات معينة وأن ما يدعو للقلق أنهم استخدموا بيانات توصلهم إلى أشد النتائج تأثيرًا.
وكان بوهوغ شارك في دراسة تنقض استنتاجات هسيانغ وفريقه ولكنهم لم يتناولوها في بحثهم. وانضم الى بوهوغ في نقد استنتاجات هسيانغ وفريقه يوخيم ماروتسة مدير معهد ماكس بلانك للارصاد في هامبورغ وريتشارد تول استاذ الاقتصاد في جامعة ساسكس البريطانية وعالم الاجتماع نيكو شتير متهمين فريق جامعة باركلي بتجاهل تفسيرات بديلة لتزايد العنف والخلط بين المناخ والطقس والانتقائية في استخدام البيانات والاستهانة بقدرة الانسان على الابداع والابتكار في التعامل مع ظواهر الطقس والمناخ.
ورد فريق جامعة باركلي على خصومه مدافعًا بشدة عن نتائج دراسته. وقال الفريق إن من الجائز تمامًا أن تكون مجتمعات المستقبل اقدر على التعامل مع التغيّرات المناخية، ولكن quot;الافتراض بأن الوضع سيكون مختلفًا هذه المرة يبدو ثقة مفرطة بلا أساسquot;.
العلم عملية تصحيح ذاتي
كما نفى الفريق أن يكون خلط بين الطقس والمناخ مؤكدًا أن تحليله يبين أن التغيّرات في درجات الحرارة على المديين القريب والبعيد ذات نتائج متماثلة لجهة تواتر النزاعات وزيادتها. وتابع الفريق أن تهمة الانتقائية تهمة باطلة ايضاً، مشيرًا الى أن بحثهم لم يتضمن في استنتاجاته دراسات أخرى رغم أنها تؤكد العلاقة بين ارتفاع حرارة الأرض والعنف.
ولكن رد فريق جامعة باركلي على منتقدي بحثه لم يفعل شيئًا في انهاء السجال لا سيما وأن اقصى تنازل قدموه هو قولهم إن بعض الانتقادات quot;معقولة تمامًاquot;، ولكن البعض الآخر انتقادات quot;نابعة من سوء فهم أو سوء تأويل لما نحاول أن نفعله في بحثناquot; وانتقادات أخرى quot;باطلة بشكل صارخquot;، على حد تعبيرهم. وقال الباحث مارشال بيرك الذي شارك في الدراسة لمجلة شبيغل اونلاين إن غالبية منتقدي الدراسة quot;يقرأون دراستنا قراءة خاطئةquot; أو لم يقرأوها أصلاً.
ورغم أن الفريق أكد أنه لا يريد افتعال معركة مع احد، فإن رده تضمن عبارات لاذعة مثل قوله quot;إن حفنة من المشككين بالعلاقة بين التغيّر المناخي والعنف نالوا تغطية اعلامية واسعة من خلال المجاهرة بصوت عالٍ باختلافهم معنا وأن هذا على ما يفترض كان مفيدًا لحياتهم المهنيةquot;.
واتهم هانز فون شتورك مدير معهد الأبحاث الساحلية في مركز هيلمهولتس في المانيا مجلة quot;ساينسquot; بتحمل قسط من المسؤولية عن تفجير مشاجرة بين العلماء. ولكن متحدثة باسم المجلة قالت إنها لا ترى ضيرًا في السجال، مؤكدة quot;أن العلم عملية تصحيح ذاتي وأن الباحثين ينشرون اعمالاً في المجلات العلمية ليمكن إخضاعها إلى المزيد من التمحيص أو نسخها أو تأكيدها أو تفنيدها أو تصويبها. وبهذه الطريقة يتقدم العلمquot;.