يعوّل بشار الأسد كثيرًا على عامل الوقت ليفرغ الاتفاق الاميركي الروس حول سلاحه الكيميائي من مضمونه، ويتوقع خبراء أن يعمد الاسد إلى المراوغة والاستفادة من عامل الوقت وصعوبة تدمير ترسانته، حتى يلتفّ على الاتفاق.


لميس فرحات من بيروت: عندما أراد العقيد الليبي معمر القذافي إقناع العالم منذ 10 سنوات بأنه كان جاداً في التخلي عن الأسلحة الكيميائية، سحب الرؤوس الحربية والقنابل من ترساناته ونقلها إلى الصحراء حيث دمرتها الجرافات.

بعد أن هُزم الرئيس العراقي السابق صدام حسين في حرب الخليج عام 1991، أثبت استعداده للتخلي عن ترسانته الكيميائية أيضاً عندما سكب عدد من العراقيين العناصر الكيميائية السامة في الخنادق وأضرموا فيها النيران على مرأى من المفتشين.

المماطلة سيناريو متوقّع

اليوم، وفي السيناريو السوري لهذه القصة، يقول خبراء الأسلحة وديبلوماسيون إن الرئيس بشار الأسد عليه أن يثبت أنه جاد في الامتثال للاتفاق التاريخي الذي أعلن عنه في جنيف يوم السبت، عبر اتخاذ إجراءات دراماتيكية مماثلة في الأسابيع المقبلة.

أي شيء أقل من إثبات استعداده الفوري لوضع ترسانته الكيميائية تحت الرقابة الدويلة لتدميرها لاحقاً سيكون علامة على أن الأسد يسعى للمماطلة، مراهناً على أن الوقت إلى جانبه، فيما تتلاشى الذاكرة الدولية حول الهجوم الذي يقال إنه قتل أكثر من 1400 مدني معظمهم من الأطفال.

المعايير المنصوص عليها في اتفاقية جنيف تسعى إلى الاستفادة من الزخم من خلال فرض مواعيد نهائية سريعة، بما في ذلك شرط أن تقدم سوريا لائحة كاملة بأسلحتها الكيميائية مرافق التخزين والإنتاج في غضون أسبوع.

ويقضي الاتفاق أيضاً بإمكانية وصول المفتشين الدوليين quot;فوراً ومن دون قيودquot; إلى مواقع الأسلحة الكيميائية.

السرعة... جوهر المسألة

يقول الخبراء إن الوقت عامل أساسي في تنفيذ هذا الاتفاق وأن أي مماطلة أو تأخر ستفرغ الصفقة من مضامينها.

quot;هناك فترة زمنية محدودة جداً لتنفيذ الجزء الأكبر من الاتفاقية مع القدر الأكبر من الدعم السياسي الذي يمكن الحصول عليهquot; قال ديفيد كاي، الذي قاد جهوداً كبيرة في التسعينات لإيجاد وتدمير الأسلحة العراقية غير التقليدية.

وأشار في حديث لصحيفة الـquot;نيويورك تايمزquot; إلى أن الدعم السياسي سيبدأ بالتآكل والمسؤولين الذين سيتم استجوابهم سيتعبون. لذلك، لا بد من التنفيذ بأسرع وقت ممكن لضمان الحصول على أفضل نتيجةquot;.

لكن تدمير الأسلحة الكيميائية عملية مضنية قد تستغرق عقوداً حتى في أزمنة السلم. كما أن الخطوات الأولية دقيقة ومعرضة لعقبات سياسية محتملة ومخاطر بيئية حساسة، إلى جانب احتمالات التشويش والخداع.

quot;نحن لا نريد حدوث كارثة كيميائية أخرى في سوريا، فالبلاد شهدت عدة كوارث من هذا النوع حتى الآنquot;، قال أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية وهو مطلع على الاجتماعات التي تناقش كيفية فصل الأسد عن الترسانة الكيميائية التي تراكمت على مدى العقود الثلاثة الماضية منذ عهد والده حافظ الأسد.

وأكد المسؤول أنه quot;في حال لم يثبت الاسد امتثالاً كبيرًا يؤكد أن الجيش السوري مستعد للتخلي عن أقوى أسلحته، فهذه الخطة لن تنجح على الإطلاقquot;.

مصير القذافي وصدام

من جهته، قال روبرت جوزيف، مسؤول الأمن القومي الأعلى السابق في عهد الرئيس جورج بوش، إن ليبيا امتثلت لمتطلبات نزع السلاح النووي والكيميائي لأن quot;القيادة الليبية كانت تعتقد أنه ستتم مهاجمتها إذا لم تتخلَ عن برنامجهاquot;.

وأضاف المسؤول الذي ساعد على وضع المتطلبات الليبية لدى نزع برنامجها النووي والمخزونات الكيميائية: quot;أشك في أن الأسد قلق الآن من أن يتعرض للهجوم. على الرغم من أن المسؤولين في البيت الأبيض يصرّون على أن الرئيس أوباما وضع قواته العسكرية في البحر المتوسط في حالة تأهب، إلا أن الأسد غير متخوف من ضربة عسكرية على بلادهquot;.

الأسد يعلم أن صدام حسين ومعمر القذافي خلعا من الرئاسة وأعدما في نهاية المطاف بعد سنوات من التخلي عن أسلحتهما الكيميائية.

بناء على هذا السياق للسيناريو الموجود، فإن quot;التاريخ لا يخلق حافزاًquot; للأسد للتخلي عن سلاحه، وفقاً لمسؤول كبير في الادارة الاميركية.

عمل مضنٍ في الانتظار

يقول خبراء الأسلحة أيضا أن المفتشين الدوليين ينبغي أن تكون لديهم القدرة على إجراء مقابلات مكثفة مع المسؤولين عن الأسلحة في ترسانة الأسد للتحقق من أن المواقع التي سيفصح عنها الأسد صحيحة والتأكد من احتمال وجود أي مرافق سرية أخرى.

لكن مثل هذه المقابلات لم تذكر على وجه التحديد في الاتفاق، ولا يوجد أي تلميح إلى أن الأسد من شأنه أن يسمح بإجراء مقابلات مع خبراء الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك أعضاء في وحدة النخبة 450 التي تسيطر على الترسانة.

ويقول مسؤولون اميركيون إنهم يتوقعون رفض الأسد التام لتدمير الرؤوس الحربية للقذائف أو القنابل، والتي يمكن استخدامها في الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. ويرجح مسؤول عسكري أميركي أن الأسد أطلق بالفعل نحو نصف ترسانته من الصواريخ، لكن المزيد منها يستمر بالوصول إليه، بما في ذلك من إيران.

مراوغة

وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن الأسد يستمر بنقل مخزونه الكيميائي وفقاً لمسؤولين في المخابرات الأميركية، خوفاً من أن يتعرض لهجوم من الثوار.

وعلى الرغم من أن الكثير من المراقبين يعتقدون أن هذه الخطوة ايجابية لأنها تعني أن السلاح الكيميائي يتم تخزينه في مواقع أقل وأكثر تركيزاً، إلا أن المسؤولين يتخوفون من أن مثل هذه التحركات قد تخلق إمكانية لإخفاء بعض هذه المخزونات، مما يجعل من المستحيل كشفها والتخلص منها.