هوية مصر العلمانية أو الإسلامية هي أخطر الأزمات التي تواجه لجنة الخمسين، التي تصيغ الدستور المصري الجديد، في ظل تمسك حزب النور بالهوية الاسلامية، والتهديد بالانسحاب إن لم يلبَّ طلبه.
القاهرة: تواجه لجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري، المشكّلة بقرار من رئيس الجمهورية الموقت عدلي منصور، العديد من الأزمات والألغام التي تهدد بعرقلة عملها، أو تعرض الدستور لعدم الموافقة عليه عند الإنتهاء منه وطرحه للإستفتاء أمام الشعب.
مواد خلافية
تعدّ مواد الهوية الإسلامية والنظام الإنتخابي من أخطر المواد التي تشكل الأزمات لأعضاء اللجنة، التي تسيطر عليها أغلبية ليبرالية وعلمانية، في مقابل التيار الإسلامي ويمثله فيها حزب النور السلفي، الذي أعرب عن خشيته من إصدار دستور علماني، وهدد بالدعوة على التصويت بـquot;لاquot; في حالة طرحه للإستفتاء شعبيًا.
ما يعرف بـquot;مواد الهويةquot; يمثل أخطر الأزمات التي تواجه عمل لجنة الخمسين، لا سيما في ظل إصرار التيار الإسلامي ممثلًا بحزب النور السلفي على أن يتم النص على أن هوية مصر إسلامية، وتتمثل في المادة الثانية من الدستور التي يجري الخلاف حولها.
فالسلفيون يصرون على أن تكون صياغتها كالتالي: quot;أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصرquot;، بينما ترى أغلبية أعضاء اللجنة أن الصياغة الأكثر توافقًا هي: quot;مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع في مصرquot;. وما زال الخلاف حول إختيار كلمتي quot;أحكامquot; أو quot;مبادئquot; مستمرًا.
ومن المرجح أن يحسم الخلاف بشأن هذه المادة لصالح أن تكون صياغتها كالآتي: quot; الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريعquot;، لا سيما أن ممثلي الأزهر وغالبية أعضاء اللجنة يوافقون عليها.
المبادئ كلها
إلا أن الأزمة الأشد خطورة، وتهدد بتفجير اللجنة وعرقلة عملها، هي المادة 219 من دستور 2012، التي وضعها الإخوان إرضاء للسلفيين، وما زال حزب النور يصر على إستمرارها في الدستور الجديد. إنها المادة المفسرة للمادة الثانية، ونصها: quot;مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السُّنة والجماعةquot;.
وتعرضت تلك المادة لإنتقادات شديدة على أعتبار أنها تؤسس لدولة دينية سنية، وأوصت لجنة العشرةquot; التي قدمت مقترحات لتعديل الدستور بإلغاء هذه المادة، إلا أن حزب النور السلفي يصر على بقائها، ويهدد بالإنسحاب من اللجنة ودعوة المصريين لرفض الدستور عند الإستفتاء عليه.
وظهرت بوادر الخلاف حول هذه المادة مبكرًا، فقد إنسحب الدكتور بسام الزرقا، ممثل حزب النور، من إجتماع لجنة المقومات الأساسية للدستور، إحتجاجًا على إصرار بعض الأعضاء على حذفها.
التهديد بـquot;لاquot;
بقاء المادة 219 يعني أن تكون مصر دولة مدنية بمرجعية إسلامية، ولا يتنازل عنها التيار السلفي في مصر. وقال الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور، لـquot;إيلافquot; إن التيار السلفي لن يقبل بحذف هذه المادة، مشيرًا إلى أنها تعبر عن هوية الدولة المصرية الإسلامية.
وأضاف: quot;في حالة إصرار أعضاء اللجنة على إلغائها، فإن ممثلي الحزب سوف يتقدمون بإستقالتهم، ويلجأون إلى الشارع للتصدي لمحاولة إنشاء دولة علمانية، وإلغاء هوية الدولة الإسلاميةquot;. ولفت إلى أنه عند إلغاء هذه المادة، سوف يكون الحكم للشعب المصري، وسوف يدعو الحزب والتيار الإسلامي كله المصريين للتصويت بـquot;لاquot; على الدستور عند طرحه للإستفتاء الشعبي.
ونبّه إلى أن إنسحاب بسام الزرقا من لجنة المقومات الأساسية للدستور لا يعني إنسحابه من لجنة الخمسين، مشيرًا إلى أنه موقف إحتجاجي مبدئي، قد يتصاعد في حالة الإصرار على حذف تلك المادة وهدم هوية مصر الإسلامية.
مزبلة التاريخ
في المقابل، قال محمد سلماوي، المتحدث باسم لجنة الخمسين، إن الدستور الجديد لا يعترف بالأديان. وأضاف: quot;إننا نصنع دستورًا يحتوي الجميع، ويصلح للمجتمع الدولي، ولا يجب أن يكون الدستور المصري عنصرياً أو منحازاً إلى فئة بعينها أو ديانات محددة، وعليه أن يشمل الجميعquot;.
وهو ما أثار حفيظة السلفيين مجددًا، فهاجمه الدكتور خالد علم الدين، المستشار السابق للرئيس المعزول محمد مرسي، والقيادي بحزب النور، وقال في تدوينة له على موقع فايسبوك: quot;إذا كانت دولتكم لا دين لها كما قلتم سابقًا، ودستوركم لا يعترف بأديان كما يعترف متحدثكم الفاشل، فمصر ستظل دولة إسلامية ودستورها الحقيقي يستمد من دينها الإسلامي وثقافتها وتاريخهاquot;. وأضاف: quot;لن تستطيعوا أن تغيّروا هويتها مهما فعلتم وحاولتم، وقد حاول الفرنسيون والانجليز والعسكر من قبلكم ففشلوا، وسيذهب دستوركم في النهاية إلى مزبلة التاريخquot;.
ويصر حزب النور أيضًا على التمسك بحزمة أخرى من المواد، منها المادة 11 التي تنص على quot;رعاية الدولة للأخلاق والآداب والقيم المجتمعيةquot;، والمادة 12 التي تنص على أن quot;الدولة تحمي المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع وتعمل على تعريب العلوم والمعارفquot;، والمادة 25 التي تنص على أن الدولة quot;تلتزم احياء نظام الوقف الخيري وتشجيعهquot;.
النور يعرقل
ويرى أعضاء اللجنة أن حزب النور يحاول عرقلة عملها. وقال عبد الغفار شكر، عضو اللجنة، إن إلغاء المادة 219 محل توافق من أعضاء لجنة الخمسين، مشيرًا إلى أن المادة الثانية تكفي في ظل تفسير المحكمة الدستورية العليا لها. وأضاف لـquot;إيلافquot;: quot;الدستور الذي يجري وضعه حاليًا يكرس الدولة المدنية وليس الدولة الدينية التي كرسها دستور 2012، والمادة 219 التي يصر عليها حزب النور تجعل مصر دولة دينية سنيةquot;.
ونبّه شكر إلى أنها مادة مفسرة للمادة الثانية، مشيرًا إلى أن الدساتير ليست بها مواد مفسرة، quot;فالمادة الثانية تحفظ هوية مصر المدنية بمرجعية إسلامية، ولا حاجة للمواد الأخرى التي تفتح الباب واسعًا أمام التأويلات والخلافات والفتن بين المصريينquot;.
وأوضح شكر أن وضع المواد وصياغتها يكون بالتوافق داخل اللجنة بهدف إعلاء المصلحة العليا للوطن، بموافقة ممثلي الأزهر وجميع التيارات السياسية والمجتمعية الممثلة في اللجنة.
فردي أو نسبي!
النظام الإنتخابي من الأزمات التي تواجه لجنة تعديل الدستور، ويشهد المجتمع والأحزاب السياسية نقاشًا وخلافات حادة حول النظام الأمثل. فالبعض يرى أن النظام الفردي يخدم نظامي حسني مبارك والإخوان ويضر بالأحزاب السياسية، فيما يرى آخرون أن نظام القائمة يضر بالمستقلين.
وأعلنت حركة quot;تمردquot; دعمها للنظام الفردي، فيما أبدت 24 منظمة نسائية وحزب سياسي إعتراضها على هذا النظام، ودعت في بيان لها إلى حذف المادة 191 التي تنص على الأخذ بالنظام الفردي فى انتخابات مجلس الشعب والانتخابات المحلية التالية لإقرار الدستور المعدل، وأن ينص قانون الانتخابات على الأخذ بنظام القوائم النسبية على جميع المقاعد.
وأضافت: quot;نظام القوائم النسبية هو النظام الأفضل فى هذه المرحلة، وسيكون عاملًا مهمًا فى دعم النساء في المجال السياسي وتحقيق مشاركة فعالة وحقيقية لهن، خصوصًا عن طريق إلزام الأحزاب بوضع النساء في مراكز متقدمة على القوائم النسبية، على أن يعتبر ذلك نوعًا من أنواع التمييز الإيجابي الذي أخذت به دول كثيرةquot;.
مزيج
ووصفت المنظمات النسائية النظام الفردي بأنه الأسوأ على الإطلاق لتمكين النساء من المشاركة في الانتخابات التشريعية، مشيرة إلى أنه يعمل على تعزيز استخدام عوامل المال السياسي ونفوذ العائلات في بعض المناطق والمحافظات، quot;وهي عوامل تدعم من يملكها وحده، لكنها لا تدعم مشاركة ديمقراطية ومناخاً تنافسياً حقيقياً في عملية الانتخابات، ولما فيه من عيوب ليس فقط على مشاركة النساء بشكل متساوٍ فى العملية السياسية بل على ضمان تمثيل عادل لكافة القوى السياسية، وخصوصًا الأحزاب والكيانات حديثة العهد، التي تم إنشاؤها بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011quot;.
وقال عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين، إن النظام الإنتخابي يوضحه القانون وليس الدستور، مستبعدًا أن يتم النص في الدستور على أي أنظمة إنتخابية، سواء في البرلمان أو المحليات. في حين قال أحمد سعيد، رئيس حزب المصريين الأحرار، إن بعض المشاركين في حوار الرئيس الموقت مع الأحزاب اقترحوا العمل بنظام 50% للقائمة و50% للفردي كنظام انتخابي امثل للانتخابات البرلمانية القادمة.
التعليقات