يستعد الجيش العراقي لشن هجوم واسع لاستعادة هيبته بانتزاع مناطق سيطرت عليها القاعدة وداعش، بالترافق مع احتفاله غدًا بالذكرى 93 لتأسيسه. ويواجه الجيش اخطر تحدٍ منذ أن أعيد تشكيله قبل عشر سنوات حيث يتصدى لخطر الجماعات المسلحة المتطرفة وسط دعوات لابعاده عن الصراعات السياسية والطائفية والعمل على تجهيزه وتسليحه.


أسامة مهدي من لندن: تأسس الجيش العراقي بعد ثورة العشرين الشعبية ضد الاحتلال البريطاني، والتي تشكلت اثرها أول حكومة عراقية بادرت الى بناء أول نواة لجيش البلاد في السادس من كانون الثاني (يناير) عام 1921.

ثم قام الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بحل الجيش عام 2003 اثر دخول قوات بلاده الى العراق واسقاط نظام الرئيس الاسبق صدام حسين.

ودعا رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي اليوم الى ابعاد الجيش تمامًا عن الفئوية والجهوية التي قال إنها بمثابة برهان على وطنيته وحياديته واستقلاله عن أي فكر سياسي أو حزبي أو طائفي لما لذلك من آثار سلبية مدمرة على مستقبل البلاد.

واشار في رسالة الى افراد الجيش حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منها الى أن مفاهيم الجندية الحقة في الدول التي تعتمد النظم الديمقراطية هي الاساس في بناء جيش قوي لا ولاء له غير الولاء للشعب والوطن، وليست له مهمة أو مسؤولية غير حماية الارض والدفاع عن حياض الوطن ولا يمكن بأي شكل او حال أن توضع قدرات الجيش وامكانياته في مصلحة فرد بذاته او فئة بعينها ولا يمكن أن تسلط فوهات البنادق الى صدور مواطنيه أو تتحول المدن والبلدات الى ثكنات عسكرية وتصبح الازقة والشوارع سواتر يتمترس فيها الجيش.

واضاف رئيس مجلس النواب أن المرحلة الحالية وما تشهده المنطقة من ظرف استثنائي وازمات حادة وصراعات دموية quot;تضع القادة العراقيين امام مسؤولية تاريخية تحتم عليهم العمل المشترك بالنهوض بمتطلبات شعبنا وفي مقدمتها بناء جيش قوي قادر على حماية حدودنا من طمع الطامعين وشرور الاعداء وخطر التنظيمات الارهابية كالقاعدة وداعش والقوى الظلامية كالمليشيات المسلحة من خلال اعادة النظر في الواجبات المناطة لهم وتجنيبهم عن خلق حالة من الارباك والتداخل في المهام والمسؤوليات مع الاجهزة الامنية المتعددة التي لها مهام وجدت من اجلها وابعاده التام عن الفئوية والجهوية التي هي بمثابة برهان على وطنيته وحياديته واستقلاله عن أي فكر سياسي أو حزبي أو طائفي لما لها من آثار سلبية مدمرة على مستقبل البلاد وابنائه وضرورة تطبيق المادة الدستورية التي تنص على أن تتكون القوات المسلحة والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو اقصاءquot;.

وقال النجيفي: quot;لأن امة من دون جيش قوي مهني تبقى امة ضعيفة مستباحة وهو يتصدى لأعتى هجمة ارهابية تمر بها البلاد والتي تعددت وجوهها مع تعدد وجوه التحديات الخارجية التي أفرزتها عملية التغيير والتحول الديمقراطي لذا من الضرورة بمكان وضع الخطوات السليمة والصحيحة لرفع مستوى القوات المسلحة من حيث جاهزيتها واستعدادها القتالي لأي طارئ وتوسيع مجال تسليحها وتجهيزها بالعدة والعدد من أجل ضمان امن واستقرار البلد وفق اسس علمية ومهنية بعيدة عن شبهات الفسادquot;.

من جهته، دعا النائب الاول لرئيس مجلس النواب قصي السهيل الى ابعاد الجيش العراقي عن الصراعات السياسية والطائفية وعدم اخضاعه لنفوذ أية جهة كانت. وشدد في بيان على ضرورة تجهيز الجيش بأحدث الاسلحة والمعدات العسكرية ليتمكن من أداء دوره البطولي في الحفاظ على امن العراق على أتم وجه.

وطالب منتسب القوات المسلحة بالالتزام بالثوابت الوطنية والابتعاد عن أي تصرف يسيء لهذه المؤسسة،وأن يتم التعامل مع المواطنين بمهنية واحترام والابتعاد عن كل ما يسيء الى العلاقة بين الطرفين .. كما دعا المواطنين الى التعاون مع افراد الجيش من اجل انجاح مهمته.

الجيش الجديد في مواجهة تحديات جديدة

وهو يحتفل بالذكرى 93 لتأسيسه، فإن الجيش العراقي الجديد الذي وصل عدد أفراده الى 350 الف عسكري يواجه حاليًا أخطر تحدٍ منذ إعادة تأسيسه بعد أن اصدر الحاكم العسكري الاميركي السابق بول بريمر بحله بعد عملية التغيير التي شهدها العراق عام 2003.

فالجيش العراقي يواجه بجميع امكاناته البرية والجوية حاليًا حربًا حاسمة يواجه فيها المئات من مسلحي تنظيم quot;دولة العراق والشام الاسلامية quot;داعشquot; المرتبط بالقاعدة والذين استطاعوا تأسيس مواقع قدم لهم بصحراء الانبار الغربية والسيطرة على مدن وبلدات المحافظة بما يشكل اكبر تحدٍ للسلطات العراقية منذ ذلك الوقت.

وتشير المعلومات الى أن الجيش العراقي الحالي يحتل المرتبة 58 من أصل اقوى 68 جيشاً في العالم لعام 2013 وأن عدد المؤهلين للخدمة العسكرية في العراق يبلغ 13 مليون نسمة من بين سكانه الـ 35 مليون نسمة.

ويبلغ عدد قوات الجيش في الخدمة الفعلية الآن حوالي 300 الف فرد وعدد قوات الاحتياط 342 الف شخص، ويمتلك هذا الجيش 396 دبابة بحسب إحصاءات عام 2012 بالإضافة إلى 2.643 عجلة قتال مدرعة مع 500 قطعة سلاح محمولة مضادة للدروع و 9000 عجلة لوجستية و278 طائرة مع 129 طائرة هليكوبتر فيما يمتلك 88 قطعة مختلفة من زوارق حربية ودورية وساندة مع عدم امتلاكه لأي غواصة أو فرقاطة أو كاسحة الغام.

وقد خصصت الميزانية العامة المقترحة للعراق خلال العام الحالي 2014 للقطاع الأمني والتسليحي حوالى 14 مليار دولار منها 6 ملايين للجيش وحده.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية quot;البنتاغونquot; قد أعلنت في حزيران (يونيو) الماضي أنها منحت عقد مبيعات خارجية لتزويد العراق بـ22 منظومة رادار متطور يوضع في طائرات أف 16 المتوقع أن يبدأ العراق بتسلمها قريبًا متوقعة أن تجهز الصفقة نهاية العام 2017 المقبل.

واشارت في ايار (مايو) الماضي الى تسليم العراق ثلاث طائرات من نوع بيل 407 المدرعة طراز IA- 407 ضمن الدفعة الثامنة والاخيرة المتعاقد عليها بين الطرفين.

مسيرة سياسية وعسكرية حافلة

بدأ الجيش العراقي بالدخول الى المعترك السياسي في عام 1936 حيث اشترك في أول انقلاب عسكري بقيادة الفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية ثم خاض حربًا في أيار عام 1941 ضد بريطانيا.

كما كان له دور مؤثر عام 1948 ابان الحرب العربية الإسرائيلية، وكذلك بالمعارك التي تلتها في عامي 1967 و 1973 حيث توجد مقبرتان لشهداء الجيش العراقي في سوريا والاردن.

وفي عام 1958، قام الجيش باسقاط النظام الملكي وفي عام 1963 اطاح بحكم عبد الكريم قاسم، وفي عام 1968 اوصل حزب البعث إلى السلطة.

وخلال سنوات الحرب بين العراق وايران بين عامي 1980 و1988 تضاعف حجم الجيش بشكل كبير حيث بلغ تعداده حوالي المليون جندي كرابع أكبر جيش في العالم من حيث عدد الأفراد وكان يتشكل من 50 فرقة من القوات البرية.

كما تشكلت خلال هذه الفترة قوات الحرس الجمهوري وهي إحدى أهم وحدات القوات المسلحة العراقية، وكانت تشكل عنصر الهجوم الرئيس للجيش العراقي وبلغ عدد أفرادها في آب (أغسطس) عام 1990 حين احتل الجيش العراقي الكويت حوالي 150 ألفًا.

وبعد احتلال القوات الأميركية للعراق وسقوط النظام السابق، أعلن الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمر حل ما تبقى من الجيش العراقي وتم تشكيل جيش جديد مكون من 17 فرقة لكل فرقة 4 ألوية بالإضافة إلى قوات للبحرية والجوية والحرس الوطني.

وتشكل أول لواء في الجيش الجديد نهاية عام 2003 وهو اللواء الأول للتدخل السريع الذي يعتبر بذرة الجيش الجديد الذي يبلغ تعداده الآن حوالي 350 الف مقاتل.

ويخوض الجيش ومعه تشكيلات امنية اخرى خلال هذه الفترة حرباً من نوع آخر ليست ضد جيش نظامي يستطيع التعامل معه بقدراته وانما يخوض قتالاً ضد مجاميع مسلحة تخوض حرب عصابات.

ومنذ نيسان (أبريل) الماضي، حينما هاجمت القوات العراقية اعتصام محتجين في مدينة الحويجة بمحافظة كركوك الشمالية، مما ادى الى مقتل 50 منهم واصابة اكثر من مائة، فقد تصاعدت عمليات العنف التي ينفذها تنظيم القاعدة والمنظمات المرتبطة به مثل دولة العراق والشام الاسلامية quot;داعشquot; بشكل غير مسبوق وللمرة الاولى منذ الاقتتال الطائفي الذي شهدته البلاد بين عامي 2006 و2008 وما ساعد على ذلك الصراع في سوريا وتدفق آلاف المقاتلين الاسلاميين المتشددين اليها. واكتسب هؤلاء المقاتلون في العراق ايضاً قوة وزخمًا كبيرين شجعت عليهما اعتصامات المحتجين في محافظات البلاد السنية الشمالية والغربية حيث عززوا مواقعهم وقدراتهم في العراق.

وقد استطاع تنظيم quot;داعشquot; المرتبط بالقاعدة استغلال سحب الجيش العراقي من مدن محافظة الانبار الغربية الاسبوع الماضيللدخول اليها واحتلال مناطق في عاصمتها الرمادي، وكذلك بسط سيطرته على كامل مدينة الفلوجة التي تبعد 60 كلم عن بغداد غرباً واعلنها ولاية اسلامية.

وقبيل تطور الاوضاع في الانبار بهذا الشكل، فقد وصلت اسلحة ومعدات متطورة من سوريا الى صحراء المحافظة والمناطق المحاذية للحدود في محافظة نينوى الشمالية.

وقالت وزارة الدفاع العراقية إنها تمكنت من تحديد 11 معسكرًا لهذا التنظيم على طول الحدود مع سوريا واعلنت عن تدمير معسكرين على الاقل منها.

فالجيش العراقي يعد العدة الآن للبدء بهجوم واسع على مناطق بمحافظة الانبار وخاصة في مدينة الفلوجة منها لاستعادتها من مقاتلي quot;داعشquot; وطردهم من مناطق المحافظة الأخرى.

ويحشد الجيش أفراده ومعداته على محيط الرمادي عاصمة الانبار التي نجح بالدخول الى اجزاء منها بالفعل وحول الفلوجة التي اعلنها المسلحون امارة اسلامية.

ويخوض الجيش العراقي معركته الحاسمة هذه مدعومًا بعشائر وبحملة سياسية واعلامية ضخمة تقودها السلطات لرفع معنويات أفراده والخروج من تحدياته الخطيرة الحالية هذه بنجاح.