القاهرة: في بضعة اشهر فقط نجح وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يقترب من قصر الرئاسة، وتمت ترقيته اليوم الى اعلى رتبة في الجيش، في كسب شعبية واسعة لا ينازعه فيها اي سياسي اخر منذ ثورة العام 2011 التي اطاحت حسني مبارك.

وقد اعلنت الرئاسة المصرية ان الفريق اول عبد الفتاح السيسي قائد الجيش ورجل مصر القوي رقي اليوم الاثنين الى مشير اعلى رتبة في الجيش المصري. وخلف هدوئه الدائم، الذي رأى فيه المصريون دليلًا على الثقة بالنفس، تختبئ شخصية ضابط عنيد خاض من دون ان يهتز مواجهة دامية مع جماعة الاخوان المسلمين، الحركة السياسية التي ظلت لعقود طويلة الاكثر تنظيما في البلاد.

وقد عزل الرئيس المنتمي اليها محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو 2012 مؤكدا انه لبّى بذلك quot;ارادة الشعبquot; بعد نزول ملايين المصريين الى الشوارع يطالبونه بالتدخل لانهاء حكم الاخوان. في الواقع كان قراره اطاحة الرئيس الاسلامي السبب الرئيس في شعبيته، اذ رأى فيه المصريون دليلًا على الشجاعة والاقدام بعد عامين ونصف عام من الاضطرابات.

وحتى منافسيه المحتملين على مقعد الرئاسة مثل حمدين صباحي يعترفون بأن quot;شعبيته جارفةquot; وبأنه صار quot;بطلًا شعبياquot;. وخلافا للزعامات التقليدية، لم يكتسب السيسي هذه الشعبية معتمدا على الخطب الرنانة او اللهجة الحماسية، وانما هو على العكس يتحدث دوما بصوت خفيض وبنبرة هادئة، ويفضل اللهجة العامية البسيطة على العربية الفصحى.

في احاديثه الموجهة إلى المصريين، يفضل السيسي مخاطبة عواطفهم، ولا يمل من تكرار ان الجيش المصري quot;ينفذ ما يأمر به الشعبquot;. في 26 تموز/يوليو، طلب من المصريين النزول الى الشوارع لاعطائه quot;تفويضًَا وأمرا لمواجهة الارهاب المحتملquot;.
وله عبارة شهيرة قالها قبل شهور من عزل مرسي، ومازال يرددها في مناسبات عدة: quot;عندما اردتم (انتم المصريين) التغيير، غيرتمquot;، وفي مناسبة اخرى قال متوجها الى الشعب المصري quot;انتم نور عيونناquot;.

صوره الى جوار صورة جمال عبد الناصر تنتشر في التظاهرات وعلى واجهات المحال. وهو نفسه قال في حوار لم يكن مخصصا للنشر، ولكن تم تسريبه انه quot;يتمنىquot; ان يكون مثل عبد الناصر. غير ان قيادات عسكرية مقربة منه تؤكد انه quot;لا يريد استنساخ تجربة عبد الناصر وسياساتهquot;، وانما يأمل ان quot;يحقق العدالة الاجتماعية التي سعى اليهاquot; الرئيس المصري الراحل.

وفي لقاء مع شخصيات عامة وفنانين عقد اخيرًا، رد السيسي على من يطالبونه بالترشح للرئاسة قائلًا quot;هل انتم مستعدون لاقتسام اللقمة (الخبز)quot; مع من لا يملك قوته وquot;هل ستستيقظون مبكرا مثل رجال الجيش لتبدأوا العمل في الخامسة صباحا؟quot;، في اشارة الى انه يريد توزيعا عادلًا للدخل، ويدرك في الوقت عينه ان البلاد بحاجة الى عمل شاق.

ورغم ان الرجل امضى معظم سنين عمره الـ 59 داخل ثكنات الجيش المصري، الا انه لم يكن في السنوات الاخيرة خصوصا بعيدا تماما عن السياسة. فعندما كان رئيسا للاستخبارات العسكرية في عهد مبارك، وضع السيسي ما بات يعرف الان بـquot;خطة استراتيجيةquot; لتحرك محتمل لمواجهة quot;توريث الحكمquot; تحسبا لترشح جمال مبارك للرئاسة، بحسب ما قال لوكالة فرانس برس عسكري مقرب منه طلب عدم الكشف عن هويته.

وبعد قيام ثورة كانون الثاني/يناير التي اطاحت مبارك وقطعت الطريق على فكرة التوريث، كان السيسي مسؤولا عن الحوار مع القوى السياسية، بما في ذلك جماعة الاخوان، فتعرف إلى كل القيادات السياسية الموجودة على الساحة. والسيسي حذر ويحسب حساباته بدقة.

فقبل عزل مرسي باكثر من اسبوع، وتحديدا في السادس والعشرين من تموز/يوليو 2012، استيقظ الرئيس السابق ومعه قادة جماعة الاخوان quot;ليكتشفوا ان الجيش انتشر منذ الفجر على كل النقاط الاستراتيجية في القاهرة وعند مداخلها وفرض سيطرته على الارضquot; بحسب شخصية عسكرية مقربة من قائد الجيش.

اما السبب، بحسب الشخصية نفسها، فهو انه كانت لدى القوات المسلحة quot;معلومات عن تحرك سيقوم به الاخوان يتضمن اعتقالات لاكثر من ثلاثين شخصية سياسية واعلامية فكان لابد من الاستباق، وتحرك الجيش من دون علم او اذن رئيس الجمهوريةquot;.
ويعرف الجنرال كيف يكسب حب المصريين. وهو لم يتحدث اليهم عندما احتشدوا بالملايين في الميادين في الثلاثين من حزيران/يونيو للمطالبة برحيل مرسي، لكنه خاطبهم بشكل غير مباشر عبر مروحيات عسكرية حلقت فوقهم في سماء القاهرة ملوحة باعلام عملاقة لمصر وراسمة قلوبا في السماء.

عندما عيّن السيسي وزيرا للدفاع منتصف 2012 سرت تكهنات انه quot;اسلامي الهوىquot; لم تتبدد الا بعد عزل مرسي والحملة الامنية التي استهدفت الاخوان المسلمين، وسقط فيها منذ قرابة ستة اشهر اكثر من الف قتيل واعتقل الاف اخرون.

ويقول المقربون من السيسي انه لم يكن في أي وقت يميل الى الاسلاميين، لكنه مسلم متدين، يحرص مثل كثير من المصريين على اداء صلاة الفجر، قبل ان يبدأ عمله في الصباح الباكر، كما ان زوجته مثل الغالبية العظمي من المصريات ترتدي الحجاب.

تخرج السيسي من الكلية الحربية المصرية في العام 1977 ودرس بعد ذلك في كلية القادة والاركان البريطانية عام 1992 وفي كلية الحرب العليا الاميركية في العام 2006. وللفريق السيسي اربعة ابناء هم ثلاثة شبان درسوا جميعهم في كليات عسكرية مصرية وانضموا الى صفوف القوات المسلحة، واكبرهم متزوج بابنة مدير المخابرات العسكرية الحالي اللواء محمود حجازي وبنت واحدة تزوجت بعيدا عن الاضواء قبل نحو اسبوعين.