يقول عبدالعلي بازرغان، نجل الراحل مهدي بازرغان الذي كان أول رئيس للوزراء بعد الثورة الإسلامية في إيران، إنه قبل نجاح الثورة فيما كانت فكرة تشكيل مجلس شورى الثورة وتسمية قائد الثورة على كل لسان، كان اسم آية الله طالقاني وآية الله الخميني الأكثر شيوعا بين الناس، وإنه في أحد الأيام سأل صحافي غربي والدي حول توقعاته بشأن اسم الشخص الذي سيكون قائدا للثورة، فقال والدي: إنه الشاه. فكرر الصحافي سؤاله لاعتقاده بأن والدي لم يلتفت له بشكل صحيح، وقال: أقصد قائد الثورة وليس امبراطور البلاد. فكرّر والدي نفس الجواب، فقال الصحافي: كيف يمكن للشاه أن يكون قائدا للثورة. فقال والدي: في الواقع إن العنف المستخدم من قبل الشاه ضد المتظاهرين المسالمين وقتل الناس بالرصاص في طهران واصفهان وتبريز وهمدان قد زاد من غضب الشعب وجعله متحدا ومنسجما، إذ قبل ستة أشهر فقط كانت القلة القليلة من هذا الشعب ترفض أن يقودها أحد. إنه (الشاه) وفق موقفه السلبي يعتبر بحق قائدا للثورة. لذلك يقول عبدالعلي بازرغان بأنه يستطيع التأكيد بكل ثقة على أن قائد الحركة الخضراء المعارضة الراهنة، وفق الموقف السلبي، هو ولي الفقيه المطلق آية الله خامنئي.

فقبل ستة أشهر، حيث لم تكن الانتخابات الرئاسية الإيرانية قد جرت بعد، ولم يكن مرشد الثورة قد وضع مصير البلاد والشعب تحت تصرف الرئيس محمود أحمدي نجاد إثر انتخابات متنازع عليها ومشكوك في نتائجها، لم يتوقع أحد أن ينزل الشعب - رجالا ونساء - بهذه القوة والشجاعة والكثافة إلى شوارع طهران وبعض المدن الكبيرة ويعارضون نتائج الانتخابات، ويواجهون عنف قوات الشرطة والبسيج وقوات اللباس المدني المتسلحين بأنواع مختلفة من الأسلحة، ويتعرضون لقمع وحشي وقتل واعتقال. حتى أن المراقبين يؤكدون بأن الشعارات التي كانت تطلق ضد أحمدي نجاد في الأسابيع والأشهر الأولى التي تلت الانتخابات، باتت الآن مختلفة بالكامل، حيث أصبحت موجهة نحو خامنئي ومرتكزة على ولاية الفقيه وعلى شخص الولي استنادا إلى ما تمثله فرديته في الحكم من دكتاتورية واستبداد، حسب رؤية المعارضة. فلم يتوقع أي مراقب أن يتحول الاحتجاج على انتخاب احمدي نجاد، بهذه السرعة، إلى احتجاج عنيف ضد خامنئي وإلى رفع شعار quot;الموت لخامنئيquot; وquot;الموت للديكتاتورquot;، وهي صورة مكررة لأحوال ما قبل الثورة حينما تسارعت وتيرة شعار quot;الموت للشاهquot; بين جميع القوى المناهضة للحكم الامبراطوري.

وفي نظر الحركة الخضراء المعارضة، وفق ما يطرح في مواقعها الإلكترونية، فإن السلطات الإيرانية ارتكبت مؤخرا ثلاثة أخطاء ساهمت في تسارع وتيرة الأحداث ما جعل الغضب الشعبي يتجه بقوة نحو شخص الولي الفقيه بعد ما كان يتوزع بينه وبين الرئيس احمدي نجاد. الخطأ الأول هو ما جرى من تضييق ضد أنصار الحركة الخضراء أثناء مراسم تشييع النائب السابق لمرشد الثورة والقائد الروحي للحركة الخضراء آية الله منتظري الذي توفي في منتصف ديسمبر، ورسالة المواساة التي أرسلها خامنئي في هذه المناسبة والتي احتوت على عبارات اعتبرتها المعارضة مسيئة لمنتظري، الأمر الذي أدى إلى مواجهات عنيفة وعمليات اعتقال في صفوف المعارضة. الخطأ الثاني هو هجوم قوات اللباس المدني على منزل مرشد الثورة السابق آية الله الخميني في منطقة جماران في شمال طهران قبل يوم من مناسبة عاشوراء، أثناء إلقاء الزعيم الإصلاحي المعارض والرئيس السابق محمد خاتمي خطابا دينيا في هذه المناسبة، وهذا الخطأ في نظر المعارضة يمثل انتهاكا لحرمة منزل مؤسس الثورة، وهو لم يكن ليحدث لولا وجود ضوء أخضر من قبل خامنئي بشأن ذلك في ظل ما يمثله الخميني من احترام لدى بعض صفوف المعارضة. أما الخطأ الثالث فيعتبر محصلة للحدثين السابقين ونتيجة مباشرة لهما، ويتمثل في عمليات قتل وقمع أفراد المعارضة في يوم عاشوراء المقدس لدى الشيعة حيث اعتبر الكثير من الإيرانيين أن ما حدث من سفك للدماء في هذا اليوم هو انتهاك لحرمة المناسبة الدينية وإهانة للمذهب الشيعي.

لقد حولت المعارضة شعاراتها نحو خامنئي ونحو ما يسمى بديكتاتورية ولاية الفقيه في ظل مزاعم السلطات الحاكمة من أنها سوف تغيّر استراتيجيتها تجاه الحركة الخضراء المعارضة. فبعدما أكد قائد الشرطة الإيرانية أن ما يسمى بـquot;تسامحquot; السلطات الحاكمة تجاه المعترضين والمتظاهرين انتهى، تحدثت تقارير عن أن عنف رجال الأمن ضد المتظاهرين في يوم عاشوراء كان الأعنف منذ بدء المظاهرات قبل أكثر من ستة أشهر، ما يشير إلى أن المعارضة سوف تستمر في تحميل خامنئي مسؤولية تصاعد العنف ضدها، وبالتالي ستشدد من موقفها تجاهه، الأمر الذي أدى بمير حسين موسوي وهو أحد زعماء الحركة الخضراء البارزين إلى إصدار بيان من خمس نقاط يسعى من خلاله إلى توجيه حركة المعارضة في المرحلة القادمة. ورغم أن بعض المراقبين اعتبروا بيان موسوي دليلا على quot;تراجعهquot; أمام السلطات الحاكمة أو quot;تعبهquot; من الأوضاع، إلا أن أطرافا داخل الحركة الخضراء نفوا ذلك، وأكدوا أن البيان امتاز بـquot;الواقعيةquot; التي هي أحد عناوين الصراع ضد السلطات الحاكمة في إيران. فالبيان أكد على ضرورة quot;وقف القمعquot; للخروج من quot;الأزمة الخطيرةquot;، ودعا حكومة نجاد إلى quot;تحمل مسؤولياتها للمشاكل التي خلقتهاquot;، وطالب quot;بإطلاق سراح السجناء السياسيين والاعتراف بحق الشعب في التجمعquot;، وأكد أن هوية الحركة الخضراء quot;إسلامية ووطنيةquot; وعارض أي quot;هيمنة أجنبيةquot;، وشدد على quot;الوفاء للدستورquot;. فالبيان، إذن، لم يشر إلى ما يمكن أن يبعد أنظار الحركة الخضراء والمتظاهرين عن خامنئي، بل يؤكد على مسؤولية السلطات عما يتعرض له الشعب الإيراني من مشاكل، ويشير بصورة غير مباشرة إلى أن الصراع ليس على الدستور إنما بين حركة شعبية واسعة تسعى لكسب معركة الحرية والديمقراطية، وبين أنصار ولاية الفقيه المطلقة التي تهدف إلى التأكيد على الحكم الديني في ظل محورية شخص الولي الفقيه بسلطاته وquot;قدسيتهquot;.

لذلك، يبدو مستقبل الصراع بين الطرفين متجها نحو مزيد من التصعيد ونحو مزيد من التعقيد في ظل تمسك السلطة بمواقفها القديمة. فلا تزال تتشدد في ضرب الحركة الخضراء وقمعها، خاصة وأن سياساتها لتقديم التنازلات لم تصبح متأخرة فحسب وإنما ولت إلى غير رجعة أيضا إثر تجاهلها لمبادرات الخروج من الأزمة التي طرحها الرجل القوي في الجمهورية الإسلامية وquot;صديقquot; مرشد الثورة هاشمي رفسنجاني، وبعد أن كان الولي الفقيه قادرا على التحرك في ظل تركيز الحركة الاحتجاجية على مناهضة شخص أحمدي نجاد وسياساته. من جانب آخر يبدو أن الحركة الاحتجاجية مصرة على مزيد من التصعيد ضد ممارسات أنصار ولاية الفقيه المطلقة وضد شخص الولي الفقيه، بعد أن فقدت مطالبها آذانا صاغية أو الحصول على تنازل ولو بسيط من السلطة. وكما يقول راي تاكيه، زميل مجلس العلاقات الخارجية في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان quot;قادة إيران يواجهون مأزقاً في وجه التظاهراتquot;، إن quot;التنازلات (من قبل السلطات الحاكمة) بمنزلة دلالة على الضعف وقد تزيد جرأة المعارضة. ومن ثم لم يبق أمام النظام طريق سياسي للخروج من هذا المأزق. والمثير للسخرية هو أن مأزق الشاه السابق لم يختلف كثيرا، إذ قدم التنازلات لتعزيز سلطاته وتوسيع قاعدة حكومته الاجتماعية، ولكن بعد فوات الأوانquot;. ويضيف إن خامنئي quot;الآن متردد مثلما كان الشاه من قبل، إذ يبدو أنه يرفض مثله القيام بحملة قوية لفرض النظام، لما قد تنطوي عليه من إطلاق عشوائي للنيران على المتظاهرين. في الوقت نفسه، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت قوات الأمن التابعة للنظام لديها العمق الاستراتيجي والاستعداد للتعامل مع هذا الأمر، إذ يتبع النظام الحاكم سياسة الاحتواء حتى الآن بترك ميليشيات البسيج تضرب وتروع المتظاهرين وبإلقاء القبض على العديد من رجال النظام السابقين. غير أن هذا لم يفشل في قمع التظاهرات فحسب، وإنما سيقوض تماسك قوات الأمن التي تختص بمهاجمة أبناء وطنهاquot;.

كاتب كويتي

[email protected]