حمامات الدماء التي فتحت فوهات صنابيرها في إيران اليوم و بعد تفاعلات أحداث عاشوراء الأخيرة و رحيل الشيخ آية الله العظمى حسين منتظري و الطريقة البائسة الحقود التي تعامل بها أساطين النظام الإيراني مع الحدث الجلل بعيدا عن مكارم الأخلاق و عن أبسط القيم الإسلامية التي يتمشدق بها النظام الكهنوتي المتفرعن الذي لا يملك من وسيلة أو اسلوب للحوار سوى القمع و التطرف في إبداء القمع و المبالغة المفرطة في سفك الدماء، جميعها مؤشرات واضحة تنبيء بأن الظلم مرتعه وخيم و تشير بصراحة لحقيقة ستراتيجية يبدو أنها كانت غائبة بالكامل عن عقلية النظام الإيراني وهي إن الإنهيار الحقيقي و المفاجيء بات اليوم قاب قوسين أو أدنى لتنتهي إمبراطورية الأحلام و الأوهام و الخداع و لتستلم شعوب إيران زمام المبادرة و تعيد صياغة و تشكيل المشهد الإيراني المنهار بالكامل فقد كان واضحا بأن الترتيبات التي جرت لإعادة إنتخاب الرئيس الحرسي محمود أحمدي نجاد بالضد من إرادة الشعوب الإيرانية كانت ستؤدي في النهاية للتعجيل بحسم مصير نظام كهنوتي عدواني و متخلف قائم على الخرافة و الأوهام و يعتمد على القمع و الخداع لتسويق ذاته و محاولة بناء قوة أسطورية وهمية عبر خداع التفس و الذات قبل الآخرين، فإعادة إنتخاب نجاد هي بمثابة تعجيل في حسم الملفات، فلقد تصاعدت بعدها الثورة الشعبية العامة، و تحرك الشارع الإيراني بطريقة غير مسبوقة تذكرنا بحركته خلال السنوات الأخيرة من عمر نظام الشاه السابق و حيث هيمنت الحركة الوطنية الإيرانية على الشارع الإيراني و شهدت تلك المرحلة قيام التحالف التاريخي بين مؤسسة البازار الحليف و السند الستراتيجي لرجال الدين مع الحركات اليسارية و الثورية و ابرزها حركة ( مجاهدين خلق ) التي كان لها دورها التاريخي و المركزي في قيادة الشارع الإيراني نحو طريق الثورة الشعبية التي تكاتفت جهودو تيارات عديدة لإنجاحها في أوائل عام 1979 و حيث إنهار نظام الشاه الذي كان في عز قوته العسكرية بعد تصاعد العصيان المدني الشامل و حركة الإضرابات التي شلت الإقتصاد الإيراني و خصوصا إضراب النفط في عبادان و الذي وقف خلفه المرجع الشيعي العربي الأحوازي الشيخ محمد طاهر الخاقاني في المحمرة و الذي لاقى فيما بعد جزاء سنمار و مات بصورة غامضة في منفاه في مدينة ( قم) منتصف ثمانينيات القرن الماضي، لقد إنهار النظام الإمبراطوري رغم أن الغرب و عن طريق الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر كان يعتقد بأن نظام الشاه كان جزيرة الإستقرار الوحيدة في الشرق الأوسطظ فإذا بالإنهيار الكبير يفاجأ الجميع و يفرض ظلاله على الشرق القديم برمته، و سرعان ما توضحت الخلافات العميقة بين التيارات المتصارعة على السلطة و القيادة في وقت لم يكن نظام الولي الفقيه قد غرس إنيابه في الجسد الإيراني بعد، و تبينت سياسة الإقصاء القومي مع الإنتخابات الرئاسية الإيرانية الأولى التي تم إبعاد إسم المرشح جلال الدين الفارسي عن قوائم الترشيح بحجة أن أصوله العرقية ليست فارسية بل أفغانية!!!! و جاء الرئيس الإيراني ألأول الدكتور أبو الحسن بني صدر في إنتخابات عام 1980 ليهرب من السلطة هروبا مع زميله زعيم حركة مجاهدي الشعب السيد مسعود رجوي للمنفى الباريسي بعد سلسلة من الأحداث و الخلافات الداخلية توجت بإندلاع الحرب العراقية / الإيرانية في 22 أيلول/ سبتمبر عام 1980 التي شنها برعونة مفرطة و بغباء ستراتيجي لا نظير له الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الذي وفر فرصة تاريخية للقيادة الدينية الإيرانية لحسم خلافاتها مع خصومها تحت يافطة تلك الحرب الضروس التي أرهقت جميع الأطراف و تحولت لحرب منسية تماما طيلة ثمانية أعوام عجاف قبل أن تتكفل الترتيبات الدولية المعروفة بإنهائها في صيف 1988 بقبول إيران يقرار مجلس ألأمن الدولي المرقم 598 الصادر عام 1987، بعد ذلك جرت دماء و مياه عديدة تحت كل الجسور و دخلت المنطقة الشرق أوسطية في ملفات نزاع و توتر جديدة تمثلت في توهم النظام العراقي السابق بأنه قد أضحى بلطجي المنطقة الأوحد و فتوتها الذي لا يشق له غبار، فكانت سياسة الإبتزاز في الخليج العربي و كانت تلك الغزوة الكويتية المخجلة للنظام العراقي و التي أطاحت حتى بالمواثيق التي أعلنها نظام صدام ذاته كميثاق العمل القومي الصادر في فبراير 1980 و الذي حرم تماما اللجوء للقوة المسلحة في حل الخلافات العربية العربية فإذا بفجر الثاني من أغسطس/ آب 1990 يطيح بكل المسلمات و ليتبلور الغزو و الغدر البعثي العراقي الصدامي بأبشع و أشنع صوره، ليلتقط النظام الإيراني الفرصة التاريخية مرة اخرى و يعوم نفسه ليمتلك فسحة طويلة من الإستقرار الستراتيجي تمثل في تعزيز و بناء المواقع الحيوية و تعزيز أدوات تصدير الثورة و بناء التحالفات و إنشاء المجاميع الإقليمية المرتبطة به و بمشروعه التبشيري الأممي الطموح فكان بناء منظمة حزب الله في لبنان و كان الوجود و المجال الحيوي الإيراني المهم في الشرق الأوسط من خلال التحالف مع النظام السوري أيام إحتلاله للبنان، كما كانت الفترة الزمنية التي وضع فيها العراق تحت الحصار الدولي فرصة إيرانية ملائمة لإلتقاط الأنفاس خصوصا في ظل رئاسة البراغماتي هاشمي رفسنجاني و التي أعقبتها فترتي الرئاسة التي تربع عليها الرئيس محمد خاتمي الذي جاء بمفهوم سياسي جديد و مختلف يتمثل في دعوته لما أسماه حوار الحضارات إعتبارا من عام 1997 ثم تلاشت فترة الرخاوة السياسية مع مجيء أحمدي نجاد و معسكره الفكري و السياسي و ألأمني المعبأ بسلسلة طويلة من الغيبيات التي حرص على إظهارها بشكل فج أثار حتى أقطاب الحوزة الدينية في قم الذين تبرموا كثيرا من محاولات نجاد إضفاء القدسية و الهالة المهدوية على تحركاته و سياساته في ظل وصول قطاعات عديدة من الشعب الإيراني لحالة ملل واضحة من الفشل الحكومي في معالجة العديد من المشاكل و الملفات حتى جاءت إنتخابات العام الماضي الرئاسية و التي تقول المعارضة إنها شهدت تزويرا فاضحا للتمديد لنجاد لتنفجر الخلافات الكامنة تحت السطح بين أقطاب النظام ذاته، و تنفجر الخصومات مرة واحدة بين العناصر التي ساهمت في قيادة و توجيه و إدارة الدولة الإيرانية طيلة العقود الثلاثة المنصرمة، لتنتقل تلك الخصومات للشارع الإيراني و تفجره بالكامل بل و تصل لحد قطع شعرة معاوية بين الإخوة الأعداء الذين قرروا الإحتكام للشارع بعد تبلور التناقضات ووصولها لمرحلة اللاعودة وهو ما يؤشر بشكل جدي على بداية تحلل حقيقي للنظام الذي غرق في أوحال تناقضاته القاتلة و بما سيؤدي في النهاية حتما لتهديم المعبد على رؤوس الجميع و إنهيار الجمهورية المقدسة التي عاشت طويلا على التناقضات و أستمدت قوتها من الأوضاع الشاذة في المنطقة، لقد إنطلق المارد الشعبي في شوارع إيران، و أنهارت حواجز الخوف، و تلاشت هيبة و مكانة و حتى حصانة و قدسية الولي الفقيه بعد أن إقترن إسمه بالديكتاتور و حتى أشير إليه بكونه ( يزيد العصر )؟ و هذا معناه كبير و كبير جدا في التفكير الشعبي العام، و عندما يلجأ النظام أي نظام لتفعيل آلة القمع و القتل في مواجهة خصومه فهذا يعني بداية النهاية له و إنحسار الشرعية الأخلاقية و أيام و شوارع طهران اليوم تذكرنا بآخر أيام نظام عرش الطاووس الشاهنشاهي.. إيران ثارت و إنتفضت و لن تنتهي ثورتها و إنتفاضتها إلا عن وليد جديد، و المنطقة مقبلة على تحولات و متغيرات دراماتيكية مدهشة.. فترقبوا الإنهيار الكبير القادم و الحتمي.. ولكن السؤال الكبير و المثير هو ما ترانا فاعلون؟ و كيف سيتم التعامل مع المواقف المستجدة و الطارئة؟ أم أننا سنكون كالعادة.. آخر من يعلم؟....؟
- آخر تحديث :
التعليقات