دهاقنة البيت الشيعي يتفرقون هذه الأيام ويخوضون معارك دامية لا يتورع أي منهم عن أن يستخدم فيها الأنياب والأظافر والحوافر، وكل أنواع الخديعة والشتيمة والكذب والتلفيق.
فالذي كانوا يزعمون أنه يوحدهم تكشفت حقيقته، وتأكد لنا أن شعار مظلومية الشيعة الذي جعلوه خيمتهم لم يكن سوى قناع مستعار تمكنوا به من خداع جهلة وزارة الخارجية والدفاع والسي آي أي الأمريكية، وإقناع ريتشاردوني، ومن بعده خليل زادة، ثم غارنر وبريمر فيما بعد سقوط نظام صدام حسين، بأنهم الحماة الأقوياء لحقوق الطائفة الشيعية العراقية، والممثلون الشرعيون الوحيدون لها، والقادرون على تجييش ملايينها لحماية الاحتلال ومكتسباته، ومنع الفئة القليلة الإرهابية الباغية من أنصار الديكتاتور من عرقلة بناء العراق الديمقراطي الأمريكي الجديد الذي كانوا يبشرون به.
ولولا هذه الخيمة الطائفية المستعارة لما تمكن أشخاص عاديون ليس لديهم أية مواهب قيادة أو زعامة طبيعية تلقائية من القفز والسطو على مواقع قيادية عليا، في غفلة من الزمن، أفسدتهم وأفقدتهم التواضع والتوازن النفسي والخلقي والسلوكي، وأصابتهم بالغرور، فلم يعودوا يرون أنهم يصلحون سوى للقيادة، حتى لو جاءت عن طريق سلوك أخلاق أبناء الشوارع والمقاهي ومواخير الليل الرخيصة. ونعود إلى أيام المسخرة الأولى.
فحتى وهم في مجلس الحكم لم يكن لدى أي منهم مواهب قيادية تفرض نفسها على مجلس لا يتعدى أعضاؤه الثلاثة عشرة، وتجعل منه رئيسا وحيدا لذلك المجلس المشلول. فراحوا يتناوبون على رئاسته، لكي يلاخذ كل منهم نصيبه من زهو الرئاسة وهيلملانها وبريقها، خاصة حين يسافرون إلى دول أخرى، فيفرش السجادُ الأحمر لذلك الزائر البائس الصغير، وتـُعزف له الموسيقى، ويستعرض حرس الشرف، وسط سخرية مرافقيه وضحكات مستشاريه المنافقين.
فلولا البيت الشيعي وخيمته الخادعة لما أصبح محمد بحر العلوم رئيسا ولا إبراهيم الجعفري ولا أحمد الجلبي ولا أياد علاوي ولا عبد العزيز الحكيم.
والمضحك المبكي أن العراقيين، والشيعة منهم على وجه الخصوص، كانوا يرون هذه المهزلة ويسكتون على مضض، خوفا من أن يتهموا، إن هم أعلنوا استصغارهم للرؤساء الجدد، بمعاداة المرجعية، والتنكر لمظلومية الطائفة، أو ربما بالإرهاب وبالعمالة لمخابرات صدام أو حرسه الجمهوري أو فدائييه.
وحين أصبح عبد العزيز الحكيم رئيسا للمجلس المذكور ألغى قانون الأحوال المدنية الصادر من أيام الزعيم عبد الكريم قاسم، بقرار شخصي غير مجاز من باقي أعضاء المجلس. فثارت عليه ثائرة النساء العراقيات وعمت التظاهرات أرجاء الوطن كلها، فاضطر إلى لحس قراره والتراجع عنه. ثم حين طالب العراقَ، وطنـَه الثاني، بفع تعويضات لوطنه الأم (إيران) ثارت عليه ثائرة الشيعة قبل السنة، وأرغمه العراقيون على الصمت المهين.
ولولا الخلاف بين جماعة البيت الشيعي الأعضاء في مجلس الحكم على إسناد رئاسة الوزراء، ومعارضة المجلس تعيين إبراهيم الجعفري (حزب الدعوة)، ومعارضة حزب الدعوة والفضيلة والتيار الصدري تعيين مرشح المجلس الأعلى لما اقترح بريمر تعيين أياد علاوي كمرشح ترضية، رئيسا للوزراء، لفترة انتقالية أمدها بضعة أشهر، لحين موعد انتخابات 2004. ولولا انتماء علاوي الطائفي لقاتل قادة البيت الشيعي ضد هذا الاختيار، باعتبار أن هذا المنصب محسوم نهائيا لأعضاء مجلس الحكم الشيعة. ثم كان أياد علاوي أول من قفز من مركب البيت الشيعي وراح يغرد خارج السرب مرتديا رداء العلمانية والديمقراطية، ولله في خلقه شؤون.
لم تستطع الطائفية أن تبقي على وحدة هؤلاء الذين تدثروا أمس بعباءة الطائفة الشيعية، وتاجروا بمظلوميتها في زمن الديكتاتور، وجعلوا منها سلاحا ماضيا في معاركهم الطاحنة في لعبة الكراسي المشؤومة. فلم يتفرقوا وحسب، بل إنهم اليوم يخوضون فيما بينهم، معارك كسر عظم لا إنسانية ولا أخلاقية ولا وطنية ولا طائفية ايضا.
فها هم يخوضونها بكل وحشية ورداءة وابتذال، بمؤامرات ودسائس وأكاذيب لا تليق بقادة وزعماء، كما يزعمون. فهم في سلوكهم هذا لا يختلفون عن أي مجند جاهل وحاقد وغبي صغير في أية مليشيا أو عصابة سرقة واحتيال، أو جماعة تفخيخ وتفجير تتحرك بوازع الرغبة في الكسب غير المشروع.
إن حظ العراق العاثر بالأمس جعل البحث عن بديل محتمل لصدام حسين لا يتعدى برزان وقصي وعدي. واليوم أصبح البحث عن قائد للعراق الذي يزعمون أنه ديمقراطي وجديد لا يتعدى جماعة البت الشيعي، عادل عبد المهدي والمالكي والجعفري وبيان جبر وأياد علاوي وموفق الربيعي والبولاني، وكأن العراق عقم عن ولادة زعيم عراقي أصيل عاقل وعادل ونزيه ووطني شريف يفرض احترام زعامته وقيادته على الجميع، دون قتل ولا تآمر ولا محاصصة.
ويعترف عمار الحكيم الذي ورث المجلس عن أبيه الذي ورثه عن أخيه، بوجود منافسة انتخابية غير شريفة، ويطلب من رفاقه أعضاء خيمة البيت الشيعي أن يجعلوه تنافسا شريفا يخضع للقيم والمعايير العربية والإسلامية، وأن لا يلجأ أي منهم إلى الإساءة إلى غيره من المتنافسين، وألا يقوم بعضهم بتجريح بعضهم الآخر، لئلا يخرجوا من الانتخابات بآثار نفسية سيئة تجاه الآخرين. ويأتي هذا التصريح على أثر شتائم مشينة كالها موقع دولة القانون للحكيم وعلاوي والبلاني والآخرين.
وسلام على الطائفة وعلى الدين وعلى الوطن والمواطنين، وكان الله في عون العراق السليب.
التعليقات