منذ أن بدأ الوجود الحي، وكوننا المرئي الذي يحيط بنا ونعيش فيه، وكل ما يتعلق أو يرتبط به، في حالة خلق وتطور مستمرين. إن هذا التطور الشمولي، سواء على الصعيد الماكروسكوبي macroscopique أو على الصعيد الكوني أي صعيد المجرات galactique، يمر بمنحنيات بيانية متجذرة، ascendantes، descendantes، صاعدة وهابطة، كما يقول عالم الفيزياء فريتجوف كابرا Fritjof Capra، في كتابه القيم quot; زمن التغييرquot;. كما تبين لنا دراسة التاريخ الطريقة التي تجتاز فيها الحضارات المتعاقبة السيرورات الدورية، من النشأة والتكوين إلى الانحطاط والتفكك والموت، مروراً بمراحل النمو والتطور والعظمة والشموخ وبلوغ القمة، كما يقول المؤرخ الشهير آرنولد توينبي Arnold Toynbee، وهو نفس القانون الذي يطبق على كل شيء في هذا الوجود بما في ذلك النجوم والمجرات.

إن هذه التناوبات أو النبضات الدورية pulsations cycliques مرتبطة بسيرورات التقلبات والتغيرات processus de fluctuations المرصودة عبر العصور، والتي اعتبرت في كل الأزمان كإحدى الديناميكيات الجوهرية للكون. بيد أن ذلك لا ينطبق إلا على الجانب المادي للموجودات ويتجاهل الخاصية الثانية للوجود والمتمثلة بالروح كما تسميها الأديان، أو بالمادة المضادة أو المادة الهلامية وغير المرئية كما تسميها بعض النظريات الفيزيائية. ينطوي على ذلك أن هناك نزعة مادية طاغية اليوم لا سيما على الحضارة الغربية تتجسد بالاعتقاد المطلق بصحة المنهجية العلمية باعتبارها المقاربة الوحيدة الممكنة للحصول على المعرفة اليقينية وامتلاك القناعة بأن الكون، في جانبه المادي المرئي والملموس، عبارة عن نظام ميكانيكي آلي مكون من دقائق أو جسيمات لا متناهية في الصغر وأولية، وإن الحياة، بصيغة مجتمعية، ما هي إلا صراع تنافسي من أجل البقاء، وكذلك الإيمان بأن التقدم المادي غير محدود. إلا أنه اتضح في العقود الأخيرة المنصرمة، أن كل تلك الأفكار والقيم محدودة وتقف عند نهايات محددة لا يمكنها أن تتجاوزها و لا أن تتطور بعدها مما يستدعي القيام بإعادة نظر جذرية وجوهرية راديكالية بكل ما هو قائم ومتعارف عليه الآن من مسلمات وبديهيات، الأمر الذي يتطلب جرأة وإرادة وتصميم وحزم لقهر العقبات والمعوقات التي تفرضها المؤسسات الدينية والعلمية على حد سواء. يعتقد العالم والمحلل النفسي وأستاذ البسيكولوجيا البروفيسور ليو سبرينكل Leacute;o Sprinkle، أن البشرية تواجه تحدياً مصيرياً اليوم يتمثل بفهم وإدراك واستيعاب تداعيات التقدم في مجال الفيزياء والبيولوجيا وعلم النفس المجتمعي والروحانيات والأيديولوجيات المادية والغيبية لنهاية عصر وبزوغ عصر جديد حيث انهارت الرؤية الميكانيكية التي يقدمها العلم المحض، وحيث شعرت أعتى العقول وأكثرها تألقاً بأنها ضاعت وتجاوزتها الأفكار والتكنولوجيات الجديدة، ولم تدرك أو تستوعب المقاربات الجديدة للكون والنظريات التي تتعدى بكثير إمكانيات الحواس الخمس للبشر كما حصل مع آينشتين فيما يتعلق بتبعات نظرية الكوانتا أو نظرية الكم بصيغها المتجددة الأخيرة. فالكائن البشري، مثل الشجرة التي تأخذ غذائها من جذورها ومن أوراقها، يتعين عليه أن يمتص الجوهر الحيوي الذي يتيح له أن يسير بسلاسة ويتقدم بلا عقبات في تنقله الزمكاني أي في رحلة الحياة، من أعلى ومن أسفل، حيث الطاقات التي تأتيه من الأرض وأعماقها ومن السماء وما فوقها، أي الطاقة الكونية القادمة من الكون المرئي ومن الأكوان الخفية. وكان الفيلسوف الألماني نيتشة Nietzsche قد أعتبر الإنسان كائناً يعيش بين عالمين، ومن هنا فإن أرقى ما في الكائن البشري هو أنه جسر وليس غاية، وممر وليس نقطة تقهقر وانحدار. وقد أثبتت تجارب كيميائية وميكروبيولوجية أن الكوكب يتصرف ويبدي ردود فعل على طريقة الكائن الحي وسميت هذه الفرضية غايا Gaiuml;a على إسم ربة الأرض الإغريقية، من هنا حصلت نقطة الالتقاء بين نتائج العلوم الحديثة ورؤى الفلسفات الشرقية القديمة، وكما يقول هنود أمريكا الشمالية quot;أن الأرض هي أمنا الحنونة إذ نسي أبناء العصر الحديث صلة الرحم التي تربطنا بالأرضquot;، مثلما نسينا تلك الصلات والروابط التي تربطنا بالنجوم والمجرات وبالكون المرئي برمته فنحن جزء لا يتجزأ منه ولنا نفس تركيبته ومكوناته المادية واللامادية.


فالعقل الغربي محكوم اليوم بثقافة مادية بحتة وبمقولة ديكارت Descartes الشهيرة quot; أنا أفكر إذن أنا موجودquot; والمشكلة لا تكمن بصحة هذه المقولة بل بما بناه البشر عليها من مسلمات وتفسيرات وتأويلات، فديكارت لم يكن مادي بحت carteacute;sien ولا منهجي وعقلاني صرف، ومع ذلك أفرزت رؤيته مفهوماً عقلانياً محضاً، فقد اهتم الإنسان الحديث بالجسد على حساب الروح. فهناك علم يسمى العلم الهوليستي science holistique بات ينافس ويدحض العلم الميكانيكي الآلي science meacute;caniste لإثبات أننا روح بقدر ما نحن جسد لأن العلم الميكانيكي لا يمتلك سوى رؤية متشظية ومجزأة للواقع وسيثبت الإنسان بعد بضعة مئات من السنين وجود الروح وتركيبتها وخصائصها وماهيتها وبالوسائل العلمية المتقدمة في المستقبل المنظور.


إن هذه الرؤية الناقصة والمختزلة للواقع والتي تحكمنا حتى يومنا هذا، تعود جذورها إلى ماضينا البعيد إلى بدايات الفلسفة الآرسطية. ولكن في نهاية القرن السابع عشر بدأ العلماء والمفكرون بالتخلي عن الصيغة الكونية القديمة والعتيقة. كانت مشكلة الحياة تبدو بسيطة فالغالبية من الناس تقبلت فكرة أن العالم الجمادي والنباتي والحيواني كان قد خلق بهيئته الحالية كما هو الآن منذ لحظة الخلق الأولى، وكانت الرؤية الأرسطية مازالت سائدة ومهيمنة على العقول بفضل سلطة الكنيسة. وفي مجال علم الفلك، ظلت فرضية بطليموس هي المرجع المقدس لجميع علماء الفلك طيلة 14 قرناً، والركيزة الرئيسية التي يستند إليها العلماء. وقد اعتبرت تلك الفرضية في نظرتها للكون أن الأرض ساكنة وتحتل مركز الكون وكل الحركة السماوية دائرية تدور حول الأرض وفرضت الكنيسة احترام وتصديق تلك الفرضية مثلما فرضت تصديق معتقداتها. وكان أول من خرق هذا الاعتقاد هو نيكولاس كوبرنيك Nicolas Copernic الذي أعلن بصوت خافت وخائف من سطوة السلطة الظلامية، أن الأرض ليست سوى كوكب عادي من بين مليارات الكواكب مثله وهو تابع لنجم عادي ضائع بين مليارات النجوم المماثلة يسمى الشمس، في إطار مجرة تضم أكثر من 300 مليار نجمة تسمى مجرة درب التبانة. وكان كوبرنيك يعرف أن نظريته ستصطدم بالمعتقد الديني الطاغي في عهده وتتناقض معه لذلك فضل الانتظار لفترة ثلاثون عاماً قبل الجهر بمعلومته الكونية الثورية وتقديمها للعالم خشية على حياته، وقد أخرج كتابه للعلن تلميذه ريتيكوس Rheacute;ticus في سنة وفاته 1543. إلا أن العالم لم يعره انتباهه أو اهتمامه وتلقى المعلومة بلامبالاة. وفي نهاية القرن السابع عشر ظهر أول أتباع كوبرنيك الحقيقيين والشجعان وهو جيوردانو برونوGiordano Bruno الذي أحرقته الكنيسة حياً في 17 نيسان سنة 1600 بعد ثمان سنوات من السجن والتعذيب والطرد والتحريم بسبب تحديه لنظريتها الكونية الآرسطية البطليموسية وبث مقولته بأن الكون لامتناهي ومليء بعوالم شبيهة بعالمنا. وواصل العالم كبلر Kepler أبحاثه ووضع خارطة للسماء وحدد أماكن آلاف النجوم والحركات الفلكية.ثم جاء دور غاليله الذي وجه تلسكوبه البدائي نحو السماء وأطاح نهائياً برؤية آرسطو وبطليموس الكونية حيث بدأ العهد الفعلي للثورة العلمية. هناك عبقريتين علميتين تركتا بصماتهما في ذلك العهد وهما ديكارت ونيوتن، الأول عالم رياضيات وفيلسوف، والذي برقت في ذهنه رؤية صوفية في سن 25 زلزلت حياته وتحمل على إثرها مهمة بناء فلسفة علمية جديدة تقول بأن كل علم ينجم عن معرفة مؤكدة قابلة للتدقيق وبديهية، وبناءاً على هذا المبدأ بنيت كل العلوم الآلية الميكانيكية meacute;canistes الحديثة وفق الإوالية الفلسفية أو التفسير الآلي للأحداث. وقد أثبتت لنا الرياضيات في بداية القرن العشرين عدم وجود حقيقة مطلقة. كما أظهرت لنا الفيزياء المعاصرة بأن كافة مفاهيمنا محدودة وتقريبية approximatifs، وبالرغم من ذلك فإن أغلب العلماء مازالوا مقتنعين بأن المنهجية العقلانية والتحليلية هي الوحيدة القادرة على فهم الواقع الذي نعيش فيه.


كان ديكارت يرى الكون وكأنه آلة جبارة والمادة فيه جامدة وخالية من الحياة ويمكن تفسير كل شيء على طريقة ميكانيزم meacute;canisme أو آلية عمل الساعة. وعلى مدى ثلاثة قرون، السابع والثامن والتاسع عشر، كانت كل العلوم ثمرة هذه الرؤية العقلانية الديكارتية الكارتيزين carteacute;sienne بما فيها عرض الوحدة المطلقة لنيوتن Newton، هذا العبقري الوحداني الذي اكتشف في سن 24 قانون الجاذبية الكونية، ومن ثم استند كل شيء في العلم الحديث إلى ميكانيك نيوتن في تفسير الحركات الكونية حيث قدمت صورة للعالم وكأنه آلة غاية في الإتقان والدقة كما تخيلها ديكارت وأضحى نيوتن رمزها المتألق. حتى أن علماء من تخصصات أخرى طبقوها على مجالات تخصصهم في العلوم الطبيعية والكيميائية والبيولوجية والفيزيائية والسيكولوجية والعلوم الاجتماعية. في نهاية القرن التاسع عشر اكتشف فراداي وماكسويل Faraday، Maxwell الظواهر الكهرومغناطيسية eacute;lectromagneacute;tiques مما كشف عن محدودية العالم الآلة النيوتني وبرز مفهوم حقول القوى des champs de forces حيث تم إثباته مختبرياً والذي ينطوي على تفعيل مفهوم التطور والتغيير، وإن واقع تلك الحقول يمكن دراسته بمعزل عن الأجسام المادية. ثم ازدهر فهم جديد للطبيعة المتطورة والمتحولة للكون والتي أثرت على الفكر العلمي للقرن العشرين وبالأخص نظريات التطور في البيولوجيا وعلوم الحياة من لامارك Lamarck في نهاية القرن الثامن عشر إلى دارون وهيكسلي Darwin، Huxley وانتشار نظرية التطور والانتخاب الطبيعي وأصل الأنواع والتي تنكرت لفكرة التدخل الإلهي في عملية الخلق حيث قالت بانحدار الإنسان من أصل حيواني وتحكمت بالفكر البيولوجي لأكثر من قرنين من الزمن. كذلك في مجال الفيزياء بعد صياغة قوانين الديناميك الحراري thermo dynamiques ومفهوم الانتروبي entropie، و هو بمثابة قياس كمي لوصف درجة تطور نظام فيزيائي ما، والذي اعتبر من أهم الاكتشافات التي دمغت القرن التاسع عشر وجزءاً من القرن العشرين. الفيزياء الكلاسيكية تقول بأن مجمل الكون يتجه نحو حالة قصوى من الأنتروبيا أي نحو حالة من الفوضى التامة.ومن هذا المنظور، ينحو الكون نحو التباطؤ وفي وقت ما سيصل إلى حالة التوقف، وهذا يناقض الفكر التطوري الذي نادى به علماء الطبيعة والذين يرون أن الكون الحي يتطور من الفوضى إلى النظام مما يضع حداً للرؤية الديكارتية الكارتزيه العقلانية والنيوتنية للكون الأمر الذي أكدته نظرية النسبية العامة والخاصة التي صاغها آينشتين في بداية القرن العشرين خاصة بعد اكتشاف البنية الذرية للمادة، ومكونات الذرة، ومفاهيم المكان والزمان، التي لم يعد ممكناً تفسيرها وفق الرؤية الآلية الميكانيكية vision meacute;caniste الكارتيزين، آنذاك حدثت الانعطافة الكبرى في الفكر العلمي. بلغت دراسة الجسيمات والدقائق الأولية مرحلة جديدة مع اكتشاف الالكترون سنة 1897. وقد واجهت الفيزيائيين معضلة عدم توافق فيزياء نيوتن مع مجال الدقائق والجسيمات الأولية أو اللامتناهية في الصغر. فقوانين نيوتن ارتكزت على مراقبة العالم الفيزيائي، وتوقعت حدوث احتمالات أو تنوعات محتملة، ووصفت أحداثاً طبيعية يسهل فهمها واكتشافها. والحال أن هذه الفيزياء النيوتنية لم يعد ممكناً تطبيقها على فيزياء الجسيمات والدقائق الأولية المبنية على أحداث ناجمة عن اكتشاف المجال ما دون الذري subatomique، والذي لا يمكن، بأي حال من الأحوال رصده ومراقبته مباشرة، فلا يوجد أي حس فيزيائي قادر على إدراكه. وعلى عكس الاعتقاد السائد لدى الكثير من الفيزيائيين في بداية القرن العشرين، اكتشف ماكس بلانك Max Planck أن طاقة الإشعاع الحراري لا تبث على شكل مستمر بل تظهر على شكل حزم طاقوية. وفي الواقع إن التأرجحات الذرية المحفزة تبث وتمتص الطاقة بكميات محددة على مراحل، وفي كل عملية إنبعاث للطاقة تهبط إلى مستوى أدنى من الطاقة إلى أن تتوقف عن التذبذب و التأرجح oscillation، وكان بلانك أو من تحدث عن حزم الطاقة paquets drsquo;eacute;nergie، وعن المتراوحات أو مولدات الذبذبة الكمومية oscillateurs quqntifieacute;s. وبعد بضعة سنوات وبالتحديد سنة 1905، نشر البرت آينشتين، وكان عمره آنذاك 26 عاماً، خمسة مقالات مهمة ثلاثة منها غيرت مجرى وتوجهات الفيزياء المعاصرة كلياً. الأولى وصفت الطبيعة الكمومية quantique الكوانتية للضوء، حيث أطلق آينشتين تعبير الكوانتا أو الكموم على الحزم الطاقوية واعتبرها بمثابة خاصية جوهرية للطبيعة، ومن ثم نظر بأن الضوء، وكل أنواع وأشكال الإشعاعات الكهرومغناطيسية، يمكن أن تبدو، ليس فقط كموجات كهرومغناطيسية فحسب، بل وأيضاً على شكل كموم كوانتا. وحسب هذه النظرية فإن الضوء مكون من جسيمات دقيقة وصغيرة جداً، أي كموم الضوء، التي أعطت إسمها لنظرية الكم أو الكونتا وبعد ذلك عرفت بإسم الفوتونات photons وهي جسيمات عديمة الكتلة وتتنقل دائماً بسرعة الضوء، أي بسرعة 300000 كلم / ثانية، ومنذ ذلك الحين عرفت الطبيعة المزدوجة للضوء التي تبدو في آن واحد كموجات كهرومغناطيسية وجسيمات دقيقة، وكان من الصعب على الوسط العلمي، في البدء، تقبل هذه الطبيعة المزدوجة، أي جسيمة أو كينونة تتواجد في حيز مكاني صغير جداً، وموجة منتشرة في منطقة شاسعة من الفضاء في نفس الوقت. وبعد أن فتح آينشتين الطريق أمام ولادة نظرية الكم الكونتا، نشر نظريته الثورية المعروفة بإسم النسبية الخاصة سنة 1905. وبعد مضي عشر سنوات على ذلك التاريخ، أي عام 1915، طور آينشتين الجزء الثاني من نظريته ونشر تفاصيل ومعادلات النسبية العامة التي أدخل فيها مفهوم الجاذبية أو الثقالة، مما حدا به إلى تغيير جوهري لمفاهيم المكان والزمن، وابتكر مفهوم الزمكان lrsquo;espace temps. وقد احتوى المقال الثالث من ملاحظاته الجوهرية على المعادلات المتعلقة بالظاهرة الكهرو الضوئية poto-eacute;lectrique، في حين تضمن المقال الأخير المعادلة الثورية الشهيرة المتلخصة بـ quot; أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء E=MC2. ومن هنا بات الطريق نحو الوعي الكوني conscience cosmique، ونحو القنبلة النووية، معبداً. وأثبتت نظرية النسبية أن الضوء يتباطأ كلما ازدادت سرعة الجسم وإن بلوغ الجسم سرعة الضوء يلغي الزمن عنده ويصبح صفراً، مما يتيح، نظرياً، بلوغ أي نقطة في الكون آنياً. ووفق نظرية النسبية، فإن مفاهيم الزمن والمكان والحركة تغدو نسبية ومتداخلة يعتمد أحدها على الآخر ويرتبط به. وبذلك ابتعدنا كثيراً عن الرؤية الميكانيكية النيوتنية عن كون ساكن وثابت وميكانيكي. وقد أدخل آينشتين الجاذبية أو الثقالة مع مفهوم التسارع والسرعة المتغيرة أو المتنوعة، بحيث تغدو كل الظواهر الفيزيائية للكون زمكانية. فجسيم مادي هو في الحقيقة زمكان محدب أو منحني على نفسه في منطقة غاية في الصغر. وهذا ما قاد آينشتين إلى أنموذج كونه الحتمي والمستمر وصاغه باعتباره نهائي ومحدد وربما على شكل كرة تضم بداخلها كل المكان والزمن التابعين لهذا الكون المرئي. وبعد ذلك أثبت العالم الهولندي سيتر Sitter أن نظرية آينشتين ومعادلاتها تتلائم أكثر مع كون متمدد وفي حالة توسع مستمر مثل الكرة أو البالون المنتفخ بلا توقف وعلى سطحها تنتشر المجرات ومحتوياتها. وأكد ذلك عالم الفلك الأمريكي هوبل Hubble الذي حسب سرعة تباعد المجرات عن بعضها والتي تزداد كلما تباعدت أكثر فأكثر. تسارع إيقاع الاكتشافات والنظريات والفرضيات بعد آينشتين. في عام 1908، أي بعد ثلاث سنوات من خروج نظريتي النسبية الخاص ونظربة الكوانتا أو الكم، قدم العالم مينكوفسكي Minkowski نتائج أعماله حول كيفية فهم الزمكان الآينشتيني. وفي عام 1913 اقترح العالم نيلز بور Niels Bohr نموذجه للذرة باعتبارها أنموذج مصغر للنظام الشمسي.

وفي سنة 1921 اشتغل العالم الفرنسي لوي دي بروجلي Lois de Broglie على موضوع quot;موجات المادةquot; وفي نفس العام تناول نيلز بور وإثنين من زملائه أول مفهوم للموجة الإحتمالية onde de probabliteacute;. وفي سنة 1927 ظهر مفهوم في إطار نظرية الكم عرف بتفسير كوبنهاغن الذي تحدثنا عنه في مقال سابق. وكان هذا المفهوم موضوع مؤتمر عقد في بروكسل لعلماء الميكانيك الكوانتي أو الكمومي لمناقشة مفهوم تفسير كونهاغن ومدرسة بور الموجودة في هذه المدينة. وانطلقت من هناك أولى الصيغ العلمية للفيزياء الجديدة، أي فيزياء الكم أو الكوانتا باعتبارها مفهوماً متجانساً للعالم. وفي عام 1928 قدم العالم بول ديارك Paul Diarc أعماله حول المادة المضادة وفتح الطريق أمام العلم الجديد. وكان رائد التجريب العلمي والتجديد في الفيزياء المعاصرة بعد مدرسة بور ونظرية الكم هو العالم جون شارون jean Charon الذي اقترح نظرية عالم الإيونات monde des eacute;ons. ادخل هذا العالم الفرنسي الشاب عامل الروح في صياغته العلمية الفيزيائية عن الكون في كتابه الرائع quot; عالم الإيونات الخالد Le monde eacute;ternel des eacute;ons quot;. لم يفلح آينشتين في صياغة نظريته الموحدة الشاملة حتى آخر يوم في حياته الخلاقة وذلك بسبب صعوبات عملية وعلمية منها مبدأ عدم اليقين وعدم الدقة أو اللاحتمية على المستوى الميكروسكوبي في إطار النظرية الكوانتية، وعجز العلماء عن العثور على الحجر المؤسس أو اللبنة الجوهرية للمادة brique fondamentale de la matiegrave;re، حيث كان آينشتين يشكك بقدرة حواسنا على التوصل للحقيقة عكس اعتقاد مدرسة الاحتماليين، بينما كان يتقبل ما يمكن أن يتوصل إليه وجداننا وحدسنا وروحنا من منطق ممكن، وكان يردد دائماً مقولته الأثيرة quot; يمكننا التأكد من صحة النظرية بالتجربة، ولكن لا يوجد طريق يقود من التجربة إلى إعداد وصياغة نظريةquot;. والحال أننا مع جون شارون يمكن أن نكتشف دروب أخرى للخروج من الطريق المسدود السجين بين الحتمية والاحتمالية deacute;terminisme et probabilisme، وذلك بخلق جسر يربط بينهما.
للموضوع تتمة..

باريس
[email protected]