بداية اقول بان الحياة هي حق وهبه الله عز وجل لبني البشر، وان الحفاظ عليها هو تعبير عن الرقي الانساني والأخلاقي والثقافي للإنسان، وان اي دعوة لإلغاء هذه المنحة الإلهية ليست بالضرورة ان تكون مدفوعة بدعوة دينية معينة، انما في غالبيتها تصرفات شخصية ناتجة من اناس جهلة واميون،لأني اؤمن بان هذه الحياة ليست ملكا لأحد بل انها ملك الجميع وان حمايتها واجب يفرضه علينا الله اولا واخلاقنا الانسانية ثانيا، ان اشاعة ثقافة التعايش السلمي في المجتمع الذي تتعدد فيه الأديان والمعتقدات اصبح الهدف الذي يسعى اليه الخيرون لإدامة الحياة، وان حكومات الدول تتحمل الجزء الأكبر لهذه المهمة... ولكن ومع الأسف ففي العراق فقد ذبح وشرد المسيحيون دون ذنب، فبعد ان اشيع بان الحرب على العراق هي حرب تحرير واشاعة الديمقراطية بين ابناء شعبه اتضح بانها لم تكن كذلك، فقد حصل العكس حيث انتشر العنف الطائفي والذي طال الجميع، وقد اصبح المسيحيون في العراق وهم اقلية مسالمة هدفاً سهلا للعصابات والميلشيات المسلحة، واشير هنا بان بعضها كان تابعا لبعض الأحزاب المتطرفة المشاركة في الحكومة والبعض الآخر كانت عصابات خارجة عن القانون ومن ازلام النظام السابق الى جانب الارهابيين من خارج الحدود، لقد تأكد للعراقيين جميعا وبضمنهم المسيحيون بان هذه العصابات لا تمت بصلة لا بالاسلام ولا بالمشاعر الانسانية بل انها مجموعات عدوة للحياة، حتى ان المهتمين بشؤون مصير الأقليات في هيئة الأمم المتحدة وصف جرائمها بجرائم الإبادة الجماعية، حيث انها تنفذ في وضح النهار وتحت مرأى ومسمع من يحكم العراق، لقد افصح غالبية المسؤولون في العراق عن توجهاتهم الطائفية منذ اليوم الأول لاستلامهم ادارة البلاد مما جعل اتباع الديانات الغير مسلمة وبظمنهم المسيحيين عدم الوثوق بهم.


اُذكّر المعنيين في الحكومة والبرلمان بان ابشع ما تعرض اليه المسيحيون كان في عهدها وقد فاق الحدود، فقد تم تفجير العشرات من كنائسهم في بغداد لوحدها، واغتيل كبار رجال الدين، وتم ذبح العشرات من اهلنا بسبب عقيدتهم الدينية، ناهيك عن تهجير المئات من العوائل من البصرة وبغداد والموصل وغيرها، الا تشعر هذه الحكومة بالمسؤولية على ما يحدث من جرائم بحق العراقيين وتحت انظارها، الا تعلم بان اجهزتها الأمنية والميليشياوية لها دور في كل ما يحدث، ثم اين الأمان والخير الذي وعدت به شعب العراق.

يتحدثون عن التحرير والديمقراطية، اي حرب تحرير هذه التي يتبجح بها المسؤولون، اي حرية عبادة هذه، واي حقوق انسان تمتع العراقيون بها في زمنهم، اتدرون بان تعداد سكان المجتمع المسيحي في العراق قبل الحرب كانت حوالي 1.750 مليون، بينما التقديرات الحالية لمن تبقى منهم في العراق تقع بحوالي 500 خمسمائة الف، كيف حصل هذا التناقص الرهيب ولماذا، اليس من مسؤوليات الحكومة البحث عن أسباب هذا التناقص، واليس من حقنا المطالبة بالكشف عن المسؤولين عن ابادة وتشريد هذا الشعب التأريخي الأصيل واحالته الى محاكم جرائم الحرب الدولية لينالوا جزاءهم العادل.


يحضرني تعهد السيد نوري المالكي رئيس حكومة بغداد بتشديد الحماية للشعب المسيحي بعد مقتل رئيس الأساقفة المرحوم الشهيد فرج رحو في الموصل، ولكن وللحقيقة نقول بان ما بعد مقتل الشهيد فرج فقد خطف وقتل العشرات وتم ملاحقة المئات من العزائل الأمنة لإجبارها على ترك مساكنها، كما شهدنا مؤامرة كبيرة وخطيرة لإقصاء هذا المكون من كل مادة دستورية تحمي وجوده على ارض العراق، نعم { مؤامرة } لأنها نفذت كما حدث للعراق، فطريقة المؤامرات واحدة..حيث اتفق بعضهم ممن لا يريد الخير للعراقيين وبطريقة المتخفين في درابين مظلمة على تنفيذ مؤامرتهم، فاجتمع هذا البعض على ما يخدم مشاريعهم المستقبلية، فاطلقوا صيحتهم النشاز بالغاء المادة 50 والتي تتيح للاقليات بالمشاركة والتمثيل في كل مؤسسات الدولة ومحافظاتها، فبالرغم من ان الدستور الذي كتب على شاكلتهم ليلبي مصالح المحتل ومصالح الكتل الكبيرة في الشمال والجنوب والذي ما زال الشك يحوم حوله لعدم شرعيته، نقول بالرغم من كل ذلك فان هؤلاء المتآمرين لم يحترموا قدسية بنوده، فاي برلمان quot;مهزلة quot; هذا واي عدالة وديمقراطية هذه.
ان تبرئة بعض الأحزاب المتنفذة على الارض العراقية من جرائم قتل المسيحيين غير منطقي ولا مقبول، فعلى المسؤولين اثبات وطنيتهم وكفائتهم من خلال ضبط ميليشياتهم والاسراع بالتصدي لكل من يريد سوءا بسكان ما بين النهريين الأصليين، لقد تبين لدى العراقيين دون استثناء بوجود نفس طائفي متطرف يتلاقى مصالحه مع النفس الإرهابي، ولذلك على قيادات الأقليات ومنهم المسيحيون التنبه والحذر لما قد يخبأه لهم المستقبل المجهول في العراق.
ان ما حدث للمسيحيين في العراق بعد الحرب يندى لها الجبين ولا يقبله اي عرف او دين، لقد تم توزيع منشورات على الدور المسيحية الأمنة داعية نساءها المسيحيات إلى ارتداء الحجاب وعدم كشف وجوههن، مما اجبر المئات من العوائل المسيحية للهروب تاركة منازلاها للسراق المشعوذين، فان كانت حكومتنا تدعي انها تحكم بدستور يعتمد على شرع الاسلام، فاين هم من الدين، اوليس الإسلام دين السلام والتسامح، اننا نؤكد بان ثقافة التمييز الطائفي او المذهبي او القومي التي تنتهج لإضطهاد الأقليات ما هي الا ثقافة غزتنا من خارج الحدود وان صبغتها شئنا ام ابينا طائفية متطرفة.

ايها المسؤولين نذكركم بانه ومنذ الحرب في 2003 والى هذا اليوم فان كنائس المسيحيين اصبحت هدفاً للتفجيرات، وآخرها تفجيرات كنائس الموصل، وان الكهنة من اعلى الرتب الى ادناها يتعرضون كل يوم للقتل والذبح او الإختطاف بهدف الحصول على الفدية، ونذكركم بان الذين لم يستطيعوا الهرب لظروف نفسية او اقتصادية او غيرها فقد اصبحوا رُحّل مشردين في داخل الوطن، وان جزءا منهم يعيشون بحماية الأخوة الكرد في الشمال العزيز quot;إقليم كردستانquot; الاكثر آمانا.

اختم مقالتي هذه للتأكيد على ان سكان ما بين النهرين الأصلاء من المسيحيون وغيرهم وهم اقلية بالمعنى العددي تواقون لرؤية عراق تعددي ديمقراطي، ولكن ليس على طريقة فدرالية الأحزاب الدينية الطائفية او القومية العنصرية، ولذلك فاني ادعوا قادة احزابنا وأبناء شعبنا صغيراً وكبيراً بالمطالبة الملحة بحقوقنا المشروعة كاملة وغير منقوصة ضمن العراق الموحد، فمن حقهم التمتع بالفدرالية او الحكم الذاتي متى ما تحققت حكومة مركزية بديمقراطية حقيقية شفافة ترفض سياسة الضم والصهر، وهنا اناشد الوطنيين العراقيين بكل انتماءاتهم بالوقوف الى جانب معاناة هذه الأقليات الدينية والقومية ومن ظمنهم المسيحيون والضغط على المسؤولون باهمية حمايتهم.

ان ضمان وحدة العراق من خطر التقسيم الجغرافي او القومي الذي يخطط له البعض من الأحزاب الدينية الطائفية والقومية الشوفينية لن يتحقق الا من خلال حماية ارواح الأقليات، ان الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير والانتماء تبدأ بمنح حقوق الاقليات جميعا كما انها تصب في المصلحة الوطنية العليا وتقلل من فرص تقسيم العراق، كما ان رفض فكرة { الضم } الجغرافي او الصهر الثقافي او الربط الحزبي لأي جهة كانت يجب ان تكون مرفوضة من قبل قادة شعبنا من الكلدان والسريان والأشوريين، واعتبار ما مضى من تكتلات او اصطفافات شئ من الماضي.


تحية لكل العراقيين الشرفاء الذين يقفون مؤيدين لحقوق الأقليات الدينية والقومية في العراق..فالصابئة واليزيدية والشبك والمسيحيين هم اقليات تأريخية يجب حمايتها والدفاع عن وجودها الديني والقومي في العراق..... عاش العراق حرا موحدا.

اكاديمي مستقل