لم تكن الفرصة سانحة لتلعب سوريا دوراً مهماً ومؤثراً في المنطقة في أي وقت مضى مثلما هي الآن، فلدى الإدارة السورية فرصة ذهبية للعودة للعب دور إيجابي متفرد عن أي دور لأي دولة أخرى، لايمكن لها القيام بما ستقوم به سوريا إن ارادت.


فقد وضعتها التغيرات الإقليمية تحت الرقابة من حيث رصد ردة فعلها تجاه القضايا التي تسبب بطريقة او بأخرى بعض القلق والتوتر بين دول المنطقة، وتحديداً بين الدول العربية أو بعضها من جهة وبين إيران من جهة أخرى، ففي الوقت الذي تبتعد فيه إيران عن الدائرة الدولية عوضاً عن العربية، وتغوص في لاشرعية بعض قراراتها، وقفزها على كثير من القرارات والتحذيرات الدولية خاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، نجد أن سوريا تكاد تكون هي الدولة الوحيدة(المؤثرة) في المنطقة التي ترتبط بإيران بعلاقة وثيقة قائمة على الثقة المتبادلة بينهما، تؤهلها للعب دور في مد جسور من التفاهم بين إيران من جهة وبين جاراتها العربية من جهة أخرى، أو بينها وبين المجتمع الدولي الذي بدأ في تقبل الدور السوري وتقبل التحركات الإيجابية له.


يفترض في السياسة السورية الآن أن تنتهج منهجاً سريعاً وشفافاً في هذا التحرك، فهي من جهة ستثبت إخلاصها ووفائها لحليفتها السياسية والأيديولوجية إيران، ومن جهة أخرى ستثبت لكثير من الدول العربية أنها تعي حجم القلق الذي يسببه لها النمو النووي الإيراني وطموح الإدارة الإيرانية في هذا الجانب.


وهو دور ديناميكي ومؤثر إن أحسنت سوريا القيام به سيقفز بها أمام الشارع العربي إلى القمة، وسيثبت مدى احترامها لعروبتها، وولائها المطلق لما تتشبع به ثقافتها القومية، من وطن عربي واحد، ذو رسالة خالدة، وهو ما ينادي به حزب البعث، ومايكرره ويؤكد عليه مراراً وتكراراً الرئيس الدكتور بشار الأسد في أكثر من منتدى عربي وفي أكثر من محفل دولي، وتتبناه الوسائل الإعلامية السورية جميعها على اختلاف تنوعاتها وأفكارها.


ينبغي على الدبلوماسية السورية الآن أن لاتضيع هذه الفرصة، وأن تثبت للطرفين قدرتها على اللعب كحليف وليس كتابع، وهو أمر يختلف في كينونته الجذرية تمام الاختلاف، فالحليف هو القادر على التاثير والتأثر في نفس الوقت بما يحدث، اما التابع فإن دوره لايحتاج إلى توضيح.


إن أهم مايميز الإدارة السورية هو الذكاء، والقدرة على التحرك الإيجابي في الوقت المناسب، بل والقيام بدور أكبر مما هو متوقع منها، خاصة إذا ماتلمست سوريا أهمية الدور الذي ستقوم به، وأهمية تحركها، ومدى تأثر المجتمع العربي ككل بهذا التحرك.


وموقف الرئيس السوري الراحل حافظ السد في حرب الخليج واضح وجلي ومؤثر، ففقد كان قراره الحاسم بإرسال قوات عسكرية سورية للمشاركة في تحرير دولة عربية مثل الكويت، رغم أن البعض راهن وقتها على رفض سوريا المشاركة في ذلك، لخطورة اتخاذها هذا القرار، وخطورة نتائجه عليها، لاسيما وأنها ترتبط بحدود مباشرة مع العراق، ووعيها جيداً ان اي توتر داخل الأراضي العراقية بكل تاكيد، وبحسابات منطقية بسيطة سينتقل إليها، وسيحاول النظام العراقي في رد تكتيكي نقل التوتر داخل حدوده إلى عواصم عربية أخرى على رأسها دمشق، ومع ذلك اتخذ الرئيس حافظ الأسد قراره الشجاع بتقديم الدعم العسكري والسياسي المطلوب والمنتظر منه في هذه الحرب.


بقي على الابن الدكتور بشار أن يكرر نفس حكمة والده، وأن يعي أن سوريا على الخارطة الآن الفرصة مهيئة لها للعب دور مؤثر، قد يغير في كثير من الوقائع وقد يقود بهدوء وحذر هما أهم صفات التحرك السوري بالمنطقة نحو بر الأمان، لاسيما إذا ما تعمقنا كثيراً في طبيعة العلاقة القائمة بينها وبين إيران من جهة، وبينها وبين باقي دول العربية من جهة أخرى.



[email protected]