اكتسب العراق تسميته القديمة من وجود النهرين العظيمين (وادي الرافدين ) و(بلاد مابين النهرين) وقيل قديما إن دجلة والفرات يجريان من الجنة أي ان مصدرهما مقدس وغيبي وربما هذه القداسة ارتبطت كذلك بالتصور الغيبي لنهاية هذين النهرين إذ حقق البعض حديثا نبويا مفاده ( إن الفرات سينحسر عن جبل من ذهب يقتتل عليه الناس ولا ينجو من كل مائة رجل إلا واحد ) بل ذهب البعض إلى تفسير الوجود الأمريكي بالمنطقة والعراق تحديدا إلى نهب هذا الجبل المذكور بالحديث.

واليوم نسمع عن مشروع جنوب شرق الأناضول التركي الذي سينتهي العمل به بعد اشهر وهو مشروع تنموي تركي صرفت عليه تركيا نحو 32مليار دولار لإنشاء 21سدا ونفقا على مجريي دجلة والفرات ويضم 17 محطة توليد كهر بائية من متساقط المياه تسد 22% من احتياجات تركيا للطاقة..وبتشغيل هذا المشروع ستمتلك تركيا بالكامل مفتاح الماء السوري والعراقي إذ قلصت تركيا حصص الماء السورية إلى 40%والعراقية إلى أكثر من 90% قبل اكتمال المشروع..!!!

إذ يمكن لتركيا الآن التحكم بالماء من حيث النوعية والكمية وتصريحات علماء البيئة العراقيين عن تأثر الحياة السمكية بالعراق بمخلفات الصناعة التركية الناهضة الممزوجة بالحصة المائية العراقية صارت معروفة للجميع رغم أنها غير مسموعة من السياسيين والقائمين بأمر الوعي البيئي بالعراق ولابد من الإشارة هنا إلى جهد الكتاب والمختصين في هذا الموضوع الخطير وأهمهم الأستاذ صباح الربيعي المختص بهذا الأمر منذ سنين!

ارض مابين النهرين وهي التسمية اليونانية للعراق أصبحت الآن على كف عفريت فمنزل الحضارات الأولى السومرية والاكدية والبابلية والآشورية الآن أصبح منزلا لنفايات دول المحيط..حضارات متطورة جدا من حيث نظامها اللغوي والإداري قامت على مصب هذين النهرين حيث يوجد بالمتحف البريطاني وحده 130.000لوحا طينيا والزائر لقسم الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغوالامريكية يقف حائرا أمام التعليقات الموجودة هناك واعتراف العالم والعلماء بفضل هذه الحضارات ناهيك عن انه يرى اهتماما شعبيا بقيمة النهرين العظيمين كما يرى متحفا رائعا لهذه الحضارات..


المشروع التركي يضعنا الآن أمام مسؤوليات كبيرة ومتعددة أولها المشكلة البيئية الناتجة من التصحر وزحف الرمل والتراب على المدن العراقية المنكوبة أصلا بمخلفات التفجيرات وجبال الازبال في أطرافها الفقيرة خاصة وثانيها شكل التعامل الرسمي والشعبي والإعلامي مع هذه التهديدات الخطيرة.


المشروع سيكون قيد التنفيذ خلال الأشهر القادمة ولم نسمع بأي تحرك دبلوماسي أو دولي أو جماهيري عراقي للوقوف ضد تصحر العراق ولم نسمع بمن ينبه إلى إن كميات الماء الداخلة إلى العراق الآن على قلتها المخيفة هي كميات ملوثة جدا سببت تلوث المحاصيل وتسمم وانقراض أنواع مهمة من الأسماك العراقية وهذه جريمة مسكوت عنها من الجميع فالأعلام أقام الدنيا ولم يقعدها في أمر دورية عسكرية إيرانية دخلت إلى الأراضي العراقية في ممارسة للعبة القط والفار الأمريكية الإيرانية بينما نراه يلزم الصمت أمام كارثة بيئية وتاريخية محتملة هذا العام.

ولااقول هنا إن دخول الدورية الإيرانية ليس مهما وخطيرا ومدانا فكل شبر في العراق محترم ولا يجب التفريط به لكن موضوع المياه واختفاء وادي الرافدين من الأرض كذلك يستحق من وسائل الإعلام والسياسيين والجميع استفاقة حقيقية وجهود كبيرة للحفاظ عليه من هذا المشروع القديم الجديد..

تركيا لم وربما لن توقع معاهدة رسمية تعترف بها بحق العراق وسوريا بالمياه واكتفت بتوقيع بروتوكولات تتصدق بها علينا بحصة المياه وتقننها حسب رضاها وسخطها عن سياسات البلدين وبما يتلاءم مع توجهات السلطة هناك حيث تعد تركيا مياه دجلة مياه عابرة للحدود وليست دوليه وكلمة عابرة هي تهمة توجهها تركيا للمياه وبما إن المياه عابرة فقد حكم عليها بالسجن المؤبد في حدود تركيا عبر إنشاء السدود التي جاوزت العشرين سدا تصوروا عشرين سجنا للمتهم دجله لعبوره الحدود وأبناء دجلة عاجزون تماما ويتركون مهمة الدفاع عن تاريخهم وتاريخ أجدادهم لمنظمات ومؤتمرات دولية لا تنفعهم بشيء أبدا.


جبل الذهب المزعوم بالأحاديث وتفسيراته إلى حقول النفط والسيطرة الأمريكية وغير ذلك ليس مهما بقدر أهمية تحرك وزارة المياه والبيئة والثقافة والزراعة وكل الوزارات بمسؤولياتها أمام الكارثة المحتملة وكشف كل ما يتعلق بالأمر أمام العراقيين والعالم كله لان العالم كله سيتغير بتصحر العراق وتحوله من وادي الرافدين إلى صحراء جبل الذهب..


[email protected]