ينقلني المسرح إلى عالم أحبه.. أهرب فيه لساعات قليله من العالم حولي سابحة في أغوار التاريخ و الخيال..
قرأت تعليقات النقاد لمسرحية حصان الحرب المعروضه في لندن.. وذهبت مع صديقه في يوم الإثنين 12 أكتوبر 2009.. لمشاهدتها بدون حجز مسبق.. وبمنتهى الصدفه ولحسن الحظ وجدت تذكرتين في أحدى زوايا الصفوف الأماميه برغم أن محلات الحجز كلها كانت تؤكد بأن لا تذاكر إلا بعد شهور....تضمنت المسرحيه معنيين وهدفين.. كلاهما أسمى من الآخر.. الأول عن علاقة صبي لم يتجاوز السادسه عشر بحصانه الذي روّضه ودربه.بحيث تخطت علاقتهما العلاقه بين إنسان وحيوان لتاخذ شكلا إنسانيا بين صديقين حميمين بحيث طوّعت الحصان ليلبي كل طلبات صديق و يتعرف عليه من صفارته..بحيث تؤكد أن العلاقه الإنسانيه التي نخلقها بالمحبه حتى بين الإنسان والحيوان الغير ناطق هي الرابط الأسمى في علاقاتنا بالجميع.. الهدف الآخر الذي سعت إليه المسرحيه..رسالة الإبتعاد عن الحروب.. بتصوير التدمير الذي تنتجه الحروب.. وأنها ليست الطريق إلى حل أي مشاكل بيننا بل إن نتائجها تجعل الحلول اكثر إستحاله على المدى البعيد نظرا لما تخلّفه من دمار نفسي ومعنوي وإقتصادي تقّطع الروابط الإنسانيه بيننا كبشر.... وهي رساله عالميه جديده تسعى إليها العديد من منظمات العمل المدني في الغرب لإجبار الحكومات بالإبتعاد عن قرارات الحرب.. إستمتعت جدا بالمسرحيه.. وبمستوى أداء الممثلين.. ولكن المفاجأه التي لم تكن لتخطر لي على بال.. هي أنه وفي نهاية العرض.. فجأه وبدون سابق إنذار..توجهت أنظار المشاهدين إلى الصفوف الخلفيه وبدأت بالتصفيق بهدوء لشخصية لم أتبين محلامحها بادئا لأنها كانت بعيده عن الصفوف الأماميه في المسرح.. تبينتها بعد ثوان.. لأجد أنها ملكة بريطانيا.. نعم الملكه إليزابيث كانت بين الحضور وفي المقاعد الخلفيه مع ثلاثه من العائله المالكه.. بدون حرس.. ولا حمايه.. ولكن والأهم بدون خوف من الرعيه.....


لم يتهافت أو يتسابق الحاضرون للسلام عليها.. لم تخرج صيحه واحده من أحد لشتمها أو مدحها.. كانت مثلها مثل أي شخص حاضر لقضاء ليله جميله عاديه في المسرح مع أفراد من عائلتها أو أصدقائها...

وعاد عقلي إلى الماضي حين كنت أعيش في الدول العربيه.. أيامها كان الملك او الرئيس لا يخرج إلا بحاشيه طويله عريضه.. وتسد الطرق والشوارع.. وتتوقف الدراسه لأنهم ياخذون كل التلاميذ ليصطفوا تحت الشمس الحارقه.. لينتظروا بالساعات لحين وصول الموكب الذي يمر بسرعه خوفا من رشقه بحجر أو مد يد برسالة تطلب معونه أو واسطه لقضاء عمل ما..ويقوم البوليس بإحضار باصات مليئه من القرى والضواحي.. تصطف على الطرقات لتهتف للشخصيه الأسطوريه التي حررت البلاد...وحققت الرخاء بينما تقفل المحال التجاريه وغيرها.. ويضيع اليوم بدون إنتاجيه.. لا إفاده ولا إستفاده.. ونعود إلى بيوتنا نحلم بتلك الثانيه التي لمحنا فيها الرئيس المبروك لنعتقد بأن قداسته حلت علينا.. ولكنها قداسه بدون قدسيه لأنها لم تملأ العديد من المعدات الفارغه..

بعدها بشهر.. وبينما أنا أستقل الباص العمومي.. وجدت أمامي دوجلاس هيرد..وزير الخارجيه السابق للحكومة البريطانيه في نفس الباص كأي شخص عادي يتمتع بالركوب المجاني في المواصلات بعد أن بلغ ما فوق الستين من العمر.. ودفع ضرائبه مع عمره خدمة لبلده..

وحاولت تصوّر الواقع الذي أعرفه الآن من خلال قراءاتي عما يجري في العالم العربي.. مؤتمرات القمم التي لا تنقطع.. ولكنها وحتى هذه اللحظه لم تحل شيئا من مشاكل الإنسان العربي..وما لا يعرفه الإنسان العربي من أنه يدفع تكاليفها.. من بناء لقصور خاصه تضمن عدم الإنفجار. من سيارات تستورد خصيصا للحمايه.. تفوق تكلفة الواحده منها معاشه لسنوات.. من حراسة أمنيه مشدده يدفع تكاليفها.. لو تحولت هذه التكاليف لبناء مصنع أو شركة توظيف فربما إستطاعت توظيف ربع سكان البلد العاطلين..


حاولت تصوّر مستقبل أي مسؤول في الحكومات العربيه بعد خروجه من منصبه الرسمي.. هل سيركب المواصلات العامه.. أم سيعمل كل ما في وسعه لتأمين المرسيدس والسائق والفيللا الأنيقه. بل وربما ضمن أيضا بيت للإجازه والإصطياف في مكان آخر في هذا العالم الواسع.. تأمينا لهروبه بعد الإختلاس من الثروة الوطنيه... بالتاكيد كلامي هذا لا ينطبق على الجميع.. ولكني لا أدري إن كان الفاسدين والمرتشين قله أم كثره في العالم العربي.... الذي تستمر فيه عجلة الفقر.. والجهل و التجهيل.. والخوف من ولي النعمه؟؟؟ ويبقى السؤال الأهم.. هل سيجرؤ هذا الحاكم.. وذاك الرئيس.. وذاك الملك وذاك المسؤول على الخروج بهذه الحريه.. وبدون خوف؟؟؟؟


باحثه وناشطه في حقوق الإنسان