مفارقات عجيبة حقا تعيشها ساحة المرجعية الشيعية هذه الأيام، فبينما تتصارخ بعض الأطراف المُلائية متباكية على ما تسميه انتهاك حرمة المرجعيات الشيعية من قبل من تسميهم بشيوخ ( الوهابية ) على حد تعبيرها وتحمل الحكومة السعودية المسؤولية عن ما صدر من كلام بحق احد مراجع الشيعة الإيرانيين في العراق.

نرى في الوقت نفسه هؤلاء المتباكين على حرمة المرجعية تخرس ألسنتهم وتُكمم أفواههم ولا ينبسون بكلمة عند ما تتعرض المرجعية الشيعية الى الاهانة و تداس حرمتها من قبل صانعيها و دعاتها في إيران. وهذا يؤكد ان الذين ثارت ثائرتهم مؤخرا ضد الداعية السعودي ( الشيخ محمد العريفي) الذي قيل انه هاجم المرجع السيد quot; علي السيستانيquot; في خطبة الجمعة قبل أسبوعين على خلفية دعمه للتمرد الحوثي، لم يكن صياحهم هذا بدافع الحمية والغيرة على المرجعية الشيعية، و إنما جاء بدوافع سياسية تهدف الى تحريك الحس العاطفي عند البلهاء من أبناء الطائفة واتخذهم وسيلة لتحقيق مآرب سياسية لصالح المشروع الطائفي الذي يتبنونه في العراق والمنطقة عامة والذي وجدوا فيه الوسيلة الوحيدة لإيصالهم الى السلطة في العراق من جهة،وتأليب مشاعر شيعة بعض البلدان العربية ضد حكوماتهم لخلق الفتن الداخلية في هذه البلدان من جهة أخرى.

وهذا ما لمسه الجميع في تصريحات رئيس الحكومة العراقية السيد quot; نوري المالكي quot; الذي قام بزيارة quot;السيستاني quot; يوم أمس الاثنين( 4 يناير الجاري ) في خطوة وصفت من قبل المراقبين بأنها تهدف لغايات دعائية انتخابية، حيث حمّل المالكي عقب لقائه السيستاني،السلطات السعودية المسؤولية قائلا quot; ان الحكومة السعودية تتحمل قسطا من المسؤولية يجب عليها ان ترد على الذين يكفرون ويثيرون الفتن quot;.

نحن مع المالكي في دعوته لردع مثيري الفتن ولكن شرط ان يكون ذلك في كل مكان وفي أي لباس كان المثيرون للفتن ومن أي ملة كانوا. و قد يسأل سائل لماذا لم يقم المالكي اولا بوقف دعاة التكفير واللعن الذين تعقد مجالسهم تحت حماية حكومته و رعاية ماليا ومعنويا وثقافيا من المرجعية ذاتها الذي انبرى للدفاع عنها. كم من المجالس التي عقدت في العراق بمناسبة عاشوراء مؤخرا وكان مادة حديث خطباءها السب واللعن لصحابة الرسول الأكرم والخلفاء الراشدين وعلماء وفقها المسلمين من أمثال أبي حنيفة واحمد ابن حنبل وغيرهم؟. فما لا يصح بحق السيستاني أو غيره من المرجعيات الشيعية يجب ان لا يصح بحق غيرهم من علماء الإسلام أيضا.


ثم لماذا لم يتخذ المالكي وغيره ممن ثارت ثائرتهم للدفاع عن المرجعية هذا الموقف من النظام الإيراني الذي كان السبّاق في اهانة المرجعية الشيعية و مازال هو الأكثر تعديا عليها. فكم من مرجع تعرض للاعتقال والسجن و الإقامة الجبرية وخلع العمامة من قبل نظام الملالي في إيران طوال الثلاثيين عاما الماضية؟. الم يقم النظام الايراني باهانة مرجع الشيعة الأعلى في زمانه quot; السيد كاظم شريعتمداري quot; الذي توفي (ت 23 رجب 1406هـ ) مقهورا تحت الإقامة الجبرية بعد رفضه الإقرار بمبدأ ولاية الفقيه؟


ثم الم يجري اعتقال المرجع الكبير الشيخ محمد طاهر الخاقاني ( توفي 1986م ) ووضعه تحت الإقامة في مدينة قم مدة سبع سنوات لمجرد مطالبته بالمساواة بين العرب والفرس في الحقوق؟


الم يتعرض المرجع السيد محمد الشيرازي (ت 1422هـ ) للإقامة الجبرية لسنوات عديدة ويعتقل أبناءه و يعدم العديد من أتباعه لمجرد مطالبته بتطبيق مبدأ شورى الفقهاء بدلا عن مبدأ ولاية الفقيه التي أرادها الخميني لتعزيز سلطته لتكون مماثلة لسلطة ماوسي تونغ في الصين؟.


ثم الم تقم السلطات الإيرانية بتجريد ابرز الفقها الشيعة في عصره الشيخ علي حسين منتظري ( ت19 كانون الأول 2009) من منصبه كنائب لقائد الثورة وتضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة تزيد على العشرة سنوات وتعتقل وتسجن جميع من اتصل به أو دافع عنه بسبب مخالفته لسياسة الظالمة والتمييز الذي يمارسه النظام؟.
الم يقم النظام الايراني قبل أربعة أعوام باعتقال العالم المجتهد السيد محمد حسين كاظميني بروجردي الذي مايزال يقضي عقوبة السجن لمجرد مطالبته بفصل الدين عن الدولة وعدم تسييس الدين؟.


و قبل هؤلاء الم يتعرض مراجع الشيعة الكبير أبو القاسم الخوئي (ت 1413 هـ،) لحملة اهانة وتشهير من قبل النظام الايراني وأتباعه نتيجة مخالفة الخوئي لنظرية ولاية الفقيه ودعم الحرب الإيرانية ضد العراق؟.


وهناك مجموعة أخرى من العلماء والمجتهدين الشيعة قد تعرضوا للمحاربة وحملات التشهير بسبب أرائهم المخالفة لنظام الخميني ومنهم على سبيل المثال المرجع اللبناني السيد محمد حسين فضل الله، الذي أدى رأيه في مسألة تاريخية لم تثبت صحتها لديه كما قال ( أكذوبة كسر ضلع الزهراء على يد الخليفة الثاني ) الى حملة تشهير كبيرة بلغت حد صدور فتاوى من قبل احد المرجعيات في قم تنعته بالضال المضل؟.


أما في مستجدات حملة الاهانات المستمرة من قبل النظام الايراني ضد المرجعيات الشيعية، فقد أصدرت رابطة مدرسي حوزة قم الدينية قبل أيام بيان بنزع المرجعية الدينية عن الشيخ quot; يوسف صانعيquot; الذي كان قد اعتبر انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد غير شرعي، واعتبر محاكمات المحتجين على نتائج الانتخابات باطلة. و هناك العديد من العلماء والمجتهدين الشيعة في إيران وخارجها قد تعرضوا الى الاهانات والتعدي على كرامتهم من قبل النظام الإيراني إلا ان أحدا لم يسمع من المالكي أو غيره من أصحاب المشاريع الطائفية وتجار السياسة الفاسدة، انبرى للدفاع عن هذه المرجعيات؟.


ان السيستاني وبغض النظر عن مكانته الدينية عند شريحة من أبناء الطائفة الشيعة، فهو قد دخل غمار العملية السياسية القذرة الجارية في العراق اليوم وأصبح جزء منها وعلى أتباعه ان يدركوا ان من يدخل هذا المستنقع لا يمكن ان يخرج نقي الثوب أو سوف يسلم من النقد والتجريح. لهذا نعتقد ان الشيعة قبل غيرهم أهانوا مرجعياتهم وعليهم ان يحترموا هذه المرجعيات اولا و ينأوا بها عن مستنقعات السياسة و ألاعيبها القذرة ثم يطالبوا الآخرين بعد ذلك باحترامها.

كاتب احوازي