عجيب أمر أنصار التيار السلفي في الكويت، فهم استغلوا الظرف السياسي أثناء استجواب رئيس الوزراء الكويتي واستجواب وزير الداخلية الكويتي ىالشهر الماضي وطرحوا حججا واهية لا تستند إلى أي منطق لكي يمنعوا المفكر المصري الدكتور نصر حامد أبوزيد من دخول الكويت. لكن حينما منعت وزارة الداخلية الكويتية شيخهم السعودي محمد العريفي من دخول الكويت قامت قيامتهم وهددوا ووعدوا وأزبدوا، ومما قالوه في هذا الإطار إن العريفي لم يتهجم على الكويت لكي يمنع من دخولها، وإن quot;علماء السعودية لهم السبق في الوقوف مع قضايا الكويتquot;.

وجميعنا يعلم ان أبوزيد لم يتهجم على الكويت لكي يمنع من دخولها، إنما أراد إلقاء محاضرتين فكريتين. وأن هناك الكثير من رجال الدين السعوديين يعتبرون من أشد المدافعين عن الإرهاب ومن أبرز المنظّرين للعمليات الإرهابية، والتيار السلفي في الكويت يستضيفهم باستمرار. وان بعض الرموز الدينية السعودية البارزة احتجت على حرب تحرير العراق وباركت إرسال الانتحاريين إلى العراق كما احتجت على إعدام الطاغية صدام حسين، وهؤلاء مرحب بهم في الكويت من قبل التيار السلفي.

ورغم إن منع دخول الشخصيات السياسية والفكرية والدينية لإلقاء محاضرات في الكويت في ظل ثورة المعلومات لم يعد مجديا، وإن الإيمان بالحرية والتعددية أصبح أحد شروط الحياة الراهنة، وإنه على الحكومة ألا تلتفت لدعوات المنع والإقصاء هذه، إلا أننا نلاحظ رضوخ الحكومة الكويتية بسهولة لضغوط القوى السياسية والدينية، وقيامها بانتهاك الحريات، وضرب مفهوم التعددية، كل ذلك من أجل تمرير مصالحها. ونحن على ثقة بأن التوجه الحكومي هذا مبني على نهج يستند إلى السلوك الإقصائي لتلك القوى، التي صرخت بصوت عالي مطالبة بطرد أبوزيد والعريفي ورجل الدين الشيعي الإيراني محمد باقر الفالي.

وحينما يأتي الدور على رموز هذه القوى فإنها تدافع عن مصالحها الضيقة لا عن الحرية والتعددية بشكلها الواسع والصريح. فالموقف الحكومي من مسألة الحريات نجده يقوم على سيناريو ما تريده القوى المعارضة. بمعنى أن الذي يطالب بمنع دخول العريفي والفالي وأبوزيد إلى الكويت هو القوى السياسية والدينية وليست الحكومة الكويتية. وما قامت به الحكومة هو مجرد تقنين لعملية المنع، من خلال الاستناد إلى مطالب تلك القوى، حيث قالت لها: quot;هذا ما أردتموهquot;.

إن الحكومة الكويتية نفذت في ظرف شهر أو أكثر العديد من مطالب القوى السياسية والدينية الداعية إلى التضييق على حرية الفكر وحرية التعبير، حيث منعت دخول أبوزيد إلى الكويت بناء على ما أراده التيار السلفي بدعمٍ من التيار الإخواني وتأييدٍ من التيار الشيعي. كما حولت الناشط الكويتي محمد الجويهل إلى النيابة العامة وأغلقت قناته السور بناء على مطالب من قوى سياسية وطنية وقبلية ودينية بعد تصريحات أدلى بها في برنامج له اعتبرت مسيئة للقبائل ومهددة للوحدة الوطنية. وحولت الناشط الديني السلفي الكويتي فؤاد الرفاعي إلى النيابة العامة للتحقيق معه في أنشطة اعتبرتها قوى شيعية مسيئة للشيعة، ومنعته من نشر إعلاناته الدينية فوق مركزه الدعوي بحجة عدم وجود ترخيص لذلك رغم إنها غضت الطرف عن ذلك لسنوات. كل ذلك جرى بإيعاز من القوى السياسية والدينية التي تزعم جورا بأنها تدافع عن الحريات.

إن سياسة المنع الراهنة، المناهضة لمفهوم الحرية والمعادية لنهج التعددية السائد لسنوات عديدة في الكويت، سوف تتبعها مطالب من شأنها أن تضيّق كثيرا على الحياة السياسية والثقافية والفكرية، وقد تشجع الدعوات المطالبة بمنع الشخصيات غير الكويتية من دخول الكويت، كذلك قد تشجع إقصاء الأنشطة المحلية من أن تمارس نشاطها تحت ذرائع طائفية وقبلية. إن كل ذلك من شأنه ألا يخدم مستقبل الحريات في الكويت، لكنه قد يخدم التوجه الحكومي للتضييق على الحريات.

وما صرح به النائب السلفي وليد الطبطبائي في هذا الإطار قد يكون دلالة على ذلك. فقد قال: quot;سأوجه سؤالا لوزير الداخلية عن مبررات منع الشيخ محمد العريفي، ومن باب أولى منع كل من تطاول على الصحابة وزوجات الرسول وكل من تطاول على علماء السنةquot;. كما قال النائب محمد هايف إنه سيعلن عن قائمة تضم أسماء سوف يطالب بمنعها من دخول الكويت.

وعلى الرغم من أن منع العريفي من دخول الكويت جاء على خلفية تصريحاته المسيئة والإقصائية ضد المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني على خلفية المواجهة العسكرية بين الحوثيين اليمنيين والجيش السعودي، واحتجاج نواب وقوى سياسية ودينية شيعية في الكويت على تلك التصريحات، وقبلها احتجاجات في السعودية والبحرين والعراق ولبنان وغيرها. إلا أننا نجد أن إساءات العريفي، ثم هجوم الشيعة عليه، تنطلق جميعها من منطلقات طائفية بحتة لا علاقة لها بمسألة الحريات ولا تتعلق بحقوق الإنسان.

ولو عدنا بالتاريخ إلى الوراء قليلا سوف لن نجد تحركا شيعيا - على سبيل المثال - للدفاع عن المرجع الشيعي الإيراني آية الله حسين علي منتظري الذي توفى في ديسمبر الماضي، والذي تحمّل إساءات كبيرة ومضايقات لا حدود لها من قبل السلطات الإيرانية منذ أكثر من عشرين عاما بسبب نقده لسياسات الجمهورية الإسلامية الداخلية والخارجية، حيث لم يعترض أحد من الشيعة في الكويت ولا في غيرها على تلك الإساءات والمضايقات.

وجميعنا يعلم أن حزب الله الكويت نظم حفل تأبين للمسؤول العسكري في الحزب الذي قُتل في سوريا، عماد مغنية، رغم الاتهامات التي وجهت له بالتخطيط للهجوم الإرهابي على موكب أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد والهجوم الإرهابي على طائرة الجابرية في ثمانينات القرن الماضي، وما تلا ذلك من أزمة سياسية كادت تعصف بالبلاد. لكن حزب الله الكويت أصدر بيانا ندد فيه بالإساءات التي تفوه بها العريفي ضد السيستاني. إلا أننا لم نر أي تحرك أو بيان للحزب، ولا لعموم الشيعة، تجاه ما كان يحصل من إساءات لمنتظري، حيث لم يحركوا ساكنا لتأبينه بعد وفاته، وكأن الذي تعرض للمضايقات والإساءات ثم للوفاة شخص لا ينتمي للمرجعية الشيعية ولا يعرفه الشيعة، رغم إن منتظري هو أحد مؤسسي الجمهورية الإسلامية في إيران، وأحد المنظرين لنظرية ولاية الفقيه ثم تراجع عنها لاحقا، وهو أيضا أحد كبار المراجع الشيعة.

كاتب كويتي

[email protected]