ماذا لو اندلعت حرب نووية؟
ماذا لو ضرب الأرض مذنب شارد بقوة مائة مليون قنبلة هيدروجينية كما حدث مع مذنب شوميكر الذي ضرب المشتري فيضربنا؛ كما في فيلم إيمباكت؟
إن الموضوع جد وليس بالهزل ومما أصدرت سلسلة عالم المعرفة كتاب كامل عن نهاية الكون واحتمالاته؟ فالعقل العلمي مفتوح على كل شيء، وحسب رأي الكوسمولوجيون؛ فإن معرفتنا بالنيازك التي تمرح حولنا بأشد من بعوض جامايكا وقناة باناما، لا نعرف عنها أكثر من عشرة بالمائة فقط؟ ومنه حق للكتب المقدسة أن تتكلم عن نهاية العالم!
إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت، وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها و تخلت!!...
وفي عام 1918 م حين انفجرت أنفلونزا الكريب الأسباني قضت في أمريكا لوحدها على 660000 من الأنام، وعلى قوس الكرة الأرضية على ثلاثين مليونا من الناس، وفي بوسطن ولحدها وفي شهر واحد نقلت التوابيت إلى المقابر أكثر من 11000 جثة، وظن الناس أن العالم انتهى أجله، كما هو في الفيلم الذي يظهر على الشاشة مع شتاء عام 2010 م عن نهاية العالم كما هو في تقويم حضارة المايا، وأن نهاية العالم ستكون في 21 November \ 2012 وبذلك يقفل ملف الحياة الإنسانية الذي هو 5126 عاماً.
ماذا لو انقلبت دفة الدرع الكهرطيسي الذي يحمي الأرض فتبقى بلا فصول ولا توازن، كما هو في آخر أبحاث الجيوفيزيائية، عن انقلاب دوري يحدث كل ثمانين ألف سنة، وهو في طريقه للحدوث قريبا في القرون الثلاث القادمة وقد يكون أقرب.

وقل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون؟
ماذا لو انقلب تيار الخليج فانقطعت الحرارة عن أوربا وتحول شمال الأرض إلى العصر الجليدي كما جاء في فيلم (يوم ما بعد الغد Day after Tomorrow) الذي انتاب الأرض مثل الحمى قبل ستين ألف سنة، وفي ثناياه انقرض انسان النياندرتال؟
ماذا لو انفجر بركان كراكاتاو في أندنوسيا؛ فقلب مناخ الأرض إلى ما يشبه الشتاء النووي، كما حدث قبل 75 ألف سنة؛ فلم يبق إلا أعداد بسيطة من بني آدم؟ كما أظهرت ذلك تحليلات الميتوكوندريا في قلب الخلية لبصمات الأنواع الإنسانية، أننا جميعا خرجنا من عنق الزجاجة من عائلات قليلة؛ فكلنا لآدم وآدم من تراب، وأننا جميعا متشابهون في تركيب الحامض النووي، وأدوات النطق والكلام، ومراكز التفكير ومفاصل القواعد اللغوية، والقاموس اللفظي في منطقتي بروكا وفيرنيكه في الدماغ؟
وأن كل اللغات الستة آلاف على وجه الأرض، تعمل بنفس الآلية، من المبتدأ والخبر والرفع والنصب، والفعل والصفة وحروف الجر والتعريف وحروف العلة، كما ثبت ذلك في علم الألسنيات والبرمجة اللغوية العصبية؟
ماذا لو شنت إسرائيل حربا نووية تحت ضغط الخوف من الزوال؛ فتطبق القاعدة التي ذكرها سيمور هيرش (خيار شمشون Samson Option) علي وعلى أعدائي، وحين تبدأ إسرائيل بالضرب، فلن تضرب الملالي في طهران، بل أولا مسح العواصم العربية وسد الفرات ودجلة وأسوان، وقبلها حواضر ألمانيا بالتمام والكمال؛ هامبورج ودارمشتات وجوتنجن وكيل وبادن بادن، انتقاما الهولوكوست، وإلا ما معنى 399 رأس نووي ؟؟
إن مسألة بداية ونهاية العالم شغلت بال الكثيرين عند جميع الأمم. وكانت تصوراتهم ساذجة عن كون عمره بضع آلاف من السنين كما صرح بذلك بعض شرّاح العهد القديم عندما تصوروا أن بداية الكون كانت عام 4004 قبل الميلاد. والقرطبي اعتبر أن عمر الكون في حدود سبعة آلاف من السنين. وعندما يقرأ الإنسان كتاب التاريخ القديمة بمن فيهم ابن خلدون ذو العقل العلمي الجبار يشعر أنهم عندما يحاولون وصف بدايات التاريخ يتخبطون. وهم معذورون بسبب شح المعلومات بين أيديهم. وفي مكتبتي اليوم مجموعة من الكتب المذهلة باللغة الألمانية اسمها الكرونيك أي مسلسل الوقائع. فلا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا سجلت.
وهناك الكرونيك المتعلق بتاريخ الجنس البشري وهو قصير الفترة لا يتجاوز ستة آلاف من السنين. وهناك الكرونيك المتعلق بالطب عن كل تطورات الطب منذ أيام أبوقراط والفراعنة وعلم الصينيين.
وهناك كرونيك المرأة وهو يشرح أهم فصول تاريخ المرأة والشخصيات النسائية الهامة. ومنها كرونيك الأرض حيث يبدؤوا في عرض تاريخ الأرض بملايين السنة منذ أن لم تكن هناك حياة فتحدث الأرض أخبارها.
وفي علم الانثروبولوجيا نعرف أن تاريخ الإنسان ربما تجاوز ستة ملايين من السنين ولم يكن شكلنا الوحيد الذي مر على الأرض.
وفي معهد براهما في الهند يقوم الكهنة بلعبة عجيبة حيث يوجد 42 حجرا على شكل أهرام حيث براهما مصدر الحياة، وشيفا باب الهلاك، وبينهما فشنو حافظ الحياة، وبغض النظر عما يعتقدون ولكنهم يقومون بنقل حجر من واحد للثاني بدءا من براهما مرورا بفيشنو وانتهاء بشيفا على أن لا يجلس حجر كبير على صغير. وعند كل غروب تتحرك حجرة من مكان لآخر.
وحسب الرياضيات فإن قانون الاحتمالات يقول أنه رقم 2 مضروب بنفسه 42 مرة ناقص واحد. وهذا يعطي رقما قريبا من عشرة بلايين من السنين.
والإنسان يتعجب من وصولهم لهذا الرقم في تقدير نهاية العالم، حيث أن الشمس أصبح لها من العمر حوالي خمسة مليارات من السنين، وعندها من العمر لتتابعه قبل أن تتحول إلى عملاق أحمر خمسة بلايين من السنوات القادمة.
وكان الظن أننا سنتابع مع الشمس رحلة الحياة بهذا المقدار ولكن آخر الأبحاث تضغطه إلى 500 مليون سنة، وعلينا بعدها البحث عن كوكب آخر للسكن، ولكن ما زال في الوقت سعة فالحضارة بدأت قبل ستة آلاف من السنين فقط.
كل هذه الأسئلة ابتداءً حركت أذهان العلماء الجرمان، أن يتداركوا الموقف، كما صرح بذلك مارتن لوخترهاندت ((Martin Luchterhandt مدير مشروع فرايبورج في قلب الجبال، قريبا من الغابة السوداء في منطقة (شاوانسلاند Shauinsland) على علو 1220 متر من مرتفعات (أوبرريد Oberried)، حيث تمتد أنفاق هائلة في طول الجبال وعرضها، على امتداد مائة كيلومتر في بطن الجبل، وعلى 22 مستوى !!
فكرة المشروع باختصار هي النجاة بالثقافة الإنسانية إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان مالها؟ فالأرض ليست مكانا آمنا بحال، لا لنا كأفراد فالموت يتخطفنا، ولا للأمم فلكل أمة أجل إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون؟ ولا للجنس البشري، فالساعة أدهى و أمرّ!!

إذا لا وزر كما نرى؟
ولكن أين طوق النجاة في الظلمات؟ وكيف تحفظ الثقافة؟ ومتى؟ وبأي مادة تصمد على امتداد القرون، على الأقل لو قامت القيامة النووية وبقي بقية من الجنس البشري؟ يريدون متابعة الحياة وبناء الحضارة من جديد ؟ فالسي دي (CD) تتوقف عن العمل مع كل رض و خدش!!
لقد هداهم التفكير إلى الميكروفيلم الذي سوف يصمد على الأقل لمدة 500 خمسمائة عام القادمة..
من هذا التصور واليقظة الألمانية لعاديات الأيام، وخراب بلادهم بلقعا يبابا في حرب الثلاثين سنة والكبرى والثانية، وهلاك الحرث والنسل، وضياع المخطوطات والوثائق، كما تدمرنا نحن في كارثة ذئاب آسيا من المغول الذين هبطوا على بغداد كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى القتل يقولون إنها فرصة لا تفوت؟؟مما حول ماء دجلة أسودا من مداد الكتب التي ألقيت في شطها الحزين، أقول جعل الألمان ينطلقون في المشروع قبل 35 سنة منذ أيام الحرب الباردة، وهكذا جاؤوا إلى هذه المنطقة الجيدة المهيأة منذ أيام النازيين بأنفاق لانهاية لها فقالوا هنا مربط الخيل؟
وهكذا ومن خلال 15 مركز تصوير في ألمانيا، وبميزانية ضخمة من ملايين اليورو، تم ملء 1466 برميل بالميكروفيلم، كل برميل يزن 122 كيلوغرام، يتسع لـ 16 فيلم، كل فيم طوله 1520 مترا، وكل بكرة فيلم تتسع لـ (50000) خمسين ألف لقطة، وبذلك فقد حوى كل برميل (800000) ثمانمائة ألف لقطة موثقة؟!
أي أن المشروع وصل حتى اليوم إلى مليار و172 مليون و500 ألف لقطة لتوثيق وحفظ أبدع إنجازات الإنسان وتاريخه الفعلي بدون تشويه وتزوير.
ويعقب (لوثار بورفيش Lothar Porwich) من المكتب الاتحادي المسئول عن قسم (حماية الأمة ومساعدتها زمن الكوارث) عن المشروع فيقول quot; في المستقبل البعيد سوف يأتي من يتأمل عملنا، كما نشاهد نحن اليوم رسومات إنسان الكهوف قبل ثلاثين ألف سنة تطل علينا من العصور الحجرية؟quot;
وبالطبع نحمد الله أن مثل هذه المشاريع ليست ملفقة ولا مكذوبة، كما هو حال بلاد العروبة أوطاني، وهكذا يؤكد العلم أنه يتطور بالصدق وليس الافتراء على الله الكذب، ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعي العلم؟
وهي شهادة على القرآن أن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال...

وبالطبع قد يسأل المرء وماذا التقطوا ووضعوا في هذه الأفلام؟
بالطبع لم تكون أقوال الرفيق القائد الملهم، ولا معلقات الملك المعصوم، ولا قصائد الأمير المنزه عن الخطأ المتعالي فوق النقد، ملعقته من ذهب وعطاسه شفاء من كل داء؟ ولا كذب السلالات العائلية السلطانية، وافتراء التاريخ وتزويره عن أم المعارك والمهالك والمقالع!
لقد تركز البحث العلمي على تصوير وثائق التاريخ، وما حوى من مستندات ومتحولات الحرب والسلم، والإنجازات الإنسانية والإبداعات الثقافية بما فيها فلسفة نيتشه، ونوتات الموسيقى لموتزارت وباخ وبيتهوفن، وكل ما يتصل بنسب إلى العلم والأدب وروعة الموسيقى والتاريخ والفلسفة وحكايات الاقتصاد
في النهاية يمكن أن نطرح التصور المقابل أليس من المفيد أن يوضع التاريخ العربي الفعلي في مشروع يحفظ وجهنا الأسود، من ملاحم الجنجويد، وسواطير الجزائر، ومصيبة الحوثيين ودجاجلة عسير، ومذابح الشيعة والسنة عند دجلة، وقتال اللبنانيين في الحرب الأهلية، وتدمير حماة بيد السفاح، ومشانق العجل الناصري، والكتاب الأخضر الموبوء، وحدود الجزائر والمغاربة المغلقة بأشد من سد ذي القرنين بزبر الحديد أفرغ عليه قطرا؟
أظن أنه من المفيد أن تكتب وتحفظ في برميل من مشروع فرايبورج بلون الزفت والقار، مكتوب عليه التاريخ العربي الأسود
أما قيمة حفظه حتى عام 3504م؛ فتدفعه دول الخليج البترولية، حين تفتح علب موصدة لمشاهير الفكر والتاريخ كما فعلوا في احتفال هائل عام 2004 م؟؟
فيخبط أحفادنا وجوههم المحمرة بأيديهم، ويقولوا يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ..
وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون..