المبهوت، وصف قد يکون دقيقا للسيد نوري المالکي وهو يتابع الاعلان الدراماتيکي لنتائج الانتخابات العراقية التي کان الى أيام قليلة خلت من أقوى المرشحين للفوز بها و التمتع بولاية ثانية له. وإذا ماکان المالکي قد إنتظر السابع من آذار بفارغ الصبر و أعد لها کل مابإستطاعته لکي يقطفquot;الکم الاکبرquot;من ثمارها، لم يکن يتوقع أبدا أن يتمکن السيد أياد علاوي، ذلك الرجل الذي نفض عنه جلباب البعث ذو اللون الاحادي الاعمى و عاد بدثار سعى لکي تکون ألوانه الاساسية تعکس مختلف أطياف و شرائح الشعب العراقي، من أن ينافسه بهذه الضراوة.


نوري المالکي الذي سعى خلال فترة ولايته الماضية للأفول، کي يعکس صورة الزعيم السياسي المعبر عن الشعب العراقي بکل أعراقه و طوائفه و أديانه، وبذل مافي وسعه للظهور بحلة ذلك العراقي الذي يجعل إنتمائه و ولائه للعراق فوق کل الانتمائات و الولائات الاخرى، لکن التقارير و المعلومات المختلفة التي تواترت خلال سنوات حکمه المنصرمة أظهرت بشکل او بآخر، أنه لم يتوفق في سعيه ذلك و طغى عليه الانتماء الطائفي(کما قال العديد من زعماء السنة) والانتماء العرقي(کما قال عنه بعضا من القادة الکورد)، لکنه وبرغم هذا الخطأ الفادح الذي وقع به، فقد عول کثيرا على النتائج(الايجابية)التي حققها بإشاعة الاستقرار و الهدوء و الامن في مختلف أرجاء العراق(سيما المناطق المضطربة منها)، وظن بأن هذا ستدفع تلك، مثلما إعتمد أيضا على الدعم القادم من طهران وظن انه سيکون عامل الحسم الاقوى في العملية الانتخابية.


ولم يکن أياد علاوي قد سعى خلال سنوات ولاية المالکي کي يطرح نفسه بديلا أساسيا لزعيم حزب الدعوة الذي برز بقوة بعد أن أطاح بأبراهيم الجعفري، لکنه لم يبق في الظل وانما بقى في حرکة دائبة و سعي حثيث من أجل بقائه في الصورة، لکنه ومع تزايد الاخطاء(الفادحة)لرئيس وزراء اول حکومة منتخبة ديمقراطيا بعد سقوط نظام الدکتاتور صدام حسين، فقد بدأ بسلسلة تحرکات و مشاورات متباينة تمهيدا لسحب البساط من تحت أقدام المالکي، غير أنه و بخلاف العديد من الساسة العراقيين لم يعول او يرکن الى الجارة الشرقية(المثيرة للقلق و الجدل)، بإعتبارها تمتلك بيضة القبان في الساحة العراقية، وانما ولى وجهه شطر مختلف الجهات و القنوات الاخرى ناهيك عن توجهه و ترکيزه على الشارع العراقي بشکل خاص و استثنائي، ويمکن الجزم بأنه قد أعد مايمکن وصفه بورقة عمل لدفع المالکي بتؤدة عن ريادته السياسية و البدء بوضعquot;حدودquot;وquot;إشاراتquot;وquot;علامات فارقةquot;أمام العربة الايرانية التي تجتاز مختلف المحطات العراقية من دون أن تضع أي إعتبار لکل الحواجز و المعابر.


ويقينا أن الذي منح الکثير من الحظ لعلاوي لأداء هکذا دور حساس و صعب، هو کونه شيعيا بالاساس، لکن شيعيته قطعا تختلف کثيرا عن شيعية المالکي(المدافة بکل مشتقات الاسلام السياسي)، وهو بهذا يرضي طموح الغالبية الشيعية في العراق من جانب، ولأنه لايعير للبعد الطائفي تلك الاهمية التي يعيرها أياه غيره من الساسة الشيعة، بالاضافة الى ذلك البرنامج السياسي الطموح الذي يدغدغ أحاسيس و مشاعر مختلف أطياف الشعب العراقي سيما السنة منهم، دفع بالطائفة السنية العراقية کي ترکن إليه و تلقي بکل کراتها في سلته(العراقية)، وهو امر و بادرة يبدو ان دول المنطقة(بإستثناء إيران)، قد تلاقفتها و تفهمتها بدقة، والنقطة المهمة الاخرى، أن الامريکيين و الاوربيين(المتفهمين و المستوعبين لأهمية الابعاد الطائفية و العرقية و الدينية في الشارع العراقي)، قد وجدوا في أياد علاوي السياسي الاکثر قدرة و إمکانية لزحزحة المالکي عن ريادته السياسية وکذلك تقليم أظافر البعبع الايراني.


علاوي، هذا المحارب الشيعي الذي قاتل غريمه المالکي(الشيعي المتدين)، بسيف سني و تمکن من دفعه و ازاحته عن صدر جيشه الى ميسرته، يمکن أيضا تفهم حصوله على هکذا نتائج باهرة بإنها تعبير عن إرادة الشارع العراقي بفرض ديمقراطية حقيقية و ليست مجرد شکلية او روتينية مملة وان صعود علاوي بهذا الشکل يمنح أملا و زخما و قوة کبيرة للعملية السياسية في العراق بعد سقوط نظام البعث.