تعودنا أن نثق دوما بالشعار، دون النظر إلى الوقائع المحركة لرفعه، وهذه حالة عربية عممت منذ زمن بعيد، حيث استولت العائلات على المجتمعات وسلطتها وثروتها، وتداخلت الأوضاع الإقليمية والدولية إلى درجة أنه بات من الصعب إن لم يكن من المستحيل، تعقب القوى التي تفعل فعلها في هذه المنطقة، مصالح ضخمة لازالت تدر ذهبا ولم تتصحر بعد كإفريقيا.


كثرت في الأونة الأخيرة الدعوة- الشعارquot; نحو إلغاء الطائفية السياسية في لبنانquot; وتزامنت المبادرة التي طرحها السيد نبيه بري رئيس مجلس النواب بالمحاصصة المفروضة، لأن السيد بري كما نظن، سيبقى رئيسا لمجلس النواب حتى لو لم يبق ولا نائب لحركة أمل التي يتزعمها في البرلمان اللبناني، والسؤال الآنquot; كيف للسيد نبيه بري أن يطرح مبادرة لإلغاء الواقع الذي اعطاه هذا الامتيازquot; رئيس مجلس نواب إلى الأبد؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى تزامنت دعوته مع تصريح للسيد الرئيس بشار الأسد للصحفي سيمور هيرشquot; ان ما هو موجود من نظام سياسي في لبنان هو مولد للحروب الأهلية والعنفquot; دون الحاجة إلى القول أن هذا التصريح يبرأ أية تدخلات خارجية، وهنا ثارت ثائرة الثائرين على هذا التصريح، الذي هو حق بغض النظر عن المراد منه، والذي لم يأتي كما تابعت على ذكره أيا من المنتقدين لهذا التصريح. حيث اتت استجابة السيد نبيه بري لهذا التصريح سريعة جدا، وتبعها أيضا موقف الشيخ الجليل عبد الأمير قبلان، مؤكدا على دعمه لمبادرة السيد رئيس النواب! والآن تلقف هذه الدعوة جملة من المثقفين والكتاب ليعقبوا عليها تأييدا، وانفتاحا على شعار السيد بري.


قبل أن نتابع هذا الأمر نسألquot; ما هو النموذج الذي كان في ذهن السيد الرئيس كبديلا عن النظام القائم حاليا في لبنان، وأي نظام هذا الذي يمنع الحروب الأهلية والعنف؟ بالتأكيد ليس النموذج الديمقراطي الذي أخذت به كل دول العالم، ماعدا منطقتنا؟ والسيد نبيه بري هل كان جادا في طرح الموضوع؟ نعم كما أعتقد أن الدعوة هذه ستتبناها كل القوى السياسية الشيعية في لبنان، وهذه الدعوة ليست للمزايدة كما اتهم فيها بعض الكتاب السيد نبيه بري.


والكلام الحق الذي نطق به السيد الرئيس بشار الأسد أيضا ليس مناورة، بل هو مطلب قوي الآن للقيادة السورية والإيرانية، لإنهاء الصيغة الطائفية القائمة الآن للنظام اللبناني، أما القوى اللبنانية التي في هذا الحلف، كلها وافقت عليه ماعدا السيد ميشيل عون، وقوات المردة بزعامة النائب سليمان فرنجية، فهو محرج لهما، لهذا كانت ردود أفعالهما صامتة تترقب، خاصة وأن الجنرال لازال يمني النفس بدخول قصر بعبدا.


إن الدعوة السورية لإلغاء النظام السياسي القائم الآن لبنانيا، ودعوة فعاليات قوى الثامن من آذار، لتبني مشروع السيد بري، يجد جذره في نقطتين أساسيتين:
- الأولى أن واقعة اجتياح بيروت مايو 2008 وما ترتب عليها من إعادة موضعة جديدة للوضع اللبناني داخليا وإقليميا، والامتياز الذي حصل عليه حزب الله، قد خلق فضاء شبه مرجعيquot; أن الحزب قادر في كل لحظة على فرض الأمر الواقع، وتغيير المعادلات السياسية في لبنان، وحتى الوصول إلى تغيير النظام السياسي اللبناني لصالح نظام سياسي آخر. ربما هذا ما يخيف السيد وليد جنبلاط كثيرا، بألا يكون له ولحزبه دورا فيما يريده حزب الله.


- النقطة الثانية والخطيرة هي وقائع ربما عددية، تشير إلى أن الطائفة الشيعية في لبنان هي الآن أكثر تعدادا من باقي الطوائف اللبنانية، وعليه يجب أن يكون لها الحصة الأكبر في النظام السياسي، ربما يحضر مزيجا من النظامين السوري والإيراني كمرجعية لشكل النظام السياسي الذي يريده الحزب الآلهي!
وهنالك نقاط أخرى لم نأتي على ذكرها بالطبع، ولكن بات من الواضح أن مسألة السلاح لدى حزب الله، لن تنتهي حتى لو عقد اتفاق سلام بين إسرائيل ولبنان، ومطلب حزب الله من سلاحه في النهاية هو دسترة وقوننة هذا التفوق العسكري على بقية الأطراف اللبنانية، أي إنتاج نظام سياسي رئاسي أو غير رئاسي، إنتاج دستور يتوافق معه، يكون ثمنا لكي يعيد حزب الله سلاحه للدولة اللبنانية.


إن إلغاء الطائفية السياسية وإقامة دولة مواطنة وعادية كبقية دول العالم الديمقراطية، لا تستوحي نموذجا لا سوريا ولا إيرانيا ولا خليجيا، يعد مطلبا أساسيا لخروج لبنان من فائض العنف المتواجد في الصيغة الحالية للنظام اللبناني، ولكن ليس تحت تهديد سلاح حزب الله.
لأن النظام المراد إنتاجه ثمنا لإنهاء مشكلة هذا السلاح، سيكون أسوأ من النظام الحالي، ولهذا الأمر بحث آخر.