وحتى يشع التنوير فلابد من التحرر من القيود، تلك القيود التي طوقت الإنسان قيدا فوق قيد، وشكلت عائقا بينه وبين التنور والتقدم.
ومع كثرة القيود فالإنسان المتخلف ربما لايدرك بأي القيود يبدأ؟ وهل يستخدم القوة في التحرر أم هو سيستخدم الوسائل السلمية في ذلك، ضمن المبدأ الجديد quot; اللاعنف quot;، وربما لن يتوقف سيل التساؤلات عن كيفية التحرر وفك القيود؛ فحتما هناك من سيسأل عن ماهية تلك القيود، وأنماطها وكيفية هيمنتها على الواقع...هذا أن كان هناك تساؤلات فالواقع يشير إلى أن الإنسان المتخلف غالبا مايقدم على عمل دون تفكير فضلا عن التساؤل والتأمل.
هنا حاولت رسم ملامح للقيود التي تحول دون تمكن الإنسان من التنور، ولعلي وفقت في تكوين صورة واضحة للقيود التي أجهضت كل مشروع تنويري تنموي، وبما أن هذه المقالة موجهة للعامة والنخبة على حد سواء فلابد لي من الإيجاز والتقديم بلغة مبسطة، وعمدت إلى تصوير ذلك في رسم هندسي حتى ترسخ الاطروحة في ذهن المتلقي بشكل انسيابي وعمدت أيضا إلى عدم ذكر أمثلة كثيرة من الواقع حول تلك القيود حتى يتسنى للمتلقي محاولة المقارنة وإسقاط هذه الاطروحة على مايشاء من التجارب الإنسانية العديدة، وربما نحن كعرب نفضل سرد الأمثلة ونحول الموضوع دون أن نشعر إلى قصص وروايات نستسيغ سماعها دون الرغبة في الاستفادة منها وبالتالي تحيد بنا إلى سبل أخرى.
حتى لا أطيل فأنا خلصت إلى أن هناك أربعة قيود عتيدة، وقد شكلتها على شكل هرم، وتكون القيود على أربعة مستويات تصاعدية، فقاعدة الهرم هي القيد الأساسي وتليها باقي القيود تصاعديا وتنتهي بالقيد الأخير والذي يمثل رأس الهرم، قد يشعر البعض بأن ما أقوله قد يبدو مألوفا ولا داعي من ذكر ذلك ؛فأقول أنني قمت بذلك لتحديد إطار لعملية إجهاض التنوير كي تكون نصب أعيننا بغض النظر عما إذا كانت الفكرة متكررة أم لا.
القيود هي: قيود ذاتية،قيود فكرية، قيود اجتماعية، قيود سياسية.
1- القيود الذاتية: تتلخص في قيود الإنسان الخاصة بشخصه، والتي حالت دون توصله للمبدأ السوي وخلوصه إلى حقيقة الواقع الغير سوي. أهم هذه القيود: الجهل، الخوف، الخنوع، الخجل، المصلحة الذاتية.
الجهل ربما لا أحد يخالفني فيه، فحسبنا أن جهل الإنسان بقيمة المثل السامية أو جهله بحقيقة التخلف أو جهله بأدوات التقدم؛ كفيل لوصوله إلى قناعة تفيد بأفضلية الواقع الراهن.
أما الخوف والخنوع والخجل والمصلحة الشخصية فهي تشكل متلازمة تجعل الإنسان حبيس واقعه المرير.
2- القيود الفكرية: إذا أصبح الإنسان رهن مسلمات فكرية تشكلت في حقبة زمنية معينة وكانت تلك المسلمات عائقا لتنور الإنسان فمن الصعب تجاوز ذلك دون إدراك الإنسان نفسه لوهمية تلك المسلمات.
أهم القيود الفكرية: الأيدلوجيا المهيمنة، الفهم الخاطئ، اليقين.
وحول القيود الفكرية نجد أن أنها أعتى وأشد القيود، فالفكرة حتى وإن كانت مقدسة قد تصبح مسوغا لحجب التنور لغايات معينة وفي ظروف معينة.
واليقين بالأيدلوجيا وبالفهم الخاطئ غالبا مايؤدي إلى الظلامية ولذا جل التجارب التنويرية بدأت بالشك.
3- قيود اجتماعية: لاشك أن الإنسان كائن اجتماعي وطالما أن الإنسان يظل قابعا تحت قيوده الاجتماعية فلن يحقق شيئا أو على الأقل لن يتمكن من زحزحة الواقع المظلم ؛ وهنا جعلت هذه القيود خلف القيود الفكرية لأن الإنسان قد يتخلص من القيود الفكرية ولكن ربما يقف طويلا أمام قيوده الاجتماعية.
أهم القيود الاجتماعية: الأعراف، التقاليد، القبيلة، الأسرة. المحيط الاجتماعي بشكل عام.
وقد يسأل البعض لماذا هولت من القيود الاجتماعية أمام أختها الفكرية؟ فأقول: جل الأفكار المتنورة خاضعة للقيود الاجتماعية والأمثلة لدينا عديدة فمثلا هناك العديد من المفاهيم الخاطئة خاضعة لحماية المجتمعات فلو أن هناك إنسان حاول تعرية شيئا هذه التفاسير ربما عز عليه نبذ المجتمع له فيبقى رهينا لقيوده الاجتماعية وهنا يتجلى مدى تأثير القيود الذاتية(القاعدة) على قرارات الإنسان.
4- قيود سياسية: وهي رأس الهرم والأداة الأقوى في وجه التنوير ولكنها أقل هذه القيود حجما وأكثرها تأثيرا.
أهم القيود السياسية: القوة، البروباغندا، الإغراء
البعض ربما يقول لماذا ذكرت بأنها أقل القيود حجما ونحن نرى الاعتقالات والتعذيب والسجون والإعدامات؟!
فأقول أن القيود السياسية بنيت على قيود الإنسان الثلاث السابقة ذاتية وفكرية واجتماعية،فالقيود السياسية عظمت أمام القيود الذاتية للإنسان،فالجهل والخنوع والخوف مثلا جعلت العوام يبجلون الطغاة، والمصالح الذاتية جعلت الإنسان يكون بنفسه أداة لحجب التنور، والقيود الفكرية جعلت من القيود السياسية أمرا مقبولا لدى الإنسان، والقيود الاجتماعية أصبحت سدا منيعا بوجه من يحاول تعرية القيود السياسية.
وختاما ما هذه المقالة إلا مدخلا لمقالات أكثر تفصيلا حول هذه الفكرة،ولا أنسى أن أقول أن أي محاولة لإضفاء صبغة الصواب على هذه القيود هي بمثابة شرعنة القيود والسير في طريق الظلام.
التعليقات