يمر الإتحاد الوطني بمشكلة حقيقية منذ إجراء إنتخابات برلمان كردستان في يوليو الماضي، تحولت في الإنتخابات الأخيرة الى أزمة خطيرة تهدد بنيان هذا الحزب الجماهيري الذي كان له شرف إعلان الثورة الجديدة في جبال كردستان، وقاد معركة تحرير كردستان الجنوبية بعد هزيمة العراق في حرب تحرير الكويت.

وتعمت هذه الأزمة بعد تثبيت حركة التغيير المناهضة للإتحاد أقدامها في السليمانية والتي كانت معقلا للإتحاد الوطني لعقود طويلة من تاريخ نضال هذا الحزب.

والسبب الأساسي لنكسة الإتحاد الوطني حسبما أتلقاه من معلومات من بعض معارفي ورفاقي القدماء داخل كردستان يعود الى قيادة هذا الحزب التي إنغمس بعض أعضائها في الفساد المستشري بأوصال السلطة هناك الى حد دفع بعموم جماهير الإتحاد الوطني وعلى الأخص أنصاره الى الإنتقام جراء الإهمال المتعمد لتلك القيادة لحاجات ومتطلبات سكان المدينة، وإنغماس بعض قياداته في الفساد المالي والإداري على حساب جوع الشعب.

وهذه المعلومات التي لا أشك بمصداقيتها تؤكد بما لا يقبل الشك بأن الإتحاد الوطني يعاني اليوم من أزمة قيادة حقيقية، ويربط الكثيرين من رفاقي هذه الأزمة بتردد قيادة الإتحاد وعلى رأسهم الأمين العام مام جلال من إجراء الإصلاحات المطلوبة منذ وقت طويل، وإصراره على الإبقاء بالوجوه الكلاسيكية في قيادة الحزب، على رغم معرفته المؤكدة بتورطهم في الفساد المالي الى حد خطير.

ويشخص هؤلاء أزمة قيادة الإتحاد الوطني بعدد من أعضاء المكتب السياسي واللجنة القيادية وهم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة الذين أوصلوا حال الإتحاد الوطني الى ماهو عليه اليوم وهم يتولون مسؤوليات المكاتب التنظيمية والإعلامية والجماهيرية، وفشلهم الذريع في إدارة هذه المكاتب، وكذلك بسبب سعيهم الدائم الى خداع الأمين العام للحزب من خلال وضعه داخل صورة غير حقيقية لمدى شعبية الإتحاد في أوساط الجماهير، فالإنتخابات الأخيرة أثبتت حجم فقدان الدعم الجماهيري للإتحاد الوطني، وأثبتت كذلك بطلان الإدعاءات الكاذبة لمسؤولي هذه المكاتب ببقاء ذلك الدعم لصالح الإتحاد.

هناك الكثيرون ممن لا يشككون في تضحيات وعطاءات الإتحاد الوطني خلال سنوات النضال الثوري في جبال كردستان، وكذلك في دور مام جلال ونضاله المتواصل منذ أكثر من خمسين عاما من أجل شعبه ومواجهته للدكتاتوريات الحاكمة في كردستان، فمام جلال يحظى بمحبة الغالبية العظمى من أبناء الشعب الكردي، ومازالت هذه المحبة متواصلة، ولكن تصرفات قيادات هذا الحزب أدى الى حدوث نوع من النفور الجماهيري من الحزب تحول في الفترة الأخيرة الى إنتقام شعبي أدى الى إلحاق أكبر هزيمة بالإتحاد الوطني في الإنتخابين الأخيرين. ولم يقتصر التذمر والنفور على الأوساط الشعبية بل إمتد الى داخل تنظيمات الإتحاد الوطني بعد هذه الإنتخابات، فبعد إنشقاق حركة التغيير عن الإتحاد الوطني بسبب السياسات الخاطئة لقيادة الإتحاد وإصرارها على الإبقاء على الوجوه الكالحة والمسودة بالفساد المالي والإداري، تحولت النقمة الى داخل الإتحاد الوطني، خصوصا مع إرتماء قيادة الإتحاد أكثر فأكثر في أحضان الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان من ألد أعداء الإتحاد الوطني وكانت بينهما ثأرات الدم، ووقعت في معاركهما المتواصلة العديد من الشهداء،وإذا بأعضاء الإتحاد الوطني يرون أنفسهم اليوم وقد وقعوا بأحضان هذا الحزب المتسلط على مقدرات الأمور في كردستان منذ نصف قرن، وأن قيادتهم تسوق حزبهم الى الإستسلام المشين لإرادة ورغبة الحزب الغريم، وتقدم له كل يوم المزيد من التنازلات المخزية، وبذلك إنقسم الصف الإتحادي الى شطرين بعد أن تآكلته الأجنحة المتصارعة لسنوات، قسم يتمسك بعناده في عدم إحداث الإصلاحات المطلوبة خوفا من المساس بإمتيازاته ومصالحه الشخصية، واضعا تلك المصالح فوق مصالح الحزب، ويرفض هذا القسم حتى عقد مؤتمر تنظيمي لتجديد الحزب مفضلا البقاء على رغم إزدياد النفور الشعبي منهم، والقسم الآخر يحاول إنقاذ الإتحاد الوطني من أزمته الخطيرة التني باتت تهدد كيانه، وتنذر بتفككه وسقوطه النهائي.

وبظهور هذان الجناحان quot; المحاربين القدماءquot; الذين يعتبرون قيادتهم حقا إلهيا مقررا لهم في السماء، وجناح quot; الإصلاحيينquot; الذين يرون الأوان قد ان لإجراء إصلاحات جذرية تلبي الحاجات الواقعية لجيل جديد نشأ داخل الإتحاد، يمر الإتحاد الوطني حاليا بمرحلة مخاض قد تفرز بعض المفاجئات غير المتوقعة، في مقدمتها حدوث إنشقاق كبير في حال عدم إستجابة الأمين العام لطلبات القسم الأكبر مما بقي من القاعدة الأساسية للإتحاد الوطني وهي كوادره الوسطية وأنصاره في الحلقات الأخرى الذين ينادون بالحاح لاجراء الإصلاح والتغيير على مستوى القيادات. فهناك العديد من القيادات داخل الإتحاد الوطني مازالت تشكل وجوها مقبولة لدى الجماهير وكذلك لدى كوادر وأعضاء الإتحاد الوطني بسبب عدم إنغماسهم في الفساد المالي، ومن الممكن أن تقود هذه القيادات عملية التغيير والإصلاح لإنتشال الإتحاد الوطني من سقطته النهائية قبل فوات الأوان، وبذلك فإن عقد المؤتمر التنظيمي كما يشير الكثيرين من أعضاء وأنصار الإتحاد يحتل جانبا مهما في مساعي جناح الإصلاحيين لإنقاذ الإتحاد الوطني، على شرط أن يأخذ هذا المؤتمر زمام المبادرة بتطهير الحزب من عناصره القيادية الفاسدة والمفسدة وإنتخاب قيادة جديدة مقبولة إتحاديا وجماهيريا لقيادة المرحلة القادمة، وسيكون من الأفضل لو تقاعد السيد مام جلال من الحزب وسلم الراية الى الإصلاحيين الجدد،وأن يكتفي برئاسته للعراق للسنوات الأربع القادمة خصوصا وأنه سوف يصل الى سن الثمانين مع دعائنا له بطول العمر، ولن يكون بوضعه الحالي والمستقبلي قادرا على إدارة هذا الحزب لأحكام عمره وكذلك لكثرة مسؤولياته في قيادة العراق، على أن يبقى مرجعا سياسيا أعلى للقيادة المنتخبة الجديدة.

إذن على السيد مام جلال الذي ما زال ممسكا بمقادير الإتحاد الوطني أن يفكر بعمق بمصير حزبه الذي جاد بسنوات طويلة من عمره في سبيل تأسيسه وتكريسه كقوة جماهيرية جديدة على الساحة الكردستانية بعد إنهيار الثورة السابقة، وأن يحتكم الى العقل والمنطق في الإستجابة لطلب كوادره في سبيل إنقاذ حزبه من الإنهيار المحتوم، وإلا فأننا نتوقع أن يحدث إنشقاق كبير داخل هذا الحزب سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش أحد أهم الأحزاب الثورية المناضلة في كردستان.

[email protected]