لم تعد القمم العربية تشد الانتباه، فقد باتت اجتماعات معروفة نتائجها سلفا، لكن هذه المرة القمة مليئة بالألغام، تريد القيادة الليبية نزع فتيل هذه الألغام لكي تخرج القمة بنتائج مفيدة على صعيد تصفية الخلافات العربية العربية، والبعد عن البيانات المألوفة عن القضايا العربية، والصياغات الجاهزة التي ملت منها الجماهير العربية على أساس أن هذه أول قمة عربية تستضيفها ليبيا، وتعمل على أن تجد قراراتها طريقا للتنفيذ على الارض.


وبين قمة الدوحة في اواخر مارس الماضي، وقمة سرت اواخر مارس الحالي يزداد المشهد العربي سوءا، بدءا من تعثر مشروع التسوية بين اسرائيل والفلسطينيين في ظل اصرار نتنياهو على مواصلة الانشطة الاستيطانية، وتهويد القدس، وضم المقدسات الاسلامية والمسيحية، فضلا عن عدم اتمام اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح في القاهرة، مرورا بأجواء عدم الاستقرار السياسي في العراق على الرغم من اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي لم تمنع التدهور الامني والقتال الطائفي الهادف الى تقسيم العراق الى عدة دويلات.


كذلك السودان الذي يقترب من انتخابات برلمانية ورئاسية، بعد إنجاز مصالحة في دارفور في الدوحة، والتي جمعت الاطراف الرئيسة المتنازعة مع حكومة الخرطوم، فيما لا تزال الشكوك تحيط بوضع جنوب السودان وهو ما يعزز فرص انفصال الجنوب على حساب الوحدة.


ولم يكن الوضع افضل حالا في الصومال الذي يعاني حربا اهلية متصاعدة مع عجز عربي واضح عن توفير بيئة اقليمية ودولية تساعد على احتوائها فضلا عن اليمن الذي يعاني حراكا سياسيا متصاعدا في الجنوب يطالب بالانفصال بعد ان هدأت الحرب التي خاضتها القوات اليمنية مع الحوثيين وتنظيم القاعدة.
الخلافات العربية بقيت على حالها فلم تتحسن العلاقات بين مصر وسوريا ومصر وقطر وخلافات متنامية بين دمشق وبغداد فضلا عن الخلاف المغربي الجزائري حول قضية الصحراء.


وعادت مسألة تدوير منصب الأمين العامة للجامعة العربية مرة أخرى الى دائرة الضوء بعدما طالبت الجزائر بطرح هذا الموضوع على القمة في أعقاب إعلان عمرو موسى عدم الترشح لولاية جديدة بعد انتهاء ولايته في مايو 2011 وردت مصر على هذا المطلب بأن منصب الأمين العام سيظل مصريا وأن هناك إجماعا عربيا حول هذا الأمر.
باتت مسألة الحضور ومستوى التمثيل تأخذ حيزا كبير من الجدل الدائر حاليا حول القمة العربية، والمألوف ان القمم تعقد في العواصم لكن الاخ العقيد معمر القذافي يفضل ان تعقد في مدينة سيرت. اما بالنسبة للحضور فمن المستبعد ان يحضر الرئيس المصري حسني مبارك لظروف صحية، لن يحضر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بسب الفتور في علاقة الرياض وطرابلس، اما التمثيل اللبناني فلن يكون قويا بسبب قضية اختفاء الامام موسى الصدر عام 1978، واتهام لبنان للعقيد القذافي بالمسؤولية عن اختفائه، ومطالبة رئيس مجلس النواب نبيه بري الرئيس اللبناني عدم الحضور.


السلطة الفلسطينية حسمت امرها مبكرا واعلنت عزمها حضور القمة بوفد يرأسه محمود عباس، بعد ما قيل عن تجاهل العقيد القذافي لعباس اثناء زيارته الى ليبيا الشهر الماضي، بسبب عدم تلبية السلطة طلب ليبيا رسميا باستضافة محادثات المصالحة الفلسطينية ونقلها من القاهرة ورفض عباس ذلك المطلب.
امام ليبيا اذا فرصة تاريخية لإعادة ترميم التصدع الذي اصاب الجامعة العربية كمنظمة اقليمية لا يهتم بعض اعضائها بدفع حصتهم المالية وعلى رأسهم ليبيا التي بلغت ديونها 25 مليون دولار على مدى اربع سنوات والتعامل بايجابية مع الملفات المطروحة.


واذا كانت بعض التوقعات تجمع على أن قمة سرت الليبية ستشهد مصالحة عربية، فان الظروف التي يمر بها العالم العربي تدعو الى هذه المصالحة، فإعادة الدفء الى العلاقات العربية العربية من شأنه ان يعزز العمل العربي المشترك.


زاء كل هذه الظروف، يتوقف نجاح القمة العربية في سرت الليبية على تغليب المصالح العربية، واتخاذ موقف عربي موحد لمواجهة إسرائيل، وتنشيط العمل العربي المشترك في مجالاته المختلفة خاصة الاقتصادية منها، والأهم من كل ذلك القدرة على إدارة الخلافات العربية العربية في إطار من الأهداف الموحدة والمصالح المشتركة.


إعلامي مصري