أثار تولي الكثير من أبناء الشيوخ والسراكيل السابقين مناصب عالية في الدولة العراقية مخاوف طبقة الفلاحين التي عانت من جور الإقطاع وظلمه في الفترات السابقة ونظرا لعدم امتلاك هذه الطبقة للوعي السياسي الناضج فقد اختلط في إثارة مخاوفها الوهم مع الحقيقة فكما نعلم ليس كل الإقطاعيين والسراكيل السابقين كانوا قساة مع الفلاح العراقي بل كان الكثير منهم يتسم بالطيبة ويتمتع بقلب رؤوف تجاه من يعمل معهم بل أكاد اجزم بان أساليب الإقطاع في العراق كانت اخف وطأة من أساليب نظرائهم في أماكن أخرى وربما اختلطت صور الظلم والمعاناة التي عاناها الفلاحون من الإقطاع في أماكن أخرى مع ظروف وأحوال الفلاح العراقي فخلفت هذا العداء الكبير المستحكم كذلك لا يعني تولي أبناء الشيوخ والسراكيل السابقين أنهم سيتبنون إعادة النظام الإقطاعي المنقرض فالكثير من هؤلاء لم يعد ينظرون إلى ذلك النظام إلا بكونه شيء من الماضي وهم بعودتهم إلى الساحة السياسية ربما يرومون إصلاح الواقع السياسي الذي أفسدته تبني الحكومات العراقية للصفة الريعية في الاقتصاد العراقي أكثر من كونه استعادة للإرث الإقطاعي القديم ومع ذلك نحن لا نلغي وجود رأي لدى بعض هؤلاء يرى في إحياء النظام الإقطاعي القديم هدفا وضرورة وقد يكون هناك من يعمل لتحقيق ذلك ونحن هنا لا يجب أن نكون جامدين ونتجاهل الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات الثورية السابقة في تعاطيها مع موضوع الإقطاع حيث تعاطت مع هذا الموضوع بأفق عاطفي لا علمي ولم تتبنى خطة بديلة تحافظ بها على مصالح الجميع وحقوقهم وتضمن عدم تراجع معدلات الإنتاج الزراعي عن حدها في العهد الإقطاعي فكانت النتيجة مأساة كبيرة لم يسلم منها احد على الرغم من تحسن الواقع الاجتماعي للفلاح وحصوله على بعض المكاسب التي كان يفتقدها في السابق.
لقد خلطت القرارات الثورية السابقة في تعاطيها مع موضوع الإقطاع بين ما للفلاح وما للملاك فلم تعطي ما للفلاح للفلاح وما للملاك للملاك فالملاك هو أيضا فلاح إلا انه يختلف عن الفلاح البسيط في انه يمتلك أرضه بعكس الفلاح البسيط الذي يعمل في الأرض التي تعود لغيره وكان الأحرى بتلك الحكومات في تعاطيها مع المشكلة الإقطاعية التفريق بين الملكية القانونية والملكية العرفية وكان الواجب استهداف النوع الثاني من الملكية دون النوع الأول سيما وهو يشكل القسم الأكبر من أنواع الملكية وذلك لسببين أساسيين الأول لان هذه الملكية غير قانونية وهي مرتبطة برغبة الأنظمة السابقة بكسب ولاء القوى المتنفذة لأجل الحصول على دعمها في حكمها للبلاد والثاني لما سببه هذا النوع من الملكية من أضرار اجتماعية كبيرة كان الفلاح ابرز ضحاياها بعد أن تعرض للظلم الاقتصادي والتهميش الاجتماعي وبالتالي ربما نجحت تلك القوانين في إنصاف الفلاح اجتماعيا إلا أنها لم تستطع أن تنصفه اقتصاديا و لم تفرق بين الملكية القانونية والملكية العرفية ولم تبنى على أسس علمية بحيث تبقي على معدلات الإنتاج السابقة أو تحسنها لذلك من الضروري بمكان تبديد مخاوف الفلاحين من خلال إصدار قانون يمنع عودة العلاقات الإقطاعية السابقة مع الأخذ بالاعتبار تصحيح القوانين السابقة بما يلاءم الاعتبارات أعلاه وباعتقادي أن ضمان نجاح الدولة في بناء نسقها الجديد مرتبط بقدرتها على التعاطي مع تلك المشاكل بروحية بناءة وعلى أبناء الشيوخ والسراكيل السابقين الذين قد يكون في أذهانهم الرغبة في إعادة الماضي الإقطاعي النظر إلى الأمر من منظار المصلحة العامة وليس فقط من خلال مصالحهم الشخصية المحضة فقد لا يكون بالإمكان تغيير ما كان.