وأنا أتابع الأزمة الحالية التي يمر بها العاملين في مجال الصيدلة في مقاطعة أونتاريو بكندا قفز إلي ذهني موضوع المال والسلطة, وهو موضوع قديم كتب عنه الكثيرين ونستطيع أن نقول إن الموضوع قتل بحثا, والأزمة الأخيرة والتي تفجرت مع شروع حكومة المقاطعة إصدار قانون يحد من أرباح الصيدليات بما يهدد هذا القطاع الحيوي, ولما كان الصيادلة الأقباط في كندا يمثلون عصب الاقتصاد القبطي في كندا فتعتبر الجالية القبطية والتي تحتل المركز الثاني اقتصاديا بين الجاليات التي تعيش في كندا هي أكثر الجاليات تأثرا بهذا القرار.

من المعروف أن خريجي الكليات العملية هم الأقل نشاطا في المجال السياسي بصفة خاصة والاجتماعي العام بصفة عامة, فالشاب الذي حصل علي مجموع يقارب من المائة بالمائة في الثانوية العامة والذي التحق بكليات القمة quot; طب, صيدلة هندسةquot; هو شاب كان يقضي معظم بل كل وقته جالسا أمام كتبه ناسيا ما يدور حوله بل غير ملتفتا إلي مايدور, وبالتالي أصبح ذلك جزء من تكوين شخصيته, ولو ذهبت للجامعة في مصر في أحد الأيام التي تشهد توترا سياسيا لسبب ما لوجدت هناك فرقا كبيرا بين كليات المجمع النظري وبين كليات الطب والصيدلة والهندسة, فبينما يسود الهدوء الأولي يسود التوتر والقلق الثانية وسوف تلاحظ ذلك من عدد أفراد الأمن وعربات الحراسة المرابطة أمام كل من هذه الكليات, ولكن ليس معني ذلك أن خريجي الكليات العملية لا علاقة لهم بالسياسة أو إنهم لا يشاركون في العمل السياسي علي الإطلاق, ولكن تقل نسبة المشاركين في العمل السياسي منهم عن نظرائهم خريجي الكليات الأخرى بشكل كبير وملحوظ ولأسباب كثيرة كلنا نعرفها.

يمر الصيدلي والطبيب المهاجر لكندا برحلة شاقة حتي يحصل علي رخصة لمزاولة مهنته, وبعد حصوله علي الرخصة ينحصر مشاركته في العمل العام في شكل اشتراكه في عشاء عمل لمساعدة مشاريع بناء في كنيسته أو لصالح الفقراء في مصر, وقد يقتصر دورة في بالتبرع بشيك دون حتي حضور مثل هذه المناسبات, مما جعل منهم الطبقة الأكثر تدليل في المجتمع الكنسي, فعندما يحضر المهاجر ويتقابل مع الكاهن ويسأله عن تخصصه ويعرف أنه طبيب أو صيدلي يسعد قلب الكاهن ويفتح فمه بابتسامة عريضة ويفتح حضنه للقادم الجديد, أما لو كان القادم خريج أحد الكليات النظرية فيرفع الكاهن يديه للسماء طالبا المساعدة في المصيبة التي حلت عليه.

وللحق فقد ساعد أبناء الجالية من الصيادلة والأطباء كنيستهم وقدموا لها ما لم يقدمه غيرهم ويظهر ذلك في البناءات الفخمة للكنائس القبطية التي مولت من أموال هؤلاء, ولكن نسي أخوتنا ونسيت معهم كنيستهم وبالتالي المجتمع القبطي أن المال لابد له من سلطة تحميه, وفي الأزمة الأخيرة لم نجد قبطي واحد يستطيع أن يتكلم بلغة سياسية عن هذه الأزمة مع حكومة المقاطعة, لأنه ببساطة لم يختلط بهم ولم يفهم لغتهم ولا أساليبهم السياسية حتي يستطيع التعامل معهم, ولم نجد قبطي سياسي واحد من غير الصيادلة يستطيع أن يفهم مشكلتهم ليعبر عنهم وهذه مصيبة في حد ذاتها. بل أننا لم نجد عشرين قبطيا من الصيادلة ذهبوا لمقابلة مسئول سياسي فهم لا يعرفون كيف يصلون إليه لأنهم لم يشاركوا في نشاط نظمه هذا السياسي من قبل. أن صناعة السياسي هو مسئولية الجالية, أن البحث عن الموهيين سياسيا هو مسئولية الجميع وأن صناعة نجم سياسي هو واجب الجميع فالدول تنفق الملايين من أجل أن تصنع بطلا اوليمبيا يرفع علم بلادة لمدة دقائق معدودة في الأولمبيات. ونحن لابد أن نغير فكرنا وسياستنا كجالية لابد أن يكون لنا ميزانية للأنفاق علي العمل السياسي كتلك التي نخلقها لشراء الأراضي وبناء المباني الفخمة, لابد للأقباط في كل مدينة أن يكونوا مجموعة من أبناء المنطقة تكون مهمتهم حضور الاجتماعات والأنشطة السياسية ولا نكتفي بشراء تذاكر الحضور لهم بل بتعويضهم عن وقتهم أيضا, هذا أعظم استثمار فعندما نحتاج لمن يتكلم عن مشكلة من مشاكلنا لابد أن يكون المتكلم وجه معروف لمن يتكلم معه, ولابد أن تدفع الجالية كلها ثمن تكلفة أن يكون هذا الوجه معروف, لن تكون مشكلة الصيادلة هي الأخيرة فلابد أن نكون مستعدين, فالاهتمام بالجانب السياسي هو اهتمام بأموالنا وأعمالنا بل هو اهتمام بحقوقنا, بل اهتمام بوجودنا في بلدنا الجديد.

[email protected]