quot; أصدر المستشار الإعلامي للقائمة العراقية هاني عاشور بياناً جاء فيه أن تقارب القائمة العراقية ودولة القانون هو وحده القادر على منع عودة المحاصصة والتدخل الخارجي في تشكيل الحكومة المقبلة.
وأضاف أن تحالفهما يمكن أن يصنع حكومة قوية بدعم دستوري بوصفهما أكبر القوائم الفائزة، مع مشاركة كتل أخرى في حوار تشكيل الحكومة وفق الاستحقاقات الانتخابية.quot;

لسنا في صدد الانتقاص من الانتخابات الأخيرة، ولا التشكيك في نتائجها. فهي، ومهما قيل عنها، وأياً تكن المآخذ والسلبيات وبعض التطبيقات الخاطئة التي رافقتها، خطوة إيجابية على الطريق.

فقد كانت، آليا وتقنيا، سليمة دون أدنى شك. ولا يقلل من إيجابيتها قيام بعض القوى والأحزاب المتسلطة على بعض المناطق بإجبار الناخبين على الإدلاء بأصواتهم لهذه القائمة أو تلك، إما بقوة السلطة أو بالسلاح المليشياوي، أو بالخداع الطائفي والعنصري الذي اتبعته في الانتخابات السابقة، أو باستغلال عوز بعض الناخبين، وشراء أصواتهم بالمال الحلال، أو المال الحرام المرسل من وراء الحدود.

ولكن، مع هذا الوجه الأسود للانتخابات الأخيرة، لابد من الاعتراف بأن لها وجها آخر أبيض ناصع البياض. فمن إيجابياتها، بل أهمُها على الإطلاق، هو أن الأطراف جميعـَها، داخلية كانت أو خارجية، نزيهة أو غير نزيهة، ديكتاتورية أو ديمقراطية، وجدت نفسها مـُلزَمة بقبول ما تقرره صناديق الاقتراع، مهما كان لقراراتها من مرارة.

ومن إيجابياتها أيضا أن المتنافسين التقليديين الكبار، جميعا وبلا استثناء، خرجوا منها ضعافا، جرحى منهكين ومشوهين. وهذا دليل واضح على تضاؤل حضوض هؤلاء القادة الفاشلين الذين فـُرضوا على أهلنا بقوة الاحتلال، أو بفعل التدخلات الخارجية. ولولا سلاح التخويف الطائفي أو العنصري من فوز مرشحين من طوائف وقوميات وعشائرأخرى منافسة لما خرجت تلك النسب القليلة من الناخبين لنجدة مرشحي الطائفة أو القومية أو العشيرة. وهذا ما يفسر فوز قوائم معينة، في محافظات معينة، بأغلب الأصوات، وفشلها في محافظات أخرى.

كما أن لها فضيلة أخرى، وهي أنها كشفت، إلى حد كبير، تناقص قدرة العامل الخارجي على التحكم بنتائجها، وإنجاح مرشحين معينين، وإفشال آخرين، كما كان يحدث في سابقاتها.

إلا أن كل هذه الإيجابيات لا تخفف المرارة في قلوب العراقيين وهم يتابعون ما يدور من تحالفات وحوارات وصفقات وتوزيع حصص بين كبار فرسان المحاصصة التقليديين، على طريقة من حضر القسمة فليقتسم. فكل المناوشات بين الفرقاء هدفها تكبير حصص المتقاسمين، على حساب المباديء والشعارات التي خدعوا بها الناخبين. وأسوا ما في هذه المسرحية المخجلة أن رئيس جمهورية العراق يسافر إلى مصر ليوسط الرئيس المصري من أجل إقناع زعيم الطائفة السنية أياد علاوي بالتنازل عن رئاسة الوزارة، والقبول بحصةٍ أصغر وأقلَّ دسامة.

وهذا الذي يجري في العراق اليوم ليس مُفاجئا ولا مُستغربا، فالأواني المستطرقة تصب على بعضها. وكل إناء بالذي فيه ينضحُ.

ولكن رب ضارة نافعة. فهذا الذي نشكو منه ونستهجنه من قاددتنا الأشاوس ينبغي أن يفرحنا وأن يفرح رفاقنا الديمقراطيين العراقيين المهمشين والمبعدين عن العملية السياسية، لأنه يمنحهم فرصة ذهبية مؤكدة لاكتساح الانتخابات المقبلة بجبهة موحدة جديدة تستقطب الملايين الغاضبة والمحبطة واليائسة، من كل القوميات والطوائف والأديان والمناطق، وإنقاذ الوطن من هذه الشلل المتناحرة، ومن حالة الهوان التي وصل إليها هذا الوطن العزيز.

فمسرحية الاقتسام هذه، مضافة ً إلى حالة الأمن المهزوز، والشحة المخيفة في الخدمات الضرورية، وفضائح المخالفات والسرقات والعمولات، جعلت المواطن قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، وبأية شرارة. ولنتوسع قليلا في الحديث.

ففي أجواء التفجيرات والمفخخات التي لا ضابط لها ولا مانع، وفي ظل تدني القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، وضعف البطاقة التموينية، وندرة الأدوية الصالحة، وفقر المستشفيات والمراكز الصحية، يكتشف المواطن الذي لا يحصل على أكثر من مئتي دولار شهريا أن راتب النائب - مثلا-، سواء كان في الخدمة أو تقاعد أو طـُرد منه، ثلاثون ألف دولار شهريا، منها رواتب ثلاثين حارسا يتسلمها سيادته شخصيا، حتى وهو قابع في عمان أو دبي أو لندن أو طهران أو القاهرة، يدير استثماراته الواسعة، أو يتسكع في بارات دول الجوار ونواديها الليلية الفاضحة. والمصيبة أن كثيرين منهم أميون وجهلة وحملة شهادات مزورة قذف بهم إلى المجلس النيابي رئيس القائمة أو رئيس العشيرة أو إمام الجامع أو الحسينية، باعتبارهم أزلامَه المؤتمنين.

أما الرئيس ونائباه، ورئيس الوزراء ونائباه، ومساعدوه، والوزراء والسفراء والمستشارون، فحدث ولا حرج. فنائب الرئيس عادل عبد المهدي - مثلا- يتقاضى مليون دولار شهريا مخصصةً للخدمات الاجتماعية، عدا راتبه ومخصصات حمايته ومستشاريه. ولا أحد يعرف حقيقة هذه الخدمات الاجتماعية، ودواعيها، ولا من يحدد طبيعتها ويقدر كلفتها، ولا من يراقب حساباتها. ولا أحد يعلم أيضا كم هي مخصصات القادة الآخرين، كرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء.

ناهيك عن الجدران الاسمنتية التي تحمي قصورهم، وتخنق المواطن وتـُعقـّد حياته. ولا ننسى مواكب سياراتهم المضللة المخيفة التي تزرع الرعب في قلوب المواطنين، على امتداد ساعات الليل والنهار.

هذه الأوضاع الكافرة لم تعد تُحتـَمل. وهي سبب النقمة الصارخة التي يختزنها المواطنون على طبقة الحكام وذويهم وخدمهم وحراسهم، وهي التي أقنعت ملايينهم بأن تبخل بأصواتها عليهم، في يوم الاقتراع، وهي التي جعلت هذه الملايين تتطلع إلى البديل الوطني العاقل والعادل والشريف، لينقذها من هذا الأخطبوط المخيف. وهي ذاتها السلاح الماضي الذي ينبغي على الديمقراطيين والعلمانيين والتكنوقراط أن يمسكوا به، ويعضوا عليه بالنواجد.

إن الحاجة اليوم، أصبحت، أكثر من أي وقت مضى، ماسة وضرورية لانطلاق تجمع شعبي أصيل، نقي، ونزيه، موحد الفكر والعقيدة والهدف، يقتحم به الانتخاباتِ المقبلة َ مثقفون مشهودٌ لهم بالأمانة والنزاهة والصدق والشهامة والكرامة، معتمدين على جماهير شعبهم وحدها، لا على مال ٍ أو إعلام ٍ تُغدقه هذه القوة الخارجية أو تلك، لترهن به إرادة العراق، وطنا وشعبا وهوية.

ومؤكد أن جبهة ً من هذا النوع ستجعل الملايين من المواطنين يـَهبـّون متطوعين لاحتضانها، والدفاع عنها، وتمكينها من تحقيق النصر المبين.

وذلك لأن ضيقـَها تجاوز حدوده المحتملة من المتناحرين على المكاسب الشخصية التي يـُلبسونها ثياب الوطنية والحرص على الطائفة والقومية، زورا وبهتانا، ويجعلون، بسببها ومن أجلها، حياة الوطن والمواطن نارا موقدة.

إنهم بهذ التجاهل القاصر لذكاء المواطنين أيظوا أصالة الشخصية العراقية وحنينها الكاسح لحالة التكافل والتواصل والترابط السابقة. فمهما قيل عنها وعن خشونتها وعنفها واندفاعها، فهي طيبة، بسيطة، حميمة، مسالمة، متسامحة، غير طائفية وغيرعنصرية، رغم كل مظاهر العنف التي شهدناها في السنوات السبع الماضية، والتي ثبت أنها طارئة وعابرة في حياتها.

ومما يحملنا على هذا التفاؤل أن جميع حمامات الدم وحرائق العنف الطائفي والعرقي والديني التي أشعلها الإرهابيون في مدن العراق وقراه كافة، على امتداد السنين الماضية، لم تستطع اختراق اللحمة المتماسكة لنسيج الشعب العراقي.

وعلى هذا يمكن القول إن انتزاع السلطة من أيدي محترفي السياسة وتجار الشعارات ومروجي الأحقاد وزراع التخلف والفقر والجهل والتبعية أصبح قاب قوسين منكم، وأدنى، وفي متناول أيديكم أيها الديمقراطيون العراقيون، فلا تضيعوا هذه الفرصة الذهبية المتاحة.

إنكم غير مطالبين بتثوير الجماهير، لأنها مُثوَّرة جاهزة، ولا بتحريضها وإيقاظ وعيها الوطني الأصيل، لأنها مُحرَّضة ٌ سلفا، ولا بإيقاظ وعيها الوطني، لأنه لم ينمْ، لا في زمن الديكتاتور الراحل، ولا في زمن الأباطرة الجدد الموشكين على الرحيل.

أولا، باسم الديمقراطية وتحت خيمتها لن يستطيع أحد أن يمنعكم من دخول الساحة. والعملية السياسية الحالية، رغم نواقصها العديدة، ورغم طائفية بعض روادها، وفساد البعض الآخر منهم، تـُشكل إطارا مناسبا يمكن إغناؤه وتطويره إذا تسلم قيادته روادٌ جدد غير طائفيين وغير فاسدين.

ثانيا، إن العراق أغنى دول المنطقة بالمثقفين والمتعلمين والمتنورين والمبدعين. ففيه من هؤلاء شريحة ٌ واسعة جدا تختزن معارفَ وخبرات ٍ سياسية ً وثقافية واقتصادية عميقة وثرية، تراكمت لديها عبر سنين طويلة دامية من النضال الصعب في الأحزاب والتجمعات والمنظمات الوطنية التاريخية العديدة. وهي مستعدة، أليوم أكثر من أي وقت مضى، بل متعطشة وجاهزة للانخراط في أي جهد سياسي جاد وحقيقي غير طائفي أو عنصري يلم شملها ويفجر طاقاتها، ويضعها على طريق العمل الواقعي، ويخرجها من صمتها الحالي، ومن شعورها بالعجز والتهميش.

ولكي يتحقق هذا الأمل العظيم ينبغي أن ينسى أو يتناسى كل ديمقراطي عراقي خلافاته السابقة مع رفاقه الذين عملوا، أو تورطوا بالعمل، في أحزاب اختلفت معه، ذات يوم. لا أستثني ولا أجتث أحدا من أعضاء الأحزاب كلها، شرط أن تكون أيديهم ونفوسهم وجيوبهم نظيفة، ولم تـُلوث بفساد الأنظمة السابقة واللاحقة، وجرائمها.

إن الجبهة المرتقبة كفيلة بتعويض شعبنا، أخيرا، عن تاريخ طويل من التجارب الفاشلة، منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى اليوم، مرورا بأحداث 1958، و1959، و1963، و1968، و1990، و2003، و2005 وأخيرا 2010.

وكما كنت، طيلة العهد السابق، أتخيل كبار جلاوزة الأمس في قفص الاتهام، يحاكمون على ظلمهم وعبثم وجرائمهم ومقابرهم الجماعية، فإنني أتخيل جلاوزة اليوم في نفس القفص اللعين، يحاكمون، على مرأى ومسمع من الملايين، عن جرائم ِ سطو ٍ وقتل واغتيال وسرقة ورشوة واحتيال يندى لها الجبين.

أيها الديمقراطيون العراقيون، إن النصر في انتظاركم، فخذوه بقوة العزيمة، وصدق النية، ونظافة اليد والضمير، ولا تـُفلتوه. فهل تفعلون؟؟.