احتل اقليم كردستان العراق اهتماما سياسيا واقتصاديا وتجاريا هاما على الساحة العراقية والاقليمية والدولية، وصار نموذج التجربة الحية المتسمة بالازدهار والتطور في العهد الجديد للعراق، واصبح كيانا مستقرا سياسيا وأمنيا واجتماعيا، ونتيجة استقرار مظاهر الحياة فيه تحول الى قبلة للعراقيين في سفراتهم السياحية طلبا للراحة والابتعاد عن الاجواء غير المستقرة في بغداد وبعض المحافظات.
والحقيقة المعروفة، ان كل الاطراف السياسية العراقية تشهد ان هذا القسم الحيوي من بلاد الرافدين صار مرجعا ثانيا لهم بعد بغداد للتشاور والتحاور والبحث في القضايا الهامة المتعلقة بالاوضاع العامة وخطوات العملية السياسية ومجريات العملية الديمقراطية والامور التي تخص عموم العراقيين.

ونتيجة للتطور الذي حصل في اقليم كردستان وتوفر البنية التحتية للعمران والمرافق الخدمية الاساسية، انعقد الكثير من المؤتمرات السياسية والاقتصادية والتجمعات والفعاليات العراقية في اربيل، عاصمة الاقليم، ومن اهمها مؤتمر البرلمان العربي الثالث عشر الذي انعقد في شهر اذار 2008.

وهذا يعني ان العراق لم يعد يعاني من مشكلة المكان لعقد المؤتمرات والتجمعات والنشاطات المحلية والاقليمية والدولية على ارضه، بالرغم من صعوبة توفر الاجواء المناسبة لمثل هذه الفعاليات في بغداد، وبحكم توفر الامان والاستقرار والعمران والمرافق في كردستان فان الاقليم صار المكان الطبيعي لعقد مثل هذه النشاطات في العاصمة الثانية اربيل.
ومن خلال هذا المنظور، وبما ان للعراق حق ضيافة مؤتمر القمة العربي في دورتها الثالث والعشرين، بعد عقد المؤتمر السابق في سرت بليبيا، واستنادا الى تصريح صحفي للسيد بن حلي ممثل الجامعة العربية حول رئاسة جمهورية العراق للقمة العربية المقبلة في دورتها المقبلة، قال: إن العراق سيرأس القمة العربية المقبلة ومكان انعقادها متروك للعراقيين وكذلك الى المشاورات بين الدول العربية، مشيرا إلى أن التحضير للقمة يبدأ قبلها بنحو ما بين 6 إلى 8 شهور لكن الحديث الآن يدور حول تشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق وبعدها يتم الحديث عن القمة العربية المقبلة.. وللتعامل مع هذا الحدث المهم عربيا واقليميا بحكمة عراقية، وبغية الاحتفاظ بحق بغداد في احتضانها، فان مسألة اختيار المكان المناسب في العراق لعقد القمة أصبح اختيار عراقيا بالتشاور مع الجامعة العربية.
لهذا وبالرغم من الواقع السياسي الراهن، فان الحكمة العراقية تقضي بعد تشكيل الحكومة العراقية المقبلة بالاتفاق بين جميع الاطراف السياسية الحائزة على المقاعد البرلمانية، بتبني عقد مؤتمر القمة في اربيل عاصمة اقليم كردستان للاسباب التي اشرنا اليها، وهذه الخطوة في حالة تبنيها ستحقق نتائج سياسية هامة على صعيد العلاقة بين العراق والعالم العربي، من اهمها:

1- تأكيد العراقيين على عدم وجود اي مخطط لتقسيم او تجزئة البلاد.

2- تأكيد تمكسك الشعب الكردستاني بالعراق الاتحادي، الدستوري، البرلماني، التعددي، وبوحدته وسلامة وجوده.

3- الاعتراف السياسي للعرب من خلال قادتهم بالوضع الدستوري لاقليم كردستان العراق.

ولا شك ان هذه البادرة، اتوقع لها ان تحظى بالتأييد والرفض، من باب الحكمة والمنطق، من قبل النخبة السياسية والثقافية في العراق والدول العربية، ولكنها بالتأكيد ستنال اسقبالا حارا، شعبيا ورسميا، في اقليم كردستان لاهميته السياسية والعراقية والاقليمية ولاهميتها الحضارية والوجدانية لكي يبرهن العرب على العلاقة التاريخية الحية بينهم وبين الكرد.

* رئيس تحرير مجلة بغداد