كانت الانظمة السياسية في اوربا القرون الوسطى قد أفرزت طبقات اجتماعية واقتصادية تميزت بصراعاتها المستمرة مما حدى بالمفكرين المعاصرين لتعريف التاريخ على انه صراع الطبقات العليا (الاقطاعيون أوالراسماليون) مع الطبقات الدنيا(البروليتاريا) وتناوبهما على قيادة الدولة والمجتمع.

التفاوت الطبقي الكبير في المجتمعات الغربية في عهد الثورة الصناعية أدى الى اشعال شرارة الثورات التي بدأت بثورة البرجوازيين في فرنسا ولم تنته بثورة البلاشفة في روسيا.

بعد ان صار التفاوت الطبقي الكبير في المجتمعات الغربية اهم عوامل اللااستقرار أيقن علماء الاجتماع والسياسة ان من يحفظ تماسك المجتمعات وسلامة الحكومات هو طبقة وسطى وكلما توسعت هذه الطبقة كلما ساهمت في ازدهار واستقرار الدولة. فوضعت السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تحافظ على الطبقة الوسطى منعا للانهيار.
وفي العراق فقد افرز النظام الاقطاعي الذي تبنته بريطانيا تفاوتا طبقيا شاسعا ,قد يكون هذا احد اسباب انتشار الافكار الشيوعية في خمسينات القرن المنصرم, نتج عنه بروز عدد لاباس به من صغار ملاكي الاراضي والتجار والموظفين الذي شكلوا بعد عقود مايمكن تسميته بالطبقة الوسطى التي حضى ابنائها بمستوى تعليمي لاباس به وصارت لهم تقاليد معينة وآداب وطرق حياة متطورة نسبيا واصبحت مظاهرهم تدل عليهم وفرضوا احترامهم على الطبقتين العليا والدنيا.

لكن بعد ان استولى البعث على السلطة في العراق انقسم ابناء الطبقة الوسطى اما الى محايد للحفاظ على منجزاته واما الى موالي لكسب المزيد. اما غالبية ابناء الطبقة الدنيا أوالذين ماكانوا يمتلكون شيء يخافون فقدانه وبعض الخارجين على القانون فقد تحولوا الى معارضين أو ثوار(كما يلقبون انفسهم) على quot;الواقع الظالمquot; ودمغوا كل الآخرين في المعسكر الآخر بصفة البعثيين.

بعد سقوط النظام الصدامي عام 2003 استلم الثوار السابقون زمام القيادة في البلد واستطاع بعض المجرمين الذين افرزتهم سنوات الظلم والحصار العجاف الى تغيير واقعهم الاجتماعي والاقتصادي بعد ان استولوا على ماتبقى من البنوك والمؤسسات المالية وانخرطوا بنشاطات اما اجرامية أوارهابية وأقلها اقتصادية غير مشروعة في ظل الفساد الذي بدا منذ الثمانينات وتفاقم بعد 2003 فجمعوا من الاموال الشيء الكثير وتبوءوا مناصب ساعدتهم في الارتقاء ليحلوا محل الطبقة الوسطى التي اما هاجرأو قتل أبنائها بسبب الولاء الى البعث أو عدم معارضتة وبالتالي فكثير منهم وضعوا في خانة النظام المباد لالذنب اقترفوه الا لانهم آثروا العافية وفضلوا الحياد على الالتحاق بمعسكر الثوار.

نشأت الآن طبقة وسطى ,على الاقل اقتصاديا, لكن يبدو ان الوقت جد مبكر عليهم لهضم تقاليد وطريقة الحياة التقليدية للطبقات الوسطى العتيدة فهم وابنائهم يبذخون الاموال لكن دون ان يؤثر ذلك على حياتهم الريفية اونصف المدنية الخشنة واظهروا نقصا واضحا في الثقافة والتحضر اللتان تميزت بهما هذه الطبقة فاختلت الموازين الطبقية لتخلق فوضى اجتماعية تضاف الى الفوضى الامنية والسياسية الحالية. نعيم مرواني

[email protected]