يجد بعض الاخوة من عرب العراق، أنه من الضروري تذكير الآشوريين العراقيين بأنهم كانوا في الليفي ودعموا الإنكليزي في احتلاله العراق، وبالتالي فإنهم لا يستحقون، أي عطف أو مساندة أو دعم، جراء هذا الموقف المعتبر من قبلهم موقفا خيانيا.علما أن احتلال أو بالأصح تحرير العراق من السلطة العثمانية ابتداء من الجنوب حيث لا وجود للآشوريين، وكان أول اتصال للإنكليز بالآشوريين في العراق بعد إتمام تحرير العراق. والحقيقة المرة التي لا يود بعض العراقيين من العروبيين علمها أن العراق الحالي كان محتلا من كل العثمانيين لمدة أكثر من خمسة قرون، انقطع العراق عن العالم فيها، وكان مرتعا للصراعات السلطوية، كان ضحيتها الشعب العراقي بكل مكوناته، وبالأخص الاشوريه لأنهم كانوا من دين مغاير لمحتلي العراق المختلفين من الصفويين أو القبائل التركمانية المختلفة.

والذي لا يريدون تذكره، هؤلاء العروبيون أو دعاة العروبة والأسلمة، أن الجيش الليفي تأسس في البداية في منطقة شعيبة قرب البصرة، وكان كل أفراده من العشائر العربية، وتم تجنيد الكورد والآشوريين لاحقا فيه، وأخيرا استقر الموجود على الوجود الآشوري، وخصوصا بعد المرحلة التي سبقت حله، رغم أن الوجود الآشوري في الليفي كان بين المد والجزر وخصوصا في عامي 1931_ 1932، عندما أضرب جل الآشوريين في الليفي دعما لمطالب القيادة السياسية والبطريركية الآشورية في قراراتهم المعروفة بمؤتمر رأس عماديه (ريشا داميديا).

والليفي هو القوة المعتمدة أو الرديفة من أبناء البلد لقوة الاحتلال البريطاني (رسميا الانتداب من قبل عصبة الأمم)، والتي ساعدت علي استتباب الأمن وبالأخص حماية حدود البلاد الحديثة الاستقلال من التعدي عليها من قبل الآخرين. ولعل استبسال الليفي الآشوري في الدفاع عن الحدود العراقية، عندما اجتازت القوات التركية لتلك الحدود عام 1922 واحتلت على أثرها قضاء راوندوز،ودحرها وإعادتها إلى عقر دارها، كان المؤشر القوي للاعتماد عليها في الدفاع عن العراق.

ولكن هذه الواقعة وغيرها لا يتم ذكرها لأحد، لأنها تبين الصورة الحقيقية لممارسات الليفي الآشوري، وهنا يجب أن نفصل بين الليفي الآشوري وغيره من الليفيات لأنها لم تكن موحدة، أو لم تمارس عملها بصورة مشتركة.

إن الليفي قد وقف موقفا شجاعا ضد محاصرة الحبانية، عندما حوصرت من قبل قوات العراقية (القطعات العسكرية ) المؤيدة لما سمي بالمربع الذهبي المتعاون مع النازية وبقيادة رشيد عالي الكيلاني، أحد المسؤولين المباشرين عن مذبحة سميل التي قتل فيها ما يقارب الخمسة الاف من نساء وأطفال وشيوخ الآشوريين عام 1933 في مناطق سميل والوكة ودهوك. إن الذي عاناه الآشوريين من المذابح المختلفة خلال الفترة 1914_ 1917 أثناء المذبحة الكبرى،وخلال آب 1933 على أيدي الجيش العراقي بقيادة بكر صدقي وبأوامر مباشرة من رشيد عالي الكيلاني رئيس الوزراء حينذاك، لم يكن يسمح لهم بترف الاستسلام لهذا الجيش ولما كان ينادي به، وخصوصا أن شعارات وممارسات القيادة التي كانت توجهه كانت معروفة للجميع. وبالتالي أن محاصرة الحبانية وإمكانية احتلالها من قبل هذا الجيش كان يعني أمر واحدا فقط، ألا وهو إعادة تكرار ما حدث في عام 1933. ولذا فقد خرجت قوات الليفي داحرة هذا الحصار وتتبعت الجيش إلى ضواحي بغداد ولم يوقفها إلا نداء مسؤوليها.

يحاول بعض القوميين العرب التذاكي، وذكر أن الليفي حارب الكورد في السليمانية، ووقف ضد الحركة الوطنية العراقية المطالبة باستقلال البلد، ولكن في الحقيقة لا توجد بين العراقيين مفاهيم مشتركة وموحدة لمثل هذه المصطلحات كمصطلح الحركة الوطنية أو الوحدة الوطنية، فما هو وطني لهذا الطرف يعتبر لدى الآخر موقفا خيانيا، وهذا نتيجة استلاب الوطن والعراق من قبل البعض وفرض قيمهم عليه، وعلى الجميع الطاعة وإلا فهو عميل. والمفارقات في مثل هذه المواقف كثيرة ومثيرة للتساؤلات الحقيقية. ففي الوقت الذي يتم اتهام قوات الليفي الآشورية التي كانت كبقية الليفيات تسير بأوامر البريطانيين، بأنه هاجموا ودحروا الحركة الكوردية في السليمانية، إلا أن نفس الأشخاص يسكتون أو يعتبرون مهاجمة القوات الجوية العراقية والقوات البرية لمناطق كوردستان العراق في الأربعينيات بالطائرات، والستينيات قصفت بالنابالم وغيرها من الأسلحة الممنوعة والثمانينيات وصل الأمر لقصفها بالكيمياوي، بالاضافة إلى تدمير أكثر من 4500 قرية كوردية وآشورية وتركمانية ومئات المقابر الجماعية والحملة المعروفة بالأنفال من القرن الماضي عملا وطنيا، يجب الإشادة به. وفي الوقت الذي يعتبر تعامل الآشوريين وككل العراقيين مع البريطانيين عملا مذموما، إلا أن وجود مستشار إنكليزي في كل وزارة عراقية يعتبر عملا عاديا.

يسمح البعض لأنفسهم ممارسة كل شيء، ولكن عندما يمارس الآخرين ذلك ولنفس المبررات، تراهم يرفعون الصوت استنكارا وينشرون الاتهامات المختلفة، فالعرب عندما حاربوا السلطنة العثمانية وشاركوا في تفتيتها، كان ذلك للتحرر من الاستعمار والتتريك والتخلف العثماني، ولكن محاربة الآشوريين لنفس الدولة التي لم يلقوا منها إلا المجازر والمذابح المختلفة، اعتبر من قبلهم خيانة وغدر وعدم تقدير لحماية الدولة لهم وعدم فرض الإسلام عليهم.

لكي تكون الدولة ناطقة باسم شعبها ومن مختلف الملل والنحل، فعليها أن تكون معبرة عنهم وعن طموحاتهم، وليس دولة ذات لون واحد، وبالأخص أن سكان هذه الدولة هم من مكوناتها منذ نشأتها، وليسوا دخلاء عليها. ومن المفارقات المضحكة أن الكثير من الوزراء ومن مستشاري الملك فيصل الأول كانوا من مناطق عربية غير تابعة للعراق، وكان أحد واضعي النظام التربوي العراقي رجل من خارج العراق (ساطع الحصري) ولكن لأن بعض الآشوريين كان مسكنهم في منطقة حكاري التي لم تلحق بالعراق، اتهم جل الآشوريين بأنهم ليسوا عراقيين، علما أن هؤلاء الآشوريين كانوا يقضون أغلب أوقات الشتاء في مناطق تابعة للعراق الحالي، حالهم حال بعض العشائر الموردية أو العربية الرحل، ففي حين تم تعريق كل من كان في العراق بتاريخ 1 كانون الثاني عام 1922 بشكل قانوني شاملا الجميع، إلا أن الآشوريين بقوا يتحملون اتهامات الكثيرين بأنهم من خارج الوطن.

يجب ألا لا يسأل المظلوم لماذا يئن. ولكن المطلوب ارتقاء الوعي الوطني والإنساني، لدرجة محاسبة من يظلم، وليس إيجاد تبريرات مختلفة للظلم وللظالم. فإرسال الاتهامات المختلفة بحق الأقليات لأنها أرادت أن تجد نفسها وتضمن مستقبلها، هو موقف خياني بحق الإنسانية، لان التوق للأمان والحرية هو توق إنساني يجب ألا لا يحدد بأي صورة من الصور. واليوم في ظل تعرض الأقليات أو المكونات القليلة العدد ومنها المسيحيين و الازيدية والصابئة المندائيين لعمليات القتل والتخويف والتهديد، مطلوب ارتقاء الوعي الوطني للمخاطر التي تحيق بهذا الوطن في حالة خلوه من مكوناته الأكثر أصالة، وهذه المخاطر الغير المنذورة تتعلق بالتوجهات الثقافية والسياسية والعلمية والاجتماعية. نحن كعراقيين لحد الآن لم تتح لنا الفرصة الحقيقية لوضع دراسة أكاديمية مستقلة تبين لنا الخسائر والمخاطر التي تعرض لها العراق جراء هجرة أو تهجير يهوده بشكل جماعي، أن من سكت عن ما عانته الأقليات من مختلف صنوف التمييز، يجب أن يدرك أمرا لا ثالث لهما وهما إما أن التمييز سيسري ليشمل الآخرين لاحقا، وهذا ملاحظ لما وصل إليه الأمر بين الشيعة والسنة في العراق، لا بل في عالم العرب، والأمر أن من تعرض للتمييز لا بد وأن يطالب بالعدالة، فلا وجود للصمت الأبدي.

وبرغم أنه تم توضيح مثل هذه الأمور مرارا، إلا أن البعض يريد إثارتها من جديد، وبذا فإن العراق لا يمكن أن يضع حدا لجدالات أبناءه، ماداموا هم لا يختمون أو يضعون خواتم لهذه الجدالات التي تشكك في وطنية الآخر. ومن ثم للانتقال إلى الأهم لوضع خطط للمستقبل.