من مفكرة سفير عربي في اليابان

سيحتفل العالم والشعب الياباني في السادس من أغسطس القادم، بذكرى إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما، والتي تبعتها بعد ثلاثة أيام بإلقاء قنبلة ذرية أخرى على مدينة ناجازاكي. وقد أدت هاتان القنبلتان لحرق الأخضر واليابس في مدينتي هيروشيما ونجزاكي، وقتل وجرح ما يزيد عن نصف مليون مواطن ياباني أطفالا وشيوخا ونساء ورجال، كما أدت لسباق تسلح نووي خطير، دفع لحرب باردة يعاني من تبعاتها شعوب العالم حتى اليوم. وقد أدت الحرب الباردة لحروب عسكرية مدمرة في القارة الآسيوية وأمريكا اللاتينية والقارة ألأفريقية والشرق الأوسط، وانتهت بانهيار الإتحاد السوفيتي، وصعود الرأسمالية الفائقة، وانهيارها، ومعاناة شعوب العالم وبيئته واقتصاده، وانتشار العنف والتطرف والإرهاب في كل رقعة من قريتنا الكونية الصغيرة. وقد تنبه هذه الذكرى شعوب الشرق الأوسط لخطورة رعونة القوة العسكرية، وأهمية الحد من الأسلحة النووية، وضرورة التعامل مع الخلافات بدبلوماسية المؤسسات الدولية.
وقد استمرت إسرائيل خلال العقود الخمسة الماضية في تطوير سلاحها النووي، في الوقت الذي عطلت التطور التكنولوجي العربي، بدفع لوبياتها في الغرب لمنع دخول التكنولوجية النووية السلمية للمنطقة العربية، بالرغم أنها تملك أكثر من مائتي رأس نووي متقدم، بحجة إنها دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، بينما حكومات المنطقة هي حكومات شمولية، قد تحول التكنولوجية النووية السلمية لأسلحة نووية، تستخدمها للقضاء على إسرائيل، أو قد تنقلها لبعض المتطرفين لاستخدامها في هجوم إرهابي على الغرب. وقد جن جنونها، حينما وافقت الولايات المتحدة، في الشهر الماضي، على مشروع قرار، في الأمم المتحدة، لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، والذي حاولت بكل قوتها منع الإدارة الأمريكية الموافقة عليه، وكررت مرة أخرى بأنها دولة ديمقراطية، ولا يمكن أن تسمح لأحد بالتلاعب quot;بسلاحها النووي،quot; والذي لم تعلن رسميا عن حيازته حتى الآن. والسؤال لعزيزي القارئ: هل هناك خوف غربي من أن تستخدم إسرائيل سلاحها النووي وتورط الغرب في حرب عالمية ثالثة؟ ألم تنذر إسرائيل الغرب، في حرب 1973، بأنه إذ لم تصلها الأسلحة التقليدية اللازمة، لقلب موازين الحرب، ستستخدم قنابلها النووية؟ وهل من الممكن أن تبيع إسرائيل السلاح النووي على دول خارجة على القانون الدولي؟
يناقش البروفيسور الأمريكي، ذو الأصول اليهودية الجنوب أفريقية، ساشا بولاكو سارانسكي، رئيس تحرير مجلة الدبلوماسية الأمريكية، الشؤون الخارجية (فورن أفيرز)، هذه الأسئلة في كتابه الجديد، التحالف الصامت. فيرد الكاتب على اللوبي الإسرائيلي، في محاولته تشويه سمعة القاضي اليهودي الجنوب أفريقي، رتشارد جولدستون، انتقاما من تقرير حرب غزة، فيقول: quot;إذا كان أحد عليه أن يخجل من دعمه لحكم التفرقة العنصرية فهي إسرائيل، التي كانت الممونة الرئيسية لأسلحة نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا.quot;
ويستطرد الكاتب في شرح هذه العلاقة، بأنه في التاسع من أبريل عام 1979، وصل رئيس وزراء دولة جنوب أفريقيا العنصرية، بالثازار جوهنس فورستر، إلى النصب التذكاري، ياد فاشم، للمحرقة النازية في القدس، مع حاشية دبلوماسية كبيرة. وحينما دخل القاعة التذكارية التي بها شعلة ورفات ضحايا المحرقة، حنى فورستر رأسه وصلى، ثم ركع لأرواح ضحايا هتلر. وقد أصيب الصحفي اليهودي المعارض، بنجمان بوجرن، quot;بالغثيانquot; وهو يشاهد هذا المنظر من مدينة جوهانسبرج، وشاركه آلاف يهود جنوب أفريقيا في ذلك، حيث يعرفون من هو فورستر.
فبالإضافة بأن فورستر قتل وعذب وسجن الآف المعارضين السود، كان رئيس المخابرات، لهندريك فان دن برج، الذي خدم كجنرال، في منظمة المحاربين القوميين البيض العنصرية، التي كانت تؤيد النازيين علنا خلال الحرب العالمية الثانية، كما كان قائدها ملهم بهتلر. ففي محادثة في عام 1940، عرض رسميا على هتلر مئات الآلاف من رجال منظمته للمساعدة في قلب نظام الحكم في جنوب أفريقيا، وتنصيب حكومة مؤيدة للنازية، وقد غير خطته حينما فشل في توفير السلاح اللازم، وعوضها بسرقة البنوك والتفجيرات. وقد أعلن فورستر في عام 1942: quot;نقف مع القوميين المسيحيين، فهم حلفاء للقوميين الاشتراكيين، وقد تسمي هذا النظام المضاد للديمقراطية بالدكتاتوري، إذا أردت، ففي ايطاليا يسمى بالفاشية، وفي ألمانيا القومية بالاشتراكية النازية، وفي جنوب أفريقيا بالمسيحية القومية العنصرية.quot; وبعد ثلاثة عقود، بينما كان يزور فورستر، نصب ياد فاشيم، كانت الحكومة الإسرائيلية مستمرة في ملاحقة النازيين في مختلف أنحاء العالم لمحاكمتهم، بينما فورستر، الذي أعلن بأنه يدعم النازية، في القدس ويستقبل بالسجادة الحمراء.
لقد أعلنت، في عام 1963، وزيرة خارجية إسرائيل، السيدة جولدامائير بأن: quot;إسرائيل، طبيعيا، تعارض سياسات التفرقة العنصرية، والاستعمار، والتفرقة الدينية والعنصرية، حيث ما وجدت، بسبب معاناة اليهود من الاضطهاد.quot; وقد طورت إسرائيل، في تلك الفترة، علاقات حميمة مع الدول الأفريقية المستقلة الجديدة، وقدمت لهم مساعدات زراعية وعسكرية، وردت الدول الأفريقية الجميل بالتصويت لإسرائيل في الأمم المتحدة. وقد تغيرت الصورة بعد حرب عام 1967، quot;حينما لوثت إسرائيل سمعتها بالاستعمار الاستيطاني، وتحولت بفضل سلوكها من شعب ناجي من المحرقة، والمحتاج للحماية، إلى عميل استعماري، فرفضت الدول الأفريقية دعمها.quot; ولم يأخذ وقتا طويلا حتى توجهت إسرائيل للنظام الدكتاتوري العسكري لبنوشيه في شيلي، والنظام العنصري في جنوب أفريقيا. فتطورت العلاقة الإسرائيلية الجنوب أفريقية لزواج مصالح وايديولوجيات، فربحت إسرائيل من بيع أسلحتها، وحصلت جنوب أفريقيا على أسلحة متطورة، في الوقت الذي كان باقي العالم يقاطعها. quot;وتستمر إسرائيل، خلال العقدين القادمين تدعي علنا بأنها تعارض النظام العنصري، وفي الواقع كانت سريا تقوي حكم البيض العنصريين، في حربها ضد الشعوب الأفريقية.quot;
فبعد تدهور الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة لحرب عام 1973، صعب على وزير الدفاع مقاومة فرصة التعاون مع الدولة العنصرية، بعد أن ورث الحكم مع زملائه من بن جوريون وجولدمائير، ليصبح صراع البقاء أهم من القيم الأخلاقية، فاستبدلت المثاليات الاشتراكية لحزب العمل، ببراغماتية quot;الريل بوليتكس.quot; وفعلا ساعدت صفقات الأسلحة لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، حيث باعت ما يزيد عن عشرة مليار دولار من الأسلحة للنظام العنصري، وطورت قدراتها النووية، كما عرضت عليها بيع نظام صاروخي نووي. وقد أدى هذا التعاون لتحول القارة الأفريقية لأرض المعارك الايديولوجية، ولم تستطع الإدارة الأمريكية منع إسرائيل من مساعدة الدولة العنصرية، فشكلت الدولتان حلف صامت، سمح لجنوب إفريقيا تطوير سلاحها النووي، ووفر لإسرائيل المواد النووية الخامة، والمساحة اللازمة لتطوير صورايخها الذرية والنيوترونية.
وبعد أن استلم مناحيم بيجن، والليكود، السلطة، في عام 1977، اجتمعت المصالح الاقتصادية مع التجاذب الإيديولوجي، وألهمت هذه العلاقة أريل شارون ورافل آيتان، بمعاناة الدولتين من تحديات مشتركة: أقلية بيضاء ويهودية، محصورتان في وسط محيط من العرب والسود، ويناضلان للبقاء ضد عدو إرهابي يقودانه مانديلا وعرفات، ويحاول أن يلقي بهما في البحر، وكان حلهم الوحيد السيطرة الكاملة وبقوة متوحشة هائلة.quot; ولم توافق وزارة الخارجية الإسرائيلية دائما على هذه الشراكة، فكانت المؤسسة العسكرية تدير هذا التحالف، حيث قسمت السفارة الإسرائيلية في بريتوريا، بجدار يمنع الدبلوماسيين من دخوله، وقد أنهار هذا الجدار، بعد أن أنهار التحالف في الثمانينيات.
وعرض الكاتب تصوراته وتصورات بعض المسئولين الغربيين والإسرائيليين عما يحدث اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة من تفرقة عنصرية، فقال: quot;لم تكن التفرقة العنصرية ببساطة فقط عنصرية، وتفرقة، وسرقة استعمارية للأراضي، بل كان نظام متشابك، للسيطرة على حركة وعمل السود، وتجريدهم من جنسيتهم، بنقلهم إلى quot;بانتوستانز،quot; حيث سيعطون استقلال أسمي فارغ، وهو الذي يحدث اليوم في أراضي فلسطين المحتلة.quot; وناقش أراء الرئيس كارتر في كتابه، فلسطين: سلام لا تفرقة عنصرية، حول التفرقة في الأراضي المحتلة، وعرض ما كتبته وزيرة التعليم الإسرائيلية، شولمت الوني، في صحيفة يدويت ارونووت بقولها: quot;هاجمت المؤسسات اليهودية الأمريكية الرئيس كارتر، حينما قال الحقيقة التي يعرفها الجميع: فخلال الجيش، تمارس الحكومة الإسرائيلية نموذج وحشي من التفرقة العنصرية في الأراضي المحتلة ... فإسرائيل، قوة محتلة منذ أربعين عاما، تضطهد السكان الأصلين، والذين من حقهم السيادة واستقلالية وجودهم.quot; كما رجع لتوقعات اهود اولمرت حينما قال: quot;إذا رفضت إسرائيل مفاوضات الدولتين ستواجه نموذج الصراع الجنوب الأفريقي لعدالة التصويت، وبسرعة ما يتم ذلك، تكون إسرائيل قد انتهت.quot; وذكر الكاتب حادثة ظريفة، في عام 1961، حينما غضب رئيس وزراء جنوب أفريقيا، هندريك فرويرد، من شجب جولدمائير لنظامه العنصري في مجلس الأمن، ورد: quot;لقد أخذ الإسرائيليون إسرائيل من العرب، بعد أن عاشوا فيها آلاف السنين، وفي ذلك أتفق معهم، إسرائيل مثل جنوب أفريقيا دولة تفرقة عنصرية.quot;
وبين الكاتب الجهد الكبير الذي بذله للوصول لوثائق هذا التحالف في جنوب أفريقيا وإسرائيل، والصعوبة الكبيرة التي واجهها في مقابلة بعض المسئولين، كما عرض مقابلة للسفير الإسرائيلي السابق في جنوب أفريقيا، الزار جراونت، الذي كان عضوا في لجنة الدفاع بالكنسيت في عام 1984، والذي علق فيها على هذا التحالف بقوله: quot;لم أخبرك بما أعرفه، ولن أخبرك، حتى يتم السلام، فقد ذهب رابين وبيرز إلى أوسلو، لأنهم يؤمنون بأن إسرائيل قوية بحيث تستطيع أن تحمي نفسها، ولم يكن سبب ذلك الأمريكان ولا الفرنسيون ولا الانجليز، بل معظم العمل الذي أنجز، وأعني النوع الجديد من السلاح (النووي)، أنجز في جنوب أفريقيا.quot; وينهي المؤلف كتابه بالقول: quot;أحيا مؤسسو إسرائيل ذكرى المحرقة النازية، وبدأ أبناؤهم الذين عاشوا في ظل المحرقة يموتون، ويحل محلهم جيل عولمة جديد، وبرؤية لإسرائيل معاصرة، مزدهرة، وصناعية، ومندمجة في اقتصاد العولمة. ومع الأسف، لم يعرفوا حتى الآن غير الحروب، والاحتلال، والعار الدولي، وهم يريدون أن تقبل إسرائيل كدولة طبيعية في المجتمع الدولي. وبالتوسع الاستيطاني، والعنف العسكري، ورفض إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، سيطول الصراع. وإذا لم تتحرك إسرائيل بسرعة وتفكك المستوطنات وتؤسس دولة فلسطينية قابلة للحياة، فما هي إلا قضية زمنية، قبل أن ينقلب التوازن الديموغرافي ضد اليهود، ليصبحوا أقلية ضمن الحدود التي يحتلونها. ولتصبح اتهامات التفرقة العنصرية واقعية، وكما تخوف أولمرت، فسيسيء اليهود لأنفسهم، قلة حاكمة لأغلبية كبيرة مهضوم حقها، حالة ستؤدي حتما لصراع لتساوي الحقوق، والذي سيولد تعاطف عالمي. والأسوأ، بأن توصف إسرائيل بدولة عنصرية، والتي حاولت خلال عقود ماضية تجنبهاquot;
وقد علق وزير خارجية إسرائيل السابق، شلومو بن عاميه، على الكتاب بقوله: quot;دراسة مهمة، طال انتظارها، لصعود وزوال التحالف الأكثر تآمرا في التاريخ.quot; ووصف وزير العدل الإسرائيلي السابق، يوسي بيلين، رسالة الكتاب: quot;عبرته واضحة، عمل الصحيح قد يكون أيضا خير خيار سياسي، ويعلمنا بأنه أحيانا، نحتاج للآخرين لينقذونا من أنفسنا.quot; ويبقى السؤال: هل حان الوقت لكي تعمل الدول العربية، مع محبو السلام في العالم، ومع الأمم المتحدة، quot;لمنعquot; و quot;وقفquot; و quot;تطهير،quot; منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، قبل أن، لا سمح الله، تعاني شعوبها من محرقة quot;هيروشيماquot; للقرن الواحد والعشرين؟

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان