عيب ان تتحول مؤسسة اعلامية امريكية كبيرة مثل السي إن إن إلى مؤسسة إعلامية لإحدى جمهوريات الموز! فواقعة إقالة الزميلة أوكتافيا نصر مديرة السي إن إن في بيروت والأمريكية من اصل لبناني أكبر دليل على أن السي إن إن لم تعد تقبل الرأي الآخر رغم حديثها الدائم عن حرية الرأي والتعبير.
أوكتافيا كتبت كلمة في موقع (تويتر) تشيد فيه بالمرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله فقامت الدنيا ولم تقعد. أوكتافيا لم تكتب كلمتها على موقع السي إن إن وإنما كتبتها على صفحتها الشخصية في تويتر مما يجعل كلمتها مجرد راي شخصي لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل أو اساءة تفسيره.
يمكنك ان تشيد بالعلامة فضل الله أو تختلف مع آرائه جملة وتفصيلا كما تختلف او تتفق مع اوباما أو نتنياهو أو احمدي نجاد أو حسن نصر الله او الرئيس البشير أو الدكتور القرضاوي أو بابا الفاتيكان أو الدلاي لاما فهذا حقك الذي لا ينازعك فيه أحد لكن هذا الرأي لا يجب لا ينبغي ان يكون مبررا لقطع عيشك!
ما فعلته السي إن إن مع اوكتافيا نصر عودة الى العصور الوسطى حين كان الاختلاف في الرأي مبررا لإعدامك.
في كل المؤسسات الاعلامية الرسمية بجمهوريات الموز يتم التفتيش والتنقيب عن آرائك ومعتقداتك وأفكارك لمعرفة مدى تطابقها مع الخط الرسمي السائد. وفي مؤسساتنا الاعلامية العربية الحكومية هناك تفتيش دائم ومستمر عن اتجاهاتك وميولك لمعرفة ما اذا كنت مؤهلا للخروج الى النور أو الدفن في غياهب الظلمات!
أنا سنى المذهب وأعتز بكوني سنيا لكنني ارفض تماما ان يتحول رثاء رجل دين راحل مهما كانت ديانته ومذهبه وبغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف معه الى جريمة تقطع من اجلها الرقاب!
ماذا لو كتبت اوكتافيا نصر كلمة رثاء مماثلة في حاخام يهودي أو رجل دين مسيحي أو مستنير بوذي راحل...هل كانت السي إن إن ستذبحها هكذا بكل هذه القسوة وبرود الأعصاب؟!
واذا كانت مؤسسة إعلامية كبرى كالسي إن إن ترتكب مثل هذا الفعل الفاضح على رؤوس الأشهاد فمابالنا بما يمكن ان تقوم به مؤسسة اعلامية صغيرة أو محدودة في بلدان القهر والاستبداد؟؟
وماذا يمكن ان يكون عليه الحال لو ارتكب اعلامي عربي ولو على سبيل السهو جريمة الاختلاف في الرأي مع حكومة بلاده أو اختلف شخصيا في الرأي مع القائمين على المؤسسة التي يعمل بها؟؟ بالتأكيد لن يتم الاكتفاء باقالته وقطع عيشه وتشريده هو واسرته وإنما سوف يتم سحله ونفخه وسجنه وتعذيبه واعادة تأهيله ونفيه حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر وأمثولة واضحة لباقي القطيع!
ما قامت به السي إن إن نموذج سيء سوف يتم الاقتداء به في اماكن كثيرة في العالم بدعوى أن امريكا تطبق الآن ما كانت ترفضه في اماكن كثيرة حول العالم. والمؤكد ان هذه ماكارثية جديدة تتعارض تماما مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير. أنا لا اعرف اوكتافيا نصر ولا تربطني بها علاقة قرابة أو صداقة ولكنني أرفض ان يتحول الخلاف في الرأي إلى مبرر للتنكيل والتشريد وقطع الأرزاق.
ما فعلته السي إن إن بجلالة قدرها مع اوكتافيا نصر خطيئة كبرى!
التعليقات