كنت في مشوار في احد شوارع القاهرة، ووقعت عيني على لافتة ضمن لوحات الدعاية quot;لجمال مباركquot; تقول: quot; نعم لجمال مبارك من اجل القضاء على الفساد الذي طال البلاد والعبادquot;. لقد أصابتني الدهشة لأن هذا معناه اعتراف من أنصار quot;مبارك الابنquot; بأن الحزب الوطني الحاكم الذي يرأس فيه جمال quot;لجنة السياساتquot; فضلا عن انه quot;الأمين العام المساعد للحزب quot; هو المسئول الأول عن الفساد الذي ينتشر في مصر، وفي هذا إدانة لثلاثين عاما من حكم quot;مبارك الأب quot; قلت في نفسي quot; وشهد شاهد من أهلها quot;ودفعني ذلك للتساؤل عمن يقف وراء هذه الحملة، إذا كان الحزب الوطني نفى أي علاقة له بها أو بالمجموعة التي أطلقت على نفسها quot;الائتلاف الشعبي لدعم ترشيح جمال مبارك للانتخابات الرئاسيةquot;.

إذا كانت هذه الحملة ترد على حملات أخرى، تقوم بها جبهة أيمن نور بعنوان quot;مصر كبيرة عليكquot; وأنصار البرادعي من مؤيدي quot;الجمعية الوطنية للتغييرquot; فإن جمال مبارك ليس بحاجة إلى هذا الدعم خاصة، خاصة وأن الحزب لم يعلن عن مرشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويكفي أن يرشح الحزب الوطني quot;جمالquot; في وجود والده لكن يصبح رئيسا بدون حاجة إلى موافقة الشعب، ومن ثم فإن حملة دعم جمال مبارك تعد خرقا للدستور الذي ينظم عملية الترشيح لرئاسة الجمهورية، مع تحفظي على بعض مواده خاصة المواد 76 و77و78 كما تعد أيضا خروجا على اطر النظام السياسي وقوانينه ومؤسساته لذا لم يكن غريبا أن يصف الرئيس مبارك ما يحدث بأنه نوع من quot; العبث السياسيquot;.

إذن نحن أمام عدة احتمالات:
الأول: وجود مجموعة من رجال الأعمال، تريد على وجه السرعة طرح اسم quot;جمال مباركquot; على الشعب والكل يعلم تدني شعبيته، وإقناع الرئيس مبارك بأن اختيار الابن مطلب شعبي، مثله مثل أطراف أخرى على رأسها البرادعي، ويقف على رأس هذه المجموعة quot;إبراهيم كاملquot; العضو البارز في لجنة السياسات، لكن دعم هذا الرجل قد يضر جمال أكثر مما يفيده لان quot;كاملquot; كان يسعى لإفشال مشروع إقامة أول محطة نووية على ارض quot;الضبعةquot; بحجة أنها منطقة قريبة من المساكن، ويريد أن يستغلها لإقامة مشروعات سياحية وترفيهية، تدر علية الملايين وفشلت مساعيه، بعد أن اقر الرئيس اختيار الضيعة لإقامة المشروع.

الثاني: وجود تيار داخل النظام ينتمي للمؤسسة العسكرية، يريد إقصاء quot;جمال مباركquot; ووضع العراقيل أمام حلمه في المنصب الرفيع، وذلك بأن تقوم جماعات غير معروفة بطرحه على الشعب في هذا التوقيت السيئ حيث نسب الفقر في ازدياد، والشعب يفتقد ابسط مقومات العيش الكريم، ويعاني شحا في المياه، وانقطاعا في الكهرباء وارتفاعا في الأسعار، فتزداد كراهية الشعب لابن الرئيس، وهذا يصب في صالح المعارضين للنظام.

الثالث: وجود تيار أخر يضم خليطا من رجال الأعمال، ومن ترتبط مصالحهم بالنظام، يسعى لإقناع الرئيس مبارك بإثنائه عن الترشح ليتيح الفرصة كاملة لنجله، حتى يتم الانتقال الآمن للسلطة، وفي ظل ما يثار حول صحة الرئيس فإن غيابا مفاجئا للرئيس عن الساحة في نظر هؤلاء سيحرم الابن من تولي منصب الرئاسة، وربما يكون الرئيس موافقا ضمنيا على ترشيح ابنه لكنه يريد دعما شعبيا حتى يستطيع إقناع المؤسسة العسكرية بسلامة قراره، وبظهر الابن في هذه الحالة مرشحا quot;شعبياquot; وليس quot; وريثاquot;.
هؤلاء جميعا يشعرون انه قد آن الأوان للانقضاض على المنصب الرفيع، حتى في وجود الرئيس الأب ولا يهمهم رأي الشعب، فالمهم مصالحهم، وإذا فشل هؤلاء في تحقيق هذا الهدف فسوف يتوارون عن الأنظار لأنه ببساطة ليس لهم أهداف وطنية إنما مصالح ومنافع شخصية.

إعلامي مصري