عثمان العمير في لقائه اليتيم مع بن علي في العام 1987بين تونس وبيني علاقة حميمة تناهز الثلاثين عاماً، يختلط فيها العام مع الخاص. لا مجال للحديث عن الخاص لخصوصيَّته. أمَّا العام، فهو ما يستحق الإشارة، وقد أقبلت تونس على متغير كبير في تاريخها، هي البلد الصغير المالك لأدوات التغيير منذ أكثر من قرن ونصف القرن. ولأنَّ تونس مثلها مثل المغرب لا تحترف الجلبة أو الصراخ، فإنَّ الكثير من إسهاماتها النهضويَّة لا يجري الحديث عنه بإسهاب، كما هو الحال مع الأخبار المضخمة.

عرفت تونس بورقيبه وإن كنت لم أعرفه شخصياً، لكن زياراتي المتعددة لهذا البلد الجميل المتحرر، الملتزم بموقعه الجغرافي المهم، جعلتني على علاقة مع الكثيرين من رجاله، أبرزهم المرحوم محمد مزالي رئيس الوزراء الأسبق ومحمد الصياح، وإدريس قيقة، والشاذلي القليبي، وغيرهم من الأسماء التي تعاقبت على القيادات السياسيَّة والثقافيَّة.

في عام 1987، وبعد انقلاب السيد زين العابدين بن علي الذي أسماه quot;تحولاًquot;، اتصل بي قصر الرئاسة التونسي وتم ترتيب مقابلة عاجلة مع السيد الجديد لقصر قرطاج، الذي كان قبل برهة رئيساً للوزراء، خلفًا للسيد محمد مزالي، وقبلها كان وزيراً للداخليَّة، وقبل ذلك كان ملحقاً عسكرياً في المغرب ودولة شرقيَّة.

وصلت تونس، وبعدها ذهبت إلى القصر. كانت التعليمات صارمة: لا بدّ أن تكون الأسئلة مكتوبة... الرئيس جديد على الكلام وعلى الصحافة ولديه مشكلة في الكلام.
إذن، اللقاء كان فقط لتعريف العالم بالرئيس.

قبلت على مضض. الحق أنّ كنت الأوّل في الحصول على أول حوار صحافي مع ثاني رئيس تونسي بعد الاستقلال.
لكن ما يسمى بروح الصداقة، أو الارتياح، لم تتطور بين الطرفين، بل كانت هذه المقابلة إيذاناً بصراع طويل بين الجريدة التي أمثلها والسيد بن علي، انتقل كما يبدو إلى إيلاف.

كانت المشكلة مع السيد بن علي هي حرصه الدائب على إزالة الصورة الزاهية أو الباهية التي نعرفها عن المغرب قبل عهده، وفي ظل ما يسمي بالقبضة الحديدية. كان الصحافي الزائر لتونس يتنقل بين المعارضة والحكم. كان بيت الفاضل بن عاشور مفتوحاً كما هو بيت محمد الصياح. وكانت ثمة علاقة تفاهمية بين كافة الأطراف، غير أن حكم الشرط غير حكم المتحازبين.


لا مجال للدخول في التفاصيل حول ما جرى في تلك الفترة كما هو المجال في التعليق علي الخطاب التاريخي الذي تلاه الرئيس زين العابدين البارحة.
الخطاب الذي يرى الكثيرون أنه خط فيه الطريق نحو التخلي عن الحكم، فلا أحد من الشعب التونسي يؤمن أن رئيسه في مرحلة تغييب فيما يصل إلى ربع قرن. لكن الرئيس ولا شك، كان شجاعاً باعترافه بالخطأ، لأن شجاعة الاعتراف لا فخذ ولا فرع ولا قبيلة لها في عالم العرب، ولم يحدث أن استقال مسؤول عربي عن أخطاء جمة، فضلاً عن خطأ واحد، عدا ما فعله وزير الداخلية الكويتي أمس الأول.

الأمر في تونس واضح. لا أحد يريد الرئيس بن علي ولا أحد يحتاج إلى خدماته، وعليه أن يكمل شجاعة اعترافه بالاستقالة، وتسليم الحكم إلى رئيس وزرائه السيد محمد الغنوشي، ريثما تجري انتخابات عامة تعود فيها تونس إلى ليبراليتها وجغرافيتها كدولة متوسطة متفاعلة مع حقيقة وجودها وموقعها.

وعلى الفايروس التونسي أن ينتقل إلى الآخرين.