quot;كلام فارغ.. كلام فارغquot; (احمد أبو الغيط ، تعليقا على احتمال انتقال عدوى تونس الى مصر(

ماذا فعلت بنا يا مصر.. وأية قناعات وثوابت سقطت وتسقط في ميدان التحرير يوميا منذ يوم الغضب وحتى الساعة.
سيان أن تمكن الحاكم من الالتفاف على غضب شعبه وبقى أم رحل اليوم، وسيان إن حرق الجيش الجموع أم وقف معها، فقد أثبتت مصر بمجملها سقوط نظرية الاستقرار الوهمي القائم على القمع والتجويع واختزال الأوطان في شخص أو عائلة أو حزب أو عصابة، بل وأثبتت سقوط نظريات quot;المثقفينquot; والنخب المفترضة حول شروط وقوى التغيير وموازين القوى، واثبت الشباب المتحضر الذي قاد التظاهرات بأن الإخوان والشيوعيون التقليديون والوفديون و فوقهم جميعا الحزب الحاكم ما هم إلا بقايا إيديولوجيات مندثرة، عاجزة عن التفاعل مع مستجدات القرن الحادي والعشرين، لا يخلقون الحراك الشعبي بل يلهثون وراءه لركوبه بعد حدوثه كما حدث في تونس وسيحدث في مصر. ستحاول ديناصورات القرن العشرين سرقة انتفاضة شباب القرن الحادي والعشرين، ولكنها وعلى المدى البعيد، سترحل إلى حيث ترحل الأنظمة اليوم أو غدا.
ستخرج عصابات الأمن والحزب لتخريب التظاهرات وافتعال الصدام لتبرير قمع الجيش للتظاهرات، وسيعود الأمن المركزي سيء الصيت إلى الشوارع بعد هزيمته المذلة منذ اليوم الأول وبعد أن تلوثت يداه بدماء شعبه وستبدأ حملة التطهير باسم حفظ الأمن للمشاركين في التظاهرات الذين حفظت كلاب السلطة رائحتهم ووجوههم بفضل الفضائيات وتقنيات الهاتف الجوال، ولكن الأنظمة الهرمة لن تتمكن من العودة إلى سابق عهدها، فقد سقط حاجز الخوف الذي يحكمنا جميعا منذ عهد الثورات المظفرة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي أسست لعصور من الرعب والجوع.
أزاحت أحداث مصر الستار عمّا نسميه بالمثقفين وما يتبعهم من منظرين ومحللين، الذين وقفوا جميعا عاجزين عن التنبؤ بالحدث الجلل قبل وقوعه، والذين يقفون على حبل رفيع بين الرعب من انتقام السلطة وبين واجبهم الأخلاقي والثقافي والوطني والإنساني عبر استثمار عهر الخطابة وكل تقنيات المواربة التي توفرها لغتنا العربية لتطويع الأفكار ولي عنقها، فيخرج القارئ والمستمع بعدها بلا عقم ولا حبل. لقد اقتصر تعريف المثقف في العالم العربي على ذلك الفرد المؤدلج الذي يجب أن يكون بالضرورة قوميا أو ماركسيا، وقد أضيف إليهم مؤخرا الإسلامي الذي يحتمي بالنص المقدس والفصحى المنمقة، وما خلا ذلك، فمن يحاول التنفس في اتجاه مغاير لا بد وأن يكون خائنا أو مهرطقا أو صهيونيا او ببساطة متغربا متأثرا بالغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب. فالتخوين هي التهمة الأسهل لدى عصابات quot;المثقفينquot; التقليديين، ومن ورائهم السلطة صاحبة السيف والدرهم.
جاءت انتفاضة شباب مصر لطمة لكل هؤلاء، وبات سلاطين quot;بلاد العرب أوطانيquot; يتوسلون الشعوب بالإصلاحات والانتخابات ورفع المرتبات وتقليل الضرائب وتغيير الدمى في الحكومات والقسم بأنهم لن يرشحوا أولادهم! وهنا جاء الانتصار البعد المدى لشباب مصر وقبلهم شباب تونس.
والأهم من ذلك كله، عادت لدى الكثيرين، وكاتب السطور منهم، الثقة بقيمة عليا كبيرة نسيناها جميعا، بل واخذ بعضنا في النيل منها تبريرا لأخطائنا وتهاوننا وجبننا، وهي الشعب. نعم، لم يتظاهر المصريون للقمة الخبز فقط وإن كانت جزءا من المطالب، ولا للبطالة فقط وإن كانت أزمة طاحنة، ولكنهم طالبوا بالحرية والعدالة، تلك القيم التي تميز الإنسان عن سائر الكائنات.
أراقب جموع المصريين من مختلف الأطياف والألوان ودرجات الوعي على الشاشات، وأرى السلطان يتوسلهم عدة أشهر إضافية لعله يفيق من هول الصدمة، وأرى حتى القنوات الرسمية تقلل من زعيقها باسمه حتى الحد الأدنى .. وأقول quot;عمار يا مصر، أم الدنياquot;.