من عام 1990 ولغاية سقوطه في عام 2003، كانت روسيا والصين تقاتلان بضراوة وتبرَعان في اختلاق العراقيل والمعوقات لإفشال أية محاولة من مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة أو الوكالة الدولية للطاقة النووية لمعاقبة صدام حسين على عناده واستهتاره بالمجتمع الدولي وقراراته المتعاقبة.
ومن عام 1990 والعالم يتفرج على روسيا والصين، والآن معهما الهند أيضا، وكأنه يرى مشهد محكمة في فيلم هندي ساذج يجعل فيه المحامي ورثة القتيل المغدور متهمين لأنهم قاموا باستفزاز القاتل ودفعوا به إلى الدفاع عن نفسه وقتل الفقيد، ثم يطالب بوضعهم في قفص الاتهام.
روسيا، وعلى الأقل منذ أن تولى بوتين رئاسة الجمهورية والحزب، وإلى اليوم، تقف بصمود عجيب إلى جانب كل ديكتاتور، مهما كان ظالما وقاتلا، ومهما كان مضحكا ومزريا، ومهما تجاوز حدود الله أو حدود عباده.
و كنت أتذكر صدام، كل يوم وكل ساعة، طيلة السنين الماضية، وأنا أشاهد هذه الدولة الكبرى العريقة في الحضارة والفكر والنضال وهي تتحول إلى امرأة شمطاء كريهة تمتهن الشحاذة، ولكن بالخنجر والسكين.
روسيا العظيمة تدوس على تاريخها وعلى مستقبل شعبها ومصالحه العليا حين يتصرف زعماؤها كالبلطجية والشبيحة وحرامية الغسيل، فيدافعون عن الديكتاتور، أي ديكتاتور، ويباركون همجيته وولوغه في دماء النساء والأطفال والشيوخ. ليس بالكلام وحده وبالدفاع المستميت عنه في المحافل الدولية لمنع العدالة من أن تطاله، بل بالسلاح والذخيرة والخبراء، متحدّين أية قرارات أو عقوبات دولية أو حصار. ثم نكتشف في النهاية أنهم، حتى في هذا السلوك الشائن، ليسوا مبدأيين ولا أصحاب مواقف ثابتة، بل هم انتهازيون ونصابون، وأنهم لا يقودون دولة كبرى بل عصابة تشليح دولية تستعمل الحكام الفاسدين سلاحا تُشهره بوجه الشعوب، إلى أن تنحني وتدفع الجزية وتشتري ذم هؤلاء القادة بالملاليم.
روسيا تخرج، دائما، من كل موقعة بالخسارة والفشل. فهي دافعت عن القذافي، بقوة وعناد، وهو يقصف المدن الآمنة بالصواريخ والبوارج، ثم سقط، وخرجت، هي وهو وأبناؤه وكتائبه، بسواد الوجوه.
وها هي تفعل الشيء نفسه مع بشار وشبيحته وجواسيسه، حتى وهي تراه يقتل الحمير أيضا، وينتزع حناجر المغنين، ويكسر أصابع الرسامين. ثم، بعد كل ذلك، ورغم كل ذلك، ينهض رئيسها ميدفيديف ليساوي بين القاتل والمقتول، بين السارق والمسروق، بين الذابح والمذبوح.
وها هي صامدة صمود الأبطال الأشاوس في وجه المجتمع الدولي كله، دون خوف ولا حياء، وبكل أساليب اللف والدوران، وبشتى الأعذار والذرائع، وبلا كلل ولا ملل، من أجل تعجيز مجلس الأمن عن معاقبة حاكم ٍ ثبت، وفق جميع المقاييس الإنسانية والشرائع الإلهية والأعراف الوطنية والدولية أنه قاتل محترف أحمق وغبي لا يجيد قراءة التاريخ ولا أخبار الشعوب.
وكما يتوقع العالم كله، فالشعب السوري البطل، وهو الشعب الأعزل من أي سلاح، يواجه بزغاريد نسائه وغناء رجاله، وهتافات صغاره جميع صواريخ الجلاد وقنابله ودباباته وطائراته، مصرا على انتزاع حريته وكرامته، وسوف ينتصر، مهما طالت المكاسرة، ومهما غلى الثمن، ومهما طال الزمن، وسيخرج بوتين وميدفيديف بسواد الوجوه أيضا في النهاية.
المسألة التي ينبغي مناقشتها في هذا الموضوع هي ما يلي:
قادة روسيا والصين اليوم هم أولاد الحزب الشيوعي العظيم، وتلاميذ كارل ماركس ولينين، وأبناء الثورة البلشفية التي قامت، كما كانت تقول، من أجل الحرية والكرامة ورفع الظلم عن الشعوب التي مسخت الرأسمالية إنسانيتها ومصت دماءها واستغلت عرق أبنائها وبناتها وحولتهم إل مكائن لا شغل لها سوى إنتاج المال وتقديمه للسادة، دون أن ينال منه العبيد سوى الفتافيت.
هل تتذكرون، يا أبناء جيلي المعذب التعيس، كم هتفنا وتظاهرنا فرحا بولادة تلك الثورة؟ وهل تتذكرون كم تعلقت الشعوب المستضعفة بها، وكم تحمست لمبادئها وأفكارها وشعاراتها؟ حسنا أين هي تلك المباديء والأفكار والشعارات؟ لماذا لم تستطع أن تغسل نفوس بوتين وميفيديف ورفاقهم في الصين رغم أنهم ظلوا يرضعون الماركسية نصف قرن أو يزيد؟ أليس هذا ما يحزن؟ هل صحيح أن الأفكار والمباديء السامية لا يمكن لها أن تصنع من الذئب حملا وديعا أو غزالة، ومن الصقر الجارح حمامة سلام، ومن الحمار عازف بيانو؟. والذي نفسُه مريضة، وفيه عِرق أصيل في الغش والكذب والخداع، وميلٌ فطري إلى القتل والنصب والاحتيال، لايمكن أن تغسله ولو بحورٌ من رسالات الأنبياء وتعاليم المفكرين والمصلحين، إلى أن يشاء الله.
وقبل أن أنهي هذه المقالة أنقل لكم ما قاله غورباتشوف أخيرا لصحيفة ديرشبيغل الأمانية:
quot; كم يقلقني ما يقوم به حزب روسيا الموحّدة الذي يتزعّمه بوتين وما تفعله الحكومة. يريدان الإبقاء على الوضع الراهن، ويسحبان البلاد إلى الماضي، فيما أنها بحاجة إلى التحديث. أحياناً، يذكّرني حزب روسيا الموحّدة اليوم بالحزب الشيوعي السوفياتي القديم.
يريد بوتين والرئيس ديميتري مدفيديف أن يتّفقا فيما بينهما على من سيكون الرئيس المقبل في عام 2012؟.
يريد بوتين البقاء في السلطة، لكن ليس لحلّ مشاكلنا المتعلقة بالتعليم والرعاية الصحية والفقر. والأحزاب ليست سوى دمى يتلاعب بها النظام. حتى أن الحكام لا يُنتخبون بصورة مباشرة، فقد أُلغي نظام الولاية المباشرة في الانتخابات.
نحتاج إلى قوى جديدة تدفع البلاد قدماً، وإلى أحزاب تجمع بين المصالح السياسية و(الأخلاق) والاقتصاد.
التغيير سيكون صعباً بل مؤلماً، لكن الديمقراطية ستسود في روسيا، علماً أن انزلاق البلاد إلى الحكم الاستبدادي احتمال وارد.quot; لا فض فوك.
- آخر تحديث :
التعليقات