يعلم الشعب الاردني الحقائق، فهو شعب ذكي مثقف على درجة عالية من الوعي السياسي، و جاءت ويكليكس تنضح بما يتم تداوله سرا منذ سنوات تحت ورق السيلوفان الذي غطى على زكم الرائحة.

تسريبات الوثائق، تحدثت مؤخرا عن رئيس وزراء quot;سمير الرفاعي quot; الثاني و الذي تم اختياره بناء على صداقة مع الملك عبد الله الثاني من خلال فترة الدراسة في الكلية العلمية الاسلامية بعمان و متابعته لاسثمارات الملك الخاصة لاحقا، و هو نفس الطريق الذي عهد به الى والده زيد الرفاعي صديق الملك الحسين الراحل من ايام الدراسة في كلية فيكتوريا و الذي تابع استثمارات خاصة للملك الحسين و صفقات ذكرت في كتاب quot;بازار الاسلحة quot;. و تحدثت الوثائق ان التعيين لم يكن بناءا على مؤهلات و انما علاقات.
تاريخيا و منذ اول حكومة اردنية، لم يكن هناك في اي وقت تعيين قائم على مؤهلات متفرده، و انما كانت كلها تتم بناءا على علاقات شخصية مع الملك لمنصب الرئيس، و طبيعة المرحلة سواء المطلوب شرق اردني او فلسطيني، و قضية التأهيل للمنصب في خبر quot;كانquot;.

الملك الحسين كان يختار رئيس الحكومة و يتشاور مع بعض من الرؤساء السابقين في خياره، بينما الوزراء يأتون في ملف يقدم للرئيس المكلف مع quot;شرح quot; من مدير المخابرات و تعرض الاسماء على الملك صاحب القرار الاوحد في فرض تعيين وزير الخارجية و الداخلية و المالية.البعض يعتقد انه باستثناء قلة من رؤساء الوزراء لا تزيد على اصابع اليد كان الاغلب دمية في يد quot;القصر quot; و مدير المخابرات و ادخلا البلاد في حسابات خاصة و ارصدة نوعية و هو ما يحتاج الى مزيد من التحليل.

و اود ان اذكر هنا رغبة رئيس الحكومة الاسبق طاهر المصري في تعيين quot;تيسير طوقان quot; السفير الاردني في روما في منصب وزير الخارجية ليسمع ردا من الملك الحسين : quot;اقفز عن منصب الوزير و حدثني عن اسماء اخرى quot;، و هو ما تكرر مع الرئيس نادر الذهبي الذي لم يملك قرار تعيين وزير باستثناء صديقه الشخصي من ايام سلاح الجو و الذي كان احد مساعديه في سلاح الجو الملكي فأتي به سكرتير شخصي له في الحكومة برتبة و راتب وزير و هو ذوقان القضاة.

رئيس الحكومة الاسبق نادر الذهبي اختلف مع وزير الخارجية و احتاج الى دعم شقيقه مدير المخابرات للتخلص منه في تعديل ركيك على الحكومة.
الشعب الاردني يعلم من هي قائمة المخابرات في التعيينات الوزراية و جاءت وثائق quot;ويكيليكس quot; لتؤكد ذلك من خلال حديثها عن مدير المخابرات quot;محمد الذهبي quot; و علاقاته و خياراته و رجاله وهو ما لم يختلف عن كل من سبقه.

و التدخل الامني في مرحلة ما من تاريخ الاردن كان مبررا من الجهات السياسية و لكن ما بدر في الوثائق ان الاهتمام لدى الامن كان quot;شراءquot; الذمم السياسية و دعم الحكومة الفلسطينية لعباس و غيرها، و هذا يعني ان المواطن الاردني الموالي و المنتمي لا مكان له في الحكومات، و ان الحكومات لم تكن وطنية بالمعنى المفهوم و انما صورة ديناصورية لحكومات خارجية مقزمة تسعى الى استمالة هذا او ذاك و الشأن الاقتصادي او السياسي اقل حظوة من لعبة البقاء على كراسي quot;الحكم quot;.

و اود ان اضيف هنا : حديث وزير خارجية سابق حيث قال ان الحكومات الاردنية يتم تزيينها بمجموعات من quot;ابناء الاردن quot; المؤهلين و لكن بلا اي قدرة quot;دفع سياسي quot;، هم بمثابة وزراء تكنوقراط تم قرطهم و افراغ محتواهم، في الوقت الذي قال رئيس ديوان ملكي اسبق ان الوزراء في الاردن مثل الطاقة، لم يكن افنائها او انهائها و انما تحويلها من منصب وزاري الى اخر، الى رئيس مجلس ادارة شركة، الى مستشار في الديوان الملكي.

اعود الى عائلة الرفاعي و التى قدمت خدمات جليلة للاردن و للملكية الهاشمية، دخلت الحكم عن طريق سمير الرفاعي الجد، و الذي كان استاذ مدرسة و شقيقه ايضا تم تعيينه رئيس للحكومة لانه استاذ و معلم و شاعر، كلاهما كانا على صله بالتعليم في القصر و من هناك بدأت المسيرة للعائلة مع علاقة قوية بالملك عبد الله الاول و بالسفارة البريطانية و الحكومة البريطانية قبل ان يحدث تعديل في المسار quot;امريكياquot; و ينتقل زيد الرفاعي الى المنتخب الامريكي شريكا مع الامير زيد بن شاكر و هو ايضا صديق من ايام كلية فيكتوريا.

و يعتبر زيد الرفاعي هو صاحب مدرسة تخريج رؤساء الحكومات بدءا من احتضان عائلة المجالي الى تفريخ quot;طاهر المصريquot; مرورا quot;على ابو الراغب quot;، و كلا من المهندس علي ابو الراغب و طاهر المصري لهما ارتباطا ماليا من نوع ما، سواء مباشر في حالة رجل الاعمال quot;ابو الراغب quot; او غير مباشر من خلال رجل الاعمال quot;صبيح المصري quot; عم طاهر المصري و الذي فرش له الطريق الى المجلس النيابي و الاعيان.

و لم تخرج عائلة الرفاعي من الحكم، او تقصى الا في فترة خلاف حول صفقة سعودية اردنية في التسليح، نتج عنها الدفع بوزير تربية في حكومة الرفاعي الى منصب الرئيس و الذي كان مديرا للمخابرات و صديقا شخصيا للامير زيد بن شاكر.

و من خلال ذلك التيار ولدت حكومات مناوئه لحكومة و تيار الرفاعي نتج عنه حكومة عبد الرؤوف الراوبد لاحقا.
الخلاف الملكي بين الرفاعي و الملك الحسين كان سببا رئيسا في تجسير خط سياسي شرق اردني ظهر بالصدفة الوليدة لحظة غضب ملك راحل على مسؤول من مدينة صفد الفلسطينية بمرتبة رئيس وزراء ووزير دفاع.

اليوم، و مع ربيع الثورات، تفتح الملفات، يتم تداولها و تنظم المسيرات، و يكثر الحديث، و حرارة الشمس الامريكية تحرق اصابع الحكام، و الشعوب العربية تثأر من سكين الحكام و زبانيتهم، من قرف الجشع السياسي و سرقة اموال الشعب و التدليس و الكذب و الحرب على الشرفاء و تهجيرهم و تطفيش الكفاءات و تقييد حرياتهم.
و اقصد القول، ان الوثائق لم تأت بجديد،رؤساء الحكومات لم يأتوا بناءا على تأهيل رغم انهم حاولوا و اجتهدوا و قدموا افضل ما لديهم، و لكن الحقائق واضحة لا تحتاج الى ويكليلكس اردني او فلسطيني،المنصب وراثي لمن quot;لا يستحق quot; و quot;لمن لا يهتم بالشأن الاردني quot; وquot;لمن هو الاقرب الى حضن القصر quot; و quot;الى كل من يقدر على السقوط و يقبل بهquot;.

اليوم رياح الحرية و هواء الربيع القادم هما مفاتيح الحياة الامنة للشعب و المقلقة للقصر في عمان، و هو ما دفع بحديث الملك عبد الله الثاني الى المحطات و الصحف الامريكية تحت عنوان quot; الربيع الايجابي quot;.

ادعو للملك عبد الله الثاني بأن يسلم من quot;الربيع القادم quot; سواء كان ربيعا ايجابيا حسبما اطلق او ربيعا سلبيا كما يصور له من مستشاريه.
التغيير قادم، فاحذر ربيعا بلا زهور.

[email protected]