قبل أكثر من عقدين وتحديدا في تسعينيات القرن الماضي، كتب الشاعر السوري الراحل quot;نزار قبانيquot; قصيدته الرائعة quot;متى يعلنون وفاة العربquot;، ومن أبياتها: أنا منذ خمسين عاما..أحاول رسم بلاد تسمى مجازاً بلاد العرب.. رسمت بلون الشرايين حيناً وحيناً رسمت بلون الغضب.. وحين انتهى الرسم سألت نفسي :إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب..ففي أي مقبرة يدفنون؟ ومن سوف يبكي عليهم؟ وليس لديهم بنات، وليس لديهم بنون، وليس هناك حزن، وليس هنالك من يحزنون.

رد عليه الشاعر السعودي الراحل quot;غازي القصيبيquot; قائلا: نزار أزف إليك الخبر.. لقد أعلنوها وفاة العرب..وقد نشروا النعي فوق السطور..وبين السطور وتحت السطور وعبر الصور.

المشهد تغير تماما عام 2011، ولو قدر للشاعرين الكبيرين أن يعيشا إلى اليوم لكتبا quot;شهادة ميلاد جديدة للعربquot;، فالعالم العربي يولد من جديد، ويقدم للبشرية شهادة معتمدة بأن دوله ليست خارج التاريخ، وأن الصورة النمطية الكاذبة التي رسمت عن العرب من سلبية وكسل وخضوع وخنوع لثقافة الاستبداد والاستسلام ستتغير، فهم الآن يعيدون صياغة التاريخ، ويثبتون أنهم قادرون على المساهمة في الحضارة الإنسانية في ظل نظم جديدة تكفل للمواطنين الحرية والعدالة والمساواة أمام القانون، دماء سالت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا لتروي شجرة الحرية ومع مرور عام تقريباً على اندلاع هذه الثورات، لا تزال الدولة التي أطاحت حكامها تعيش مرحلة انتقالية تتفاوت صعوبتها من دولة لأخرى.
وعلى الرغم من صعوبة انجاز وفاق وطني بين القوى السياسية والثورية في دول الربيع العربي، وتصاعد الخشية من أن ينتهي هذا الربيع بشتاء قارص البرودة يقود إلى انحسار زخم الثورة، فإن تحقيق إرادة الشعوب قادم لا محالة، فالشعوب العربية تتوق إلى العيش الكريم، ودولة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وحين يدخل الرئيس المخلوع quot;حسني مباركquot; القفص، ويحاكم بإرادة شعبية، فهذا يعني ألا احد فوق القانون، لقد عززت الثورات العربية حق الإنسان في مقاومة الظلم والقهر وتغيير الحاكم عبر صناديق الاقتراع.

مع مطلع العام الجديد 2012 يقف العرب أمام تحد جديد، وهو عدم السماح للانتهازيين بخطف الثورة، وألا يسمحوا لأحد باغتصابها أو القفز عليها، وليكن العام الجديد عاما للانطلاق، وتحقيق مطالب الحرية والعدالة والكرامة، لا نريد أن نعود إلى الماضي، لا نريد أن نقول كما قال نزار : أيا وطني: جعلوك مسلسل رعب ٍ نتابع أحداثه في المساء، فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء.

نتمنى أن يحمل عام 2012 جديداً من سوريا واليمن والعراق وغيرها من بلاد عربية تكافح ضد الظلم، نأمل أن تهب رياح الثورة على دول غير عربية تثير القلاقل مثل quot;إيرانquot;، على المستوى الدولي ستظل الأزمة المالية شوكة في خصر الاقتصاد العالمي، وسيظل هذا الاقتصاد في حالة مخاض وحيرة بحثاً عن أسس جديدة لنظام عالمي اقتصادي وسياسي أكثر عدلاً، لقد كشفت أزمة الديون في أوروبا، وقبلها في الولايات المتحدة عن مخاطر الرأسمالية المتوحشة التي تغيب عنها العدالة الاجتماعية بشكل دفع الناس في أكثر من90 مدينة عالمية في أمريكا وأوروبا وآسيا إلى التظاهر في الشوارع، احتجاجا علي أمراض العولمة، يطالب المحتجون الذين تحدوا برودة الجو والصقيع والثلوج بأنظمة أكثر عدالة ومراعاة للبعد الاجتماعي.

ما يهمنها أن الهوية العربية الآن يعاد رسم ملامحها من جديد، فالمواطن العربي كان يعاني الفقر في ظل نظم حكم مستبدة، ويعيش ذليلا صامتا لا يجروء على الكلام، الآن كسر هذا المواطن حاجز الخوف، وخرج عن صمته يصرخ، وتحول من مفعول به إلى فاعل، قد حان الوقت أن تتخلص شعوب بعض دول العالم العربي التي تعاني القهر والظلم والفقر ممن حاولوا خنقهم والنهوض لأخذ مكانة لائقة بين شعوب الأرض.

اهنىئكم جميعا وقراء إيلاف بالعام الجديد وفي الختام لن أجد كلمات احلي مما جاء في قصيدة quot;نزار قبانيquot; :
أحاول رسم بلاد.. لها برلمان من الياسمين.. وشعب رقيق من الياسمين، تنام حمائمها فوق رأسي وتبكي مآذنها في عيوني، أحاول رسم بلاد تكون صديقة شعري ولا تتدخل بيني وبين ظنوني ولا يتجول فيها العساكر فوق جبيني.. أحاول رسم بلاد تكافئني إن كتبت قصيدة شعر، وتصفح عني إذا فاض نهر جنوني، أحاول رسم مدينة حب تكون محررة من جميع العقد فلا يذبحون الأنوثة فيها ولا يقمعون الجسد.
فؤاد التوني
إعلامي مصري