لم يكن الامام علي ( ع ) وحده من تشكى من مزاجية وخصوصية العقلية العراقية المتعبة. الامام علي وصف أهل العراق باوصاف مختلفة متغايرة مرة في المدح وأخرى في الذم يرجع ذلك الى مزاجيتهم المتغيرة ففي مناسبة خاطبهم : ( انتم ذروة العرب ) أو (سنام العرب ) وقال عن أهل الكوفة : ( انها جمجمة الاسلام وكنز الايمان وسيف الله ورمحه ) وفي موقف مغاير اخر وصف أهل العراق قائلاً ( يااهل العراق يااهل الغدر والنفاق... ملئتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نُغب التهمام أنفاساً.) هذه الخطب للإمام علي في نهج البلاغة معروفة بأسبابها ودلالاتها ومناسباتها، وهذا الوصف المختلف كثيرا ماينطبق على حقيقة طبيعة الشخصية العراقية ذات الاصول البدوية مزاجية الهوى ملتوية النزاعات كثيرة الجدل صعبة الارضاء والاقناع ميالة لحب الزعامة و القيادة وكما وصفهم علي الوردي : (منشقون على انفسهم متفرقون).

يقال ان الاسكندر المقدونى بعد فتحه العراق عام 331 م اشتكى ايضاً من العراقيين عند استاذه الفيلسوف ارسطو قائلاً : quot;لقد اعياني اهل العراق، ما اجريت عليهم حيلة الا وجدتهم قد سبقوني الى التخلص منها، فلا استطيع الايقاع بهم، ولا حيلة لي معهم الا ان اقتلهم عن آخرهمquot;. ويقال ان ارسطو اجاب الاسكندر : quot;لا خير لك من ان تقتلهم، ولو افنيتهم جميعا، فهل تقدر على الهواء الذي غذى إطباعهم وخصهم بهذا الذكاء؟quot;

وبحسب ما يذكر الاستاذ ابراهيم الحيدري في احدى مقالاته القيمة:عندما عمل حسني مبارك في قاعدة الحبانية طياراً لمدة سنتين quot; قال عنهم quot; شعب متنوع صعب التعامل معه يتصف بالعناد والكبرياء والعنجهية ولا يمكنهم ان يستمعوا ابدا الى احد ينصحهم، ولا يمكنهم ان يتقبلوا ابدا حتى شرطي في شوارع بغداد ينظم عملية سيرهمquot;.

ليلى البحراني

التاريخ السياسي العراقي والحروب والغزوات القديمة والحديثة وقساوة الحكام اللذين حكموه كانوا وراء تكوين هذه الطبيعة القاسية العنيدة الصلبة والكثيرة الجدل فمنذ سقوط بغداد على يد التتر التي حولت بغداد الى انقاض وصولاَ الى دكتاتورية صدام حسين الذي حكم العراق بالحديد والنار ثم استقر الأمر الى حكومة تمتاز بالفساد والإرهاب كلها كانت وراء.هذا الطبع المميز للعراقيين وقد ظهر جلياً في العملية السياسية الحاضرة وإلا هل يعقل بعد مرور مايقارب العشر سنوات ولا يزال العراق حائراً في اختيار أي الحكومات هي الأفضل للحكم. حكومة شراكة وطنية !!!! أم حكومة اغلبية !!!!! بعد أن وصلت سفينة العراق الى خراب ما يسمى بالبصرة و لايزال السياسي العراقي حائراً في امره وليس في أمر مواطنه الذي مليء قلبه قيحاً من معظلة ومشاكل نزاعات الكتل السياسية فيما بينها.

الشكاوى التي يتذرعون بها من أن العملية السياسية وصلت الى طريق مسدود بسبب حكومة الشراكة الوطنية وأزماتها المعقدة إنما هي أعذار لا تكشف حقيقة الواقع الصحيح بقدر ما تكشف فعلا الطبيعة العراقية التي وصفها علي الوردي (العراقيون منشقون على انفسهم متفرقون ) اضافة امور اخرى سأئتي على ذكرها.

حالات كثيرة من الدول مستقرة و متأقلمة ضمن حكومة شراكة وطنية او حكومة اغلبية او ضمن ائتلافات مختلفة كما هو حاصل في ائتلافية تضم أكثر من 14 حزبا مختلفا في الهند وفي ألمانيا نادراً ما يتألف ائتلاف من أكثر من حزبين لا يتنافسان ضد البعض وعادة ما يشكلان قائمة انتخابية واحدة لذا يعتبران انفسهم من حيث الواجب الوطني حزباً واحداً في الاداء، أما في بلجيكا حيث توجد أحزاب سياسية للناطقين بالهولندية وأخرى للناطقين بالفرنسية فإن وجود ائتلافات تتكون من ستة أحزاب أمر شائع عندهم. أما فنلندا فقد شهدت أكثر الحكومات استقراراً منذ الاستقلال في ظل تحالف مؤلف من خمسة أحزاب.

لو أجرى سياسيو العراق استفتاءً لكل طبقات الشعب العراقي ووجه اليه سؤال عنوانه اي الخيارات هي افضل لإدارتهم وإدارة البلد؟ يقيناً سيكون الجواب : لا تهمني ولا اكترث بالعناوين أريد ماءً وكهرباءً وأريد دولة ذات مؤسسات تخلو من الفساد والإرهاب وأريد أمناً أريد دولة تحتضنني وتحفظ كرامتي أريد قاربا يوصلني الى ساحة النجاة والأمان حين ذهابي ورجوعي الى البيت. ولا أريد منكم ان تجعلوا ارض العراق حقلا للتجارب السياسية لافائدة منها.

مشكلة العراق لا تكمن كما قلت بالعناوين. و من يقول أن تجربة الشراكة الوطنية فشلت فشلا ذريعاً ويروج باالاتجاه نحو حكومة الاغلبية لعلها تواجه حظوظاً أكبر في النجاح انما يحاول ان يوهم نفسه في حالة مثل العراق الملتهب، فهل حكومة الاغلبية ستجلب وصفة الدواء الشافي لقادة العراق وشجاراتهم الطويلة والعريضة، ومن الذي يضمن أن حكومة الاغلبية ستوفر الحل السحري لهذا الوطن الغارق بكل ما انزل الله به من الجراحات العميقة والاوجاع والمشاكل التي لا تنتهي، ومن الذي سيراهن ان الكتل التي تتصدر دور المعارضة تمتلك ثقافة المعارضة كباقي الدول المتقدمة ومن الذي يضمن ان الفرد العراقي البريء سينام رغدا ومطمئناً من التفجيرات.

العراق يعاني من أزمة إخلاص وأزمة افتقار حب لهذا البلد المريض وهذا البلد اليتيم رغم عطاءه الوافر، هذه العوامل هي وراء انهيار البلد وهذه هي القصة الحقيقية، فمن يحمّل حكومة الشراكة الوطنية السبب هو حقيقة لايريد أن يضع اصبعه على الجرح.

اضافة الى الولاء العراق تنقصه مشاريع العمل الصادقة وليست الوهمية، فعلى مستوى الأحزاب أو الكتل لم نلمس أي مشاريع خدمية واضحة طرحت على الشعب أثناء الحملات الانتخابية أسوة بباقي الدول عندما تتسابق بمشاريعها الخدمية في مجال الطب والتعليم والبيئة والتوظيف لتفوز بحملاتها الانتخابية. مشاريع وراءها استشاريون أكفاء وأخصائيون في مجالاتهم مشاريع لن تكون حبراً على ورق فهي ليست للدعاية الانتخابية فقط بل لتطبيقها على الواقع أيضاً بعد الفوز.

نزاعات بين الشركاء الاعداء في العراق لاتنتهي وسط احداث اقليمية في غاية من الخطورة تنذر بتغيير شامل للمنطقة مرسوم لها أصلاً احداث تتسارع تنذر بوشوك حرب اقليمية شرسة يمكن أن تتسع الى حرب عالمية والعراق ليس في منئ من هذه الحرب الزاحفة له حدودياً ومن كل الاتجاهات.

إذا كان البعض من السياسيين قد أدرك بصدق خطورة الموقف ومن باب الحرص الوطني على العراق وأراد القفز الى حلول أخرى سريعة متداركة كأن تستبدل بحكومة اغلبية أو إعادة انتخابات لابد البدء بتغيير وجوه كبيرة خاصة عندما يؤخذ بالاعتبار أن هناك اخطار ساخنة تنذر بحرب زاحفة اقل مايمكن ان نقول عنها مؤجلة لوقت ليس بالبعيد قد تهدد بعد عملية التغيير في سورية الى طوفان كاسح وليس غرابة والقراءات كلها تشير أن العراق هو نقطة الفوضى الرئيسية التي سيعم منها الطوفان الطائفي الجارف.

وليقرء كل واحد منا مامعنى وصول 16 الف جندي امريكي من بينهم مترجمين في اللغة العربية أو الفارسية الى العراق و العدد مرشح للأزدياد، الجدل من اين جاءوا وكيف جاؤوا هذا لايهم قد يكونوا عبروا الحدود الاردنية المهم لماذا هم في العراق ! القراءة الأولية للتوقعات القادمة هو أن العراق محاط بمنظومة دفاعية ثلاثية أمريكية مستقرة في الخليج مدججة بكامل سلاحها المتطور فاي تغيير قادم من سورية ستصحبها في ان واحد صواريخ امريكية اسرائيلية تنهال على ايران بسبب ملفها النووي، يعني ان فتيل عود الثقاب ودخانها اذا ماابتدء بالاشتعال من اي جه ستسري نيرانه نحو العراق. الامريكان لم ياتوا الى العراق لحماية أسواره وأبوابه المكشوفة الصدر بقدر ما يكون العراق هو المنطلق الرئيسي للتراشق العسكري لأجل حماية مصالحهم في مضيق هرمز وباقي الدول النفطية من تبعات ردود الفعل الإيرانية عليه

الشعب العراقي لا اعتقد انه يتفائل خيرا لأي تبديل مقبل تحت أي من المسميات. الحالة في العراق مرشحة نحو الأسوء، انه مصاب بالياس والاحباط فهو لايقبل في حال وجود ضرورة بإلغاء هذه الحكومة واستقالة البرلمان وبمجيء حكومة البديل ( الاغلبية ).

باقل من تبديل معظم الوجوه السياسية لجميع الاحزاب من الكتل والقوائم الحاضرة والتي شاركت في خراب العراق ومسخ الشخصية العراقية وقبل ان تبدء مجرفة الطوفان القادمة من سوريه وايران والا لايمكن الاستمرار في هذه المهزلة التي تستغل العقول البسيطة تحت ذرائع حكومة الشراكة الوطنية أو حكومة الاغلبية مالم تترافق بعملية اصلاح جذري وصحوت ضمير شاملة واولها تبديل ومحاسبة معظم الوجوه التي لاتنفع.