ما بين مفاهيم الأغلبية الصامتة والغلابة والقطيع يتوقف المرء في بلداننا حائرا متسائلا، هل فعلا إن الأهالي كلهم صامتون أم أنهم صم بكم لا يفقهون، أم ان نصفهم مشلول والنصف الآخر معاق!؟
وإذا كانوا صامتين فهل صمتهم عن دراية أم يأس وإحباط، أو عن صبر بعده أمل بفرج أو انه استكانة؟ أم أنهم فعلا غلابة مساكين وليسوا أكثر من قطيع في بلاد ما تزال تعتبر نصفها الثاني حريم وعورة وعبيد؟

وفي معمعة هذه التساؤلات ينبري السياسيون في طبقاتهم العليا والوسطى والسفلى وأشكالهم التنفيذية والتشريعية والرئاسية، وخاصة مجموعة ( نساء الكوتا ) التي تمثل أي شيئ الا النصف الثاني من المجتمع، لتوظيف كل ما ذكرناه من احتمالات وأسئلة للإعلان دوما وابداً عن انهم ما وجدوا الا لخدمة الأهالي والمواطن الغلبان، ليس اليوم فحسب بل منذ عشرات السنين وهم يعزفون ذات الأنغام ويرفعون ذات الشعارات وان اختلفت في العناوين والتعهدات والأسماء لكنها نابعة من ذات العقلية، والغريب ان هذا المواطن بقي هو هو وما تغير الا نحو الاسوء، الى درجة أن أي مواطن في منطقتنا يتحسر دوما على وضعه في الماضي!؟

ولعلنا نتذكر جيدا تلك الآلاف المؤلفة من هذه الأغلبية الصامتة أو الغلبانة أو المستكينة وهي تزحف مختارة أو مغصوبة، لتأييد الملك أو الزعيم أو المفدى أو المنقذ، هي ذاتها التي خرجت فرحانة بعيد جلوس الملك أو بالانقلاب على الملك أو بالانقلاب على الانقلاب، وهكذا دواليك في مصفوفة أو متوالية لا أول لها ولا آخر منذ حجاج العراق وحتى يومنا هذا الذي يرى فيه المتفائلون حلا سحريا لتداول السلطة ديمقراطيا في مجتمع يئن من الأمية بكل أوجهها الأبجدية والحضارية، وما زال يتقوقع في داخل بودقة العشيرة والقرية، وينتمي الى المذهب والدين قبل انتمائه لنوع صنفه أو مكان عيشه مع الآخرين؟

وبينما يتم استنساخ زعماء وأنظمة بأشكال شتى ووسائل مختلفة تارة بالسطو على القصر الرئاسي وأخرى بمساعدة أصدقاء دوليين على غرار ما حدث في العراق وليبيا واليمن وسوريا ( والحبل على الجرار ) أو باستخدام آلية صناديق الاقتراع تحت مضلة الانتماء القبلي والمذهبي لتأسيس نظام لا يدرك هويته الا رب العباد، ينبري السياسيون اللاحقون بلعن ما قبلهم واتهامهم بالخيانة والعمالة والاستبداد ليبنوا ممالكهم الخاصة التي تبدأ من الجيب ولا تنتهي الا في ارض الله الواسعة خارج البلاد!؟

وعلى خلفية هذا المشهد وما أنتجته صناديق الاقتراع وديمقراطية العشيرة والمذهب والدين، ندرك ان المعضلة الكبرى ليست في شكل النظام ومن يحكم بل في من يربي هذه الأجيال ويدجنها لهذه الأنماط من الحكم، وفي شكل المجتمعات وعلاقاتها الداخلية وتعاطيها مع المرأة والحضارة والمواطنة كمفهوم مدني سامي، وحتى يتم تثوير نظم التربية والتعليم ومناهجها وعلمنة الدولة وفصل الدين عنها وبلورة مصالح عليا للبلاد تحت سقف مفهوم راق للمواطنة الحقة ستبقى ثقافة القطيع هي السائدة في بلدان أدمنت الأمية بكافة أشكالها، واستبدلت الوطن بالقرية والشعب بالعشيرة والجيوب بخزائن الدولة أو بيت المال، لكي يبقى القطيع كما هو يجتر ما في داخله ويلهث وراء من يقوده أملا بالماء والكلأ والوجه الحسن!؟

وسيبقى المواطن ايضا وفي كل الأحوال وكل الحقب لا يولي أي اهتمام بشكل النظام وهيأته بقدر تعلق الأمر بمصالحه الأساسية ( الخدمات ) وهي ذاتها محط اهتمام أي مواطن على سطح هذا الكوكب، إلا ما وقع منهم تحت تأثير الإيديولوجيات التي تعد المواطن بمنحه مفاتيح الجنة سواء ما يتم تأسيسه هنا على الأرض من خلال النضال الاممي أو هناك في العالم الآخر، حيث يستغني المواطن الغلبان عن حقوقه في الحصول على تلك الخدمات لحين تحقيق الجنة الموعودة لدى طرفي المقاولة!؟

[email protected]