quot;بسبب دورها الرائد في التبشير بالعلمانية والتغريب وما يسمى بالإعتدال الدينيquot; هذا السبب الذي ذكره المتحدث بإسم حركة طالبان الباكستانية لتبرير محاولتها اغتيال الطفلة ملالا يوسفزاي ناشطة تعليم المرأة في إقليم وادي سوات غرب باكستان. لكن الحقيقة مختلفة وتحتاج للنظر في الأعماق.

طالبان منظمة كبيرة ذات أهداف ورسالة واضحة، هذه الرسالة تتصف كما نعلم بنظرة شمولية قاتمة لكل الحياة إذ هي تمتح شرعيتها من تطبيق أقسى أشكال الإسلام السني وأكثرها جفافاً، هذه الشمولية تصغر وتتقزم أمام شمولية أكثر خطراً تتبناها الطالبان، هي الأصل في الحقيقة، وهي مطلق الجماعة أو شمولية الدولة.

إن رغبة الإنسان بالإنتماء إلى جماعة أكبر منه هي غريزة عميقة وقديمة قدم أولى التجمعات البشرية في فجر التاريخ، وهذه الرغبة هي التي قادته لتكوين القرى لفلاحة الأراضي الخصبة ثم أتى دور المدن حيث تطورت و تعقدت حياة ومعاملات هذا الإنسان، فلقد وعى الإنسان في المدن أنه يتحتم عليه أيضاً إنشاء تجمعات أخرى ينتمي إليها لتحمي مصالحه وتجعل إتصاله بالآخرين مؤطراً بأعراف وقوانين تم تدولها والإتفاق عليها.

وعندما تقدمت القرون قليلاً ظهرت الدولة، أهم الإختراعات البشرية وأصعبها، كون الدولة المظلة التي تجمعت تحتها المشارب الفكرية والدينية والمصالح الطبقية والتجارية لم يمنع من بقاء مسافة كبيرة بين الدولة كمنظم أعلى للسكان وبين الفضاء الحميمي والخاص بحياة الأفراد.

وعندما بزغ القرن الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا أدت الغليانات الفلسفية والصراعات السياسية إلى تحول حاد في مفهوم الدولة أو الجماعة أو الحزب أو التنظيم. فقد وضعت الفلسفة الغربية المادية الحديثة الإنسان مركزاً للكون بعد أن قامت بإقصاء الإله والأديان وتحطيم الغيبيات، ولكن في غياب أية معايير أو مباديء متجاوزة للإنسان نفسه، فإن هذا المركز قد يكون فرداً عادياً، لتستشري نزعة نفعية شخصية حادة، وقد يكون عرقاً أو مذهباً أو ديناً لتعلوا نزعات التطرف والإستعلاء والتفوق، أو يكون المركز حزباً أو تنظيماً أو دولة لتظهر الدكتاتورية والشمولية.

مروان البلوشي

يقول الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز أن الدولة أو الجماعة، في حال غياب قيم إنسانية ديمقراطية ظابطة لها، ستكون جهازاً شمولياً مستمراً يأسر الوطن كله، وهذا الجهاز لا يكترث بالفرد ولا بالإنسان، ولا بالخصوصيات ولا بالأحلام الفردية أو القيم الإنسانية، فهو يتجاوز الإنسان ليدجنه ويسحقه، ولا يمكن للإنسان أن يتجاوزها. وهو لا يسمح بظهور البديل أو المختلف وفي حال ظهوره فإنه يعتبر منافساً يجب إنهائه وتصفيته. يختصر هوبز المسألة ليسمي هذه الجماعة أو الدولة بتسمية معبرة وموحية : الدولة/التنين!

هذه النزعة انتقلت بطبيعة الحال لشرقنا المتعب والظالم لنفسه بدون الترياق المصاحب لها (الديمقراطية) لذا نلاحظ أن الدول عموماً والأحزاب والجماعات خصوصاً بمختلف أطيافها وبالذات الثالوث المقدس: القومية واليسارية والإسلامية أصبحت كيانات مطلقة ومتضخمة وضاغطة على الإنسان، لا تقبل النقاش أو الإختلاف أو منافسة رؤاها وتصوراتها.

من هذا المدخل نستطيع أن نفهم محاولة الإغتيال الجبانة التي قامت بها حركة طالبان (فرع باكستان) ضد الطفلة ذات الأربعة عشرة ربيعاً ملالا يوسفزاي.
على الرغم من كل مؤهلات طالبان الدينية المتشددة ورغم تعاطف شرائح عربية واسعة معها، باعتبارها حركة أقامت ذات يوم إمارة إسلامية، إلا أنها لم تستطع (ويا للسخرية) الخلاص من هذا المؤثر الغربي الذي جعلها وحشاً في شكل منظمة. وفي حالتها فإن طالبان هي بالمختصر، تجميع لرؤية مطلقة وواحدية معادية للفرد وتتوجس من المرأة ومن بؤر التغيير والحداثة أياً كانت، فهؤلا جميعاً منافسون لها.