ربما عَكَس موقفُ المسلمين من laquo;إعصار سانديraquo; ما يماثله تقريبا من ارتباك في عقليات قسمٍ من المسلمين، إزاء الغرب، وأمريكا التي تخالفهم في المعتقد وفي الثقافة، والفكر، كما تخالفهم كثيرا في المواقف السياسية من قضايا العالم الإسلامي.

البعد الإنساني:
من البَدَهيِّات أن يتعاطفَ الإنسانُ مع أخيه الإنسان، في محنته، وفي الظروف القاسية التي تُسببها الكوارثُ الطبيعية، وقد تلمُّ بأية أمة، أو شعب، فالزلازل تضرب منطقتنا، وكذا الأعاصير، أحيانا...فيمكن أن تُغتَنم هذه الضارَّة، فيما ينفع من التهيئة لخطاب إنساني يُمكن البناءُ عليه.

ومن يستقرىء التشريع الإسلامي، من القرآن والسنة، يجد الكثير من الدلائل على هذا البعد الإنساني الأساسي، كما في قوله تعالى:laquo; وما أرسلناك إلا رحمة للعالمينraquo; حتى إن الرحمة كانت سببا في دخول امرأة زانية الجنة، كما جاء في الحديث:laquo; بينما بغي من بغايا بني إسرائيل تمشي، فمرت على بئر ماء فشربت، وبينما هي كذلك مر بها كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فعادت إلى بئر الماء؛ فملأت موقها، -أي: خفها- ماءً، فسقت الكلب؛ فغفر الله لهاraquo;.

وغير ذلك الكثير، ولكن الناس اليوم، في منطقتنا العربية، والإسلامية ينطلقون من الانفعال، والغضب، أكثر مما ينطلقون من التفكير والإنسانية.. وهم يخلطون بين مواقف الدول الغربية المتورطة في الازدواجية، والنفعية المجردة من القيم، من جهة، وبين الموقف الذي ينبغي أن يحافظوا عليه؛ لأنه الأليق بهم، والحقوق الإنسانية الطبيعية لتلك الشعوب الخاضعة لتلك الدول، من الجهة الأخرى.

فالشعوب الغربية، ومنها الشعب الأمريكي، خليط كبير من الناس، بتوجهات فكرية، واهتمامات متنوعة، فمن المغالطة مخاطبتهم ككتلة واحدة، والأدهى أن يُخاطَبوا ككتلة عدوة، قد حُسمِتْ عداوتُها، ولم يتبقَ إلا الدعاء بالإجهاز عليها!!!

والعاقل، لا يُكثِّر أعداءَه، ولا يعادي مَنْ لا يعاديه، بل قد لا يعادي، من تُرجى مودتُه.

وهذا الخطأ الفادح الذي وقع فيه من راحوا يشنون حربا غير مقيَّدة، على الغربيين، وغيرهم، تصل إلى المدنيين، ومِثْلُ هذا العدوان الفعلي يتجاوب مع تلك العدوانية الثقافية النفسية، عند قسمٍ من المسلمين.


الدعاء، سلاحا فعالا!
الدعاء عبادة، ومنه ما يكون من المظلوم على ظالمه، ولكن اللهَ ليس طوعَ أمرِ الناس: دَمِّرْ هذا البلد، وأهلِك هذا الشعب. وانْتَقِمْ لي مِنْ هذا الإنسان...!

ليست المشكلة في الدعاء، بحد ذاتها، ولكن في هذه العقلية العدوانية الثأرية التي قد يستبطنها الدعاء، (عمَّال على بطَّال) كما يقولُ إخوتنا المصريون.

فلا تُختزَل المواقفُ في الدعاء، لا خيرا، ولا شرا، وإنما هناك التفكير والعملُ المسبوق بالفكر.

وكثيرا ما يردد بعضُ الخطباء على المنابر:laquo; اللهم أهْلِكْ الكافرين، ودمِّر بلادهمraquo;! وهذا عجيب؛ لأنه يعني أنك تسعى إلى تدمير كل من ليس مثلك في الدين، مع أن الله خلق الناس مختلفين، وسيبقوَن كذلك. هذا لا يعني أنَّ المسلم لا يدعو إلى ما يعتقده الحق؛ فهذا طبيعي، في كل من يحمل فكرا، أو معتقدا، أنه يدعو، من باب حب الخير للناس، إلى ما ارتضاه لنفسه، واعتقده الحق، والخير؛ ليعمم الخير عليهم، وفق ما يظن.
أمريكا لم تُطِق العداء:
لقد لقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما غيرَ قليل من التأييد العالمي، وحتى في منطقتنا، ولا سيما أول ما تولى الرئاسة، وبعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة؛ لأنه تبنى لهجةً تصالحية إنسانية، تحترم الآخرين، مع أن سياسات الدولة الأمريكية، ووسائلها لم تختلف جوهريا في عهده؛ فهذا البعد الإنساني متى يظهر لا بد يؤثر في النفس؛ لأنها مركبة عليه، إلا مَن فسدت فطرته.

بالطبع كان هذا الخطاب، وتلك السمة مهمة للولايات المتحدة، بعد خطاب بوش والمحافظين الجدد الذين تبنَّوَا وجهة نظر صموئيل هنتجتون في صراع الحضارات؛ فأفرزوا مقولة: laquo; مَنْ ليس معي فهو ضديraquo;.

وعلى الرغم من كل وسائل التفوق المادي الأمريكي، إلا أن العقلاء في واشنطن لم يُخفوا تضرُّرَهم من الصورة السلبية التي تركتْها تلك السياساتُ الصِّدَامية على وضع الدولة الأولى في العالم.
فليست الجيوش والأساطيل والقواعد العسكرية المنتشرة حول العالم، وليست التقنية الهائلة والامتيازات العلمية والتقنية كافيةً لرَدْمِ الفجوة المعنوية، حتى ما يُسمى بالقوة الناعمة، من أدب وفنون وأشكال ثقافية أخرى تصبح قاصرةً أمام خطاب سياسي استعلائي، وسياسة فعلية صدامية إقصائية.

فإذا كانت أمريكا، اضطرت إلى مصالحة العالم، والعالم الإسلامي، ولو في اللهجة، والخطاب اللفظي، فإنَّ المسلمين أَوْلى بهذا، مِنْ غير وجه، ولأكثر من سبب.

فأمريكا ليست العالم، وقد أدركت ذلك، وراحت تطلب التعاونَ والتحالف مع دول العالم، وهي مرشحة للاستمرار في هذه الاستراتيجية، حتى لو فاز المرشح الجمهوري، ميت رومني الذي يفهم المِزاجَ الأمريكي الرافض لحربٍ جديدة؛ فإذا اضطرت واشنطن إلى حربٍ لا بد أن تسمح لها علاقاتُها بخوضها مع دول حليفة، أو صديقة.

والمعنى أن الأفكار الفاشية والعنصرية والعدوانية مصيرها إرهاق حامليها، مع إرهاق الآخرين، وأنَّ التوسع والانتشار الثقافي، أو الفكري لا بد أن يستند إلى مشروعية إنسانية معقولة، مع الوسائل المادية.

وهنا يحتاج المسلمون إلى خطاب إنساني يَسَعُ، ويجذب، أكثر مما يطرد، وينعتق من إسار الهزيمة، واليأس الذي لا يملك إلا زفراتٍ من الغضب، ومقدارا من الشتائم والدعوات الخارجة عن السياق.

ولا نقول إن هذا هو الحال العام، فالتنوع، والتفاوت في الوعي، أيضا يحتمله المسلمون، وَفْق الثقافة والبيئة الاجتماعية والجغرافية، ومقدار التواصل الفكري، أو الانطواء.

[email protected].