طالما استخدم النظامُ في سورية التخويفَ من القاعدة؛ لإقناع الغرب وأمريكا بأهميته، أو على الأقل، أفضليته، على البديل المخيف...وكذلك فَعَل القذافي، وكذلك كان تلويح النظم المستبدة، ومنها نظام مبارك وزين العابدين، وصالح في اليمن، فهي الضمانة لمنع تفاقم التطرف الديني، والاعتداء على المصالح الغربية.

واليوم، نشهد تصاعدا ملحوظا في نشاطات القاعدة، والجماعات المُقرَّبة منها، في القاهرة، حيث القبض على خلية كانت تنوي ndash; بحسب الأمن المصري- استخدام الأسلحة في هجمات إرهابية في عيد الأضحى في القاهرة، وكذلك فَعَلتْ عَمَّان. وفي مدينة درنة الليبية، حيث تضعف سيطرةُ الدولة، تنشط جماعاتُ القاعدة، وأما اليمن فقوةُ القاعدة فيه لا تخفى. ولا يزال التوجيهُ العام من أيمن الظواهري، خليفةِ ابن لادن، يرتفعُ مُطالِبا بخطف الأجانب الغربيين؛ للمساعدة على إطلاق سراح المسجونين، من أنصارها في سجون أمريكا، والغرب... وفي شمال مالي يلتهب الوضع ndash; بحسب الـ laquo;لومندraquo; التي حذرت من تداعيات ذلك على مجمل منطقة الساحل الإفريقي، مشيرةً إلى أن العد العكسي لتدخل عسكري وشيك في المنطقة قد بدأ بالفعل؛ لمحاربة الجماعات المسلحة المتصلة بالقاعدة التي تسيطر على المنطقة، وتهدد بزعزعة استقرار المنطقة برمتها، والتي يتدفق عليها السلاح من ليبيا، بعد سقوط نظام القذافي.

فهل يسهم ذلك في استبقاء الأسد؟
من المعروف أنه من ضمن الدَّعَاوى الروسية لموقفها من laquo;الثورة السوريةraquo; التحذير من laquo;العناصر والجماعات الإسلامية المتطرفةraquo; التي لها تأثير كبير، أو مَخُوف، بحسب، موسكو. ومن الأسباب المعلنة للتلكؤ الأمريكي في دعم الثورة انتفاءُ الضمانات بأنَّ هذا الدعم العسكري، تحديدا، لن يذهب إلى laquo;الجهاديينraquo;، ولذلك حرص المرشح الجمهوري، ميت رومني، على التمييز بين من يستحق الدعم ممن يشارك أمريكا ثقافتها، وبين من يعاديها ومع تراجع التدخلات الأمريكية، والعودة عن السياسة الاستباقية إلى ما يسمى بالقيادة من الخلف، صار اللجوء إلى الوسائل القوية والمبادِرة أقلَّ احتمالا، إلا إذا تحققت واشنطن من خطر وشيك، وخسارة أكبر، فإنها قد تسارع إلى التعاون مع حلفائها الدوليين والإقليميين، من أجل دفعه، والإشراف على التغيير؛ لكي يكون أكثر أمنا.

من المعروف أن القاعدة قد وجدت قبل الربيع العربي، ولوجودها أسباب وظروف خاصة، فلا علاقةَ جوهريةً بينها وبين الثورات، أو laquo;الربيع العربيraquo; بل إن الحشود التي كانت تخرج سلمية وشعبية في ميادين الثورات، كالقاهرة واليمن غطت، في حينها، على صوت القاعدة الديني الراديكالي، والعنيف، ولكنها ظلت، وظل فكرُها كالجمر تحت الرماد، ما إنْ يجد بيئة مناسبة، وعوامل مساعدة، حتى يتحفز من جديد..

وقبل الثورات كانت النظمُ المستبدة من عوامل اتقاد الخطاب العنفي، فمن الناحية الموضوعية لا تمثل النظم الجديدة الأقل استبدادا، بالتأكيد، سببا لازدهار laquo;الخطاب المتطرفraquo;، فضلا عن أن وصول جماعات إسلامية عريقة، كالإخوان، إلى السلطة، من شأنه أن يمتص قدرا من المشاعر الدينية، ولكن إذا كانت طبيعة النظمُ الجديدة لا يُقوِّي القاعدة، فقد يكون ضعفُها هو الذي يسمح فعليا، بصعود الجماعات الجهادية، وامتدادها في مناطق ضعف السيطرة الأمنية، كما في شبه جزيرة سيناء، في مصر، وفي مدينة درنة الليبية. وهنا المسألة متعلقة بالجهوزية الأمنية، والتخطيط والقدرات والمعلومات، والتنسيق مع واشنطن، وهي أمور لا تمانع في تطويرها حكوماتُ laquo; الربيع العربيraquo; فأمريكا تنخرط، فعليا، بطائرات دون طيار، للمراقبة وجمع المعلومات، كما في ليبيا، مثلا، وبالهجوم والاستهداف، كما في اليمن... فالقرار السياسي متوفر، وقد فاق الرئيس الإخواني، محمد مرسي، مبارك، في الحملة الأمنية، ضد الجماعات المسلحة في سيناء.

فكيف يمكن أن تستفيد القاعدة من النظم أو الأوضاع التي أفرزها laquo; الربيع العربيraquo;؟

عن طريق بيئة اجتماعية مساندة؟ أم عن طريق بيئة ثقافية أقل عداوة؟ أم بسبب انشغال، أو توزُّع جهود الحكومات الجديدة؟

صحيح أن مساحة الحرية، بعد laquo; الربيع العربيraquo; ستكون أوسع، ولكن فكر القاعدة تحديدا ونشاطاتها ستكون خارج هذا السياق، حتى الجماعات الإسلامية غير الإخوانية التي كانت تنهج النهج العسكري، سابقا كالجماعة الإسلامية في مصر لا ترحب بخاطب القاعدة؛ ما يمهد لضربها، في حال أقدمت على أعمال قتالية واعتداءات؛ فالقاعدة لم تنجح في تكوين حاضنة اجتماعية، إلا في بعض المناطق المحدودة.

والجديد الممكن في الحالة العربية هو ارتخاء القبضة الأمنية، أو توزع الاهتمامات، ففي ليبيا مثلا، ثمة ضعف أمني واضح؛ لأنها بلد في طور التشكل، وأجهزة الدولة الأمنية لا تحكم سيطرتها على قسم من المدن، والبلدات، والمساحة واسعة؛ ما يسمح لتلك الجماعات بالتفرق في المناطق البعيدة، والجبال، فضلا عن الفرصة التي توفرت لتلك الجماعات بالتسلح المتنوع، أثناء الثورة، من أسلحة كتائب القذافي. وأما سورية فإن المخاطر التي من الممكن أن تنشأ عن سقوط الدولة في أيدي الإسلاميين المقربين من القاعدة أكثر خطورة، وأوسع تأثيرا؛ بحكم موقع سورية الذي يتوسط منطقة بالغة الحساسية، وبجوارها إسرائيل التي تحتل الجولان، ولبنان الخاصرة الضعيفة، والعراق الذي يشهد أوضاعا أمنية غير مستقرة، أصلا، والذي عانى من القاعدة، والتفجيرات لا تزال تطل برأسها، بين الحين والآخر. ولذلك تميل السياسة الأمريكية إلى مزيد من الحذر، في التسليح، كما تحرص على منع تفكك الجيش، ومؤسسات الدولة.

الداء والدواء:
أما نظام الأسد فهو داء أكثر منه دواء؛ فهو على حاله من الضعف المفضي إلى مغامرات خطرة، يعمل على تصعيد ردود الأفعال الساعية إلى مساواته في المقدار، ومضادته في الاتجاه، والتحذير قائم من تولد بيئة مساعدة لخطاب القاعدة؛ بسبب التخلي الغربي عن الثورة، ودعمها، أو تسليحها. فبعد محاولة نظام الأسد إشعال الأوضاع، في لبنان، عن طريق (تفجيرات سماحة) وإشارة أصابع الاتهام إليها، باغتيال اللواء وسام الحسن، حتى من محسوبين عليها، أو غير معادين لها على الأقل في لبنان، وعلى رأسهم، رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، فإن المخاطر الناشئة عن بقائه لا يمكن أن يُتهاون بها...

وإذا كانت إيران قد وجدت فرصةً للتعاون مع القاعدة، فإن النظام السوري غير مستبعد عنه نظريا هذا الاحتمال في لحظة مستقبلية...وقد كان له سابقة، أو سوابق، واتهمته حكومةُ المالكي، في بغداد، بإرسال الانتحاريين، ولم يكن الأسد مضطرا لذلك، كاضطراره اليوم، وبالرغم من العداء الحالي بينه، وبين القاعدة فإن انفتاحه على مثل هذه الخيارات، ولو مع عناصر مخترقة في القاعدة أمر وارد. وكما يخشى الغرب وأمريكا من أن تؤدي إطاحة الأسد إلى تقوية laquo;الجماعات الجهاديةraquo; فإن بقاءه على هذا الحال يسمح لها، بالقوة، كذلك. وسيؤدي تجذُّرُ القاعدة وامتدادُها إلى دخول أمريكا، كطرف مباشر في الحرب عليها، وهو ما لا يمنع من استحضار صورتها المحتلة والمنتهكة للسيادة؛ ما قد يساعد القاعدة على تجنيد مزيد من الشباب.

[email protected]