امتزجت الألوان الصاخبة مع الأصوات المدوية في التحام متناسق مكوّنة لوحة سريالية وعاصفة عارمة، لفظتها الاحتجاجات و المعارك العنيفة التي تدور رحاها بوتيرة مرتفعة يوما بعد الآخر مزقت الحجاب عن المنظومة الدولية المترهلة وأزاحت الستار عن عورتها، كشفت زيف مفردات رددت عهودا على مسامعنا : التضامن، العدالة، المساواة، حقوق الانسان وغيرها. العاصفة التي كان أبطالها أطفال درعا، انتشرت بعدئذ لتعمّ جميع أرجاء المناطق السورية. أسمع شعبنا صدى ثورته الى العالم بأسره، مع ذلك لم تستطع اختراق ذهنية المعارضة السياسية نفسها بمختلف فصائلها حتى تلك الشخصيات التي تعتبر نفسها مشاريع قادة لسورية الجديدة.

نحن معذورون في القاء التهم على الشرق، الغرب، العرب، العجم والترك، المعنيين والغير معنيين بالشأن السوري على تباطؤهم في التعاطي مع الأزمة في بلدنا فليس بينهم من يبذل جهودا كافية تفضي الى وضع حد لمعاناة ومآسي شعبنا، جهودا ترقى الى مستوى الدماء الزكية التي تراق يوميا على تراب الوطن، الا أن حصة كبيرة من اللائمة يجب أن تتقاسمها قوى المعارضة السياسية.
المعارضة بالاعتماد على قدراتها الدبلوماسية والسياسية لم ولن تستطيع التأثير في مواقف الدول الداعمة للنظام نظرا للعلاقة الاستراتيجية المعروفة التي تربط كلّ بالآخر.

استمرار السلطة الحاكمة وصمودها قرابة العامين يرتكز على مقومات تنفخ فيها القوة ودعائم تسندها من السقوط وترفع من إرادة الصمود لديها فبالإضافة للدعم الروسي، الإيراني، هناك استراتيجية داخلية تسير عليها وقد أثبتت يوما بعد الاخر نجاحها، حيث تمثلت بتحويل الصراع من انتفاضة شعب ضد سلطة جائرة الى حرب مذهبية ضد الطائفة العلوية بالدرجة الأولى وبعض السنة المنتفعين من فسادها المستفحل في البلاد، بالإضافة الى الفزّاعة المعروفة والموجهة الى الأقليات.

المعارضة تستطيع ان توفرت الإرادة الوطنية الحقيقية أن تقوم بكسر الطوق الاخر الذي يحتمي به النظام في الداخل عن طريق خطاب قوي، واضح، صريح قبل كل شيء يوجه الى المواطنين السوريين من الطائفة العلوية يكون مفادها: نحن بحاجة اليكم في بناء سورية المستقبل.
الجميع عليه أن يفهم بأن عهد الغاء وإقصاء الاخر قد ولىّ الى غير رجعة ولن تكون كل هذه التضحيات جسرا لإيصال ديكتاتوريات أخر للتحكم بأعناق السوريين تحت أي مسميات كانت، دينية، قومية أو ادعاءات وطنية زائفة.

المجلس الوطني السوري أكبر فصيل سياسي مقارنة مع المنبر الديمقراطي، المؤتمر الوطني، هيئة التنسيق وغيرهم من فصائل المعارضة السياسية من خلال اعادة هيكلته بزيادة في أعداد الأعضاء أو تبديل الوجوه القديمة بنقلها من لجنة الى أخرى أو رئيس بآخر لا يقوم بعمل يخدم الحراك السياسي، يخفف من وطأة الضغوط الموجودة في الداخل، بالتالي لا تتخذ خطوة باتجاه حل الأمور في سورية. المجلس بحاجة الى استراتيجية جديدة، تغييرا نوعيّا في أعضاءه لا كميّا. اذا أراد المجلس أن يكون الخيار الأفضل عليه استيعاب ممثلين عن كافة الأطياف السياسية السورية، من خلال تمثيل حقيقي ينوب عنهم لا شخصيات تمثل فقط أنفسها، صبرا وسيدا انموذجا. أيّ بديل لا يضم أطياف المجتمع السوري الرئيسة لن يكتب له النجاح سواء كان ذلك برلمان ظل أو حكومة منفى.

من يريد لنظام الأسد والبعث الحاكم أن يزول عليه أيضا أن يتفهم بأن في سورية قوميات أخرى غير العربية وأديان أخرى غير الأغلبية المسلمة وطوائف ومذاهب وهم بحاجة الى التمتع بحقوقهم القومية التي سلبت في ظل الحكم الشمولي والى ممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة. عدم الاعتراف بالشعب الكردي في العهود والمواثيق الوطنية لا يلغي وجودهم ويزيلهم من الخارطة فهم من سكان المنطقة الأصليين الى جانب أخوتهم العرب، السريان، الاشوريين وغيرهم من الشعوب العريقة في منطقتنا. الأخوة المسحيين بمختلف طوائفهم على أرضهم التاريخية مواطنون سوريون بامتياز قبل أي انتماء اخر.

تهميش مثل هذه القضايا الملحّة أو وضعها على الرف يخدم النظام ويطيل من عمر الصراع الدموي ويزيد من معاناة شعبنا الذي تحول الى نازح، لاجئ، معتقل، جريح أو مشروع شهيد.
يقول الأخضر الابراهيمي اذا لم يبذل المجتمع الدولي جهودا فعالة أكثر مما هي عليها الآن فان سورية سوف تتحول الى صومال آخر.

أضيف الى ذلك دون أن تبذل المعارضة جهودا فعالة أقوى مما هي عليها الآن لتوحيد الصف السوري من خلال قبول أحدنا الاخر على اختلافاته والاعتراف بحقوقه القومية والدينية والمذهبية ضمن وطن سوري واحد يلمّ شمل الجميع ستتحول سورية الى بلقان جديد.

مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم

[email protected]
Stockholm-sham.blogspot.com