واخيرا فاز اوباما في ولاية ثانية في الولايات المتحدة ، وها هو يعود الى البيت الابيض والبلاد تشهد اكبر ازمات اقتصادية منذ اكثر من نصف قر ن. يعود الى البيت الابيض والديون وصلت قرابة 16 ترليون دولار ، وهناك قرابة 46 مليون امريكي تحت خط الفقر، ويواجه مشكلات ووعود قطعها على نفسه اثناء حملته الانتخابية ، اذ تعهد بمواصلة البقاء على التأمين الصحي ، والعمل على تقليص حجم المديونية ، وتقليص عدد العاطلين عن العمل.

وعلى الصعيد الخارجي لم يكن مثل منافسه المرشح الجمهوري ميت رومني الذي تعهد بفتح جبهة مع روسيا التي اعتبرها من معسكر الاعداء ، كما تعهد بالحرب مع الكيان الصهيوني ضد المنشأت النووية الايرانية. بل بالعكس فقد سعى اوباما الى اقامة علاقات متكافئة مع كل من روسيا والصين. كما انه سحب قواته من العراق بعد تلك الخسائر الكبيرة في الارواح والمعدات. كما انه ينوي الخروج من افغانستان للتخلص من ما تواجهه قواته وقوات الاطلسي في هذا البلد المعقد.اما بشأن الملف النووي الايراني فان اوباما لم يكن في عجلة من امره ، كما هو حال زعماء الكيان الصهيوني ، الذين يمنون النفس في الاسراع في تدمير المنشأت النووية الايرانية. وقد تازمت العلاقات بين اوباما ونتنياهو خلال الاشهر الماضية ووصلت تبادل الاتهامات ، وبالذات اتهام اوباما بالتقاعس في امر الملف النووي الايراني. في حين يرى اوباما ان العقوبات الاقتصادية سوف تفعل فعلها في بنية نظام الملالي في ايران ويعجل في انهياره.

ويبدو ان اوباما يرى الامور بمنظار الرؤية التاريخية لما حصل للقوات الامريكية في كل من العراق وافغانستان ، ولا يريد ان يكرر المأساة ثانية. ولذلك فهو في غير عجلة من امره ، ويريد ان تنضج الامور لصالحه بدون حرب ، وهو الموقف الامريكي في المسألة السورية ، فالادارة الامريكية تتذرع بعدم تسليح المعارضة لامرين هما :
الاول : الخوف من تسرب الاسلحة الى عناصر القاعدة ، ومن ثم تعود بالخطر على القوات الامريكية في كل مكان. وخاصة في البلدان العربية المجاورة. وهو خوف غير مبرر ، اذ اني اعتقد ان الادارة الامريكية تستخدم القاعدة فزاعة لكي تبقي الحرب على الارهاب ، وتتدخل من خلال طائراتها بدون طيار ، او من خلال العمل الاستخباري ، الذي يتيح لعناصر السي اي ايه التغلغل في البلدان العربية والاسلامية على حد سواء.
والثاني : وهو ما حذرت منه وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون قبل ايام من الانتخابات الامريكية ونقدها المجلس الوطني السوري ، كونه لا يمثل المعارضة السورية في الداخل ، وعليه فقد سارعت قطر الى استضافة المجلس الوطني السوري ، الذي ناقش نظامة الداخلي واجرى تعديلات عليه ، وابرزها انتخاب القيادة بدلا من التراضي او التوافق. وكذلك اضافة قيادات من الداخل اي من الفصائل الثورية المقاتلة.

لقد شهدت السنوات الماضية صراعا سياسيا واعلاميا ومناورات عسكرية تدخل في نطاق الردع العسكري بين الولايات المتحدة والنظام الايراني. لقد اجرت القوات الامريكية ومعها قوات من عشرين دولة مناورات في مياه الخليج العربي ، تحت شعار التدريب على ازالة الالغام من مياه الخليج ، وارسال رسالة الى النظام الايراني بعواقب وخيمة اذا ما اقدمت على اغلاق مضيق هرمز ، كما ارضت إسرائيل بالموافقة على الاشتراك في مناورات عسكرية لاختبار منظومة الدفاع الصاروخي والقبة الحديدية التي بنيت تحت اشراف القوات الامريكية لمواجهة الصواريخ المعادية ، وحماية السكان من خطر الصواريخ. والقوات الاسرائيلية بحاجة الى قدرات القوات الامريكية في الارضاع الجوي، والدفاع الجوي رغم ان الخبراء الصهاينة قد طوروا هذه الاسلحة من قبل.

وبالمقابل فقد اجرت القوات الايرانية عشرات المناورات البحرية والبرية والجوية ، وتم الكشف عن عدة اسلحة جديدة قيل انها تستخدم لاول مرة ، ومنها الصواريخ البعيدة المدى البالستية ، وصواريخ بحر بحر ، وكل هذه المناورات كانت رسائل من الطرفين في اطار الردع المتقابل. ورافقها حملات اعلامية وسياسية شغلت حيزا كبيرا في وسائل الاعلام.
لقد برع الملالي في فنون المراوغة اثناء المحادثات مع الطرف الامريكي و ( 5 +1 ) حول الملف النووي ، وقد استغلوا نفوذهم في العراق وافغانستان والدول العربية الاخرى وخاصة في سوريه ، للمماطلة والتسويف ، وملاعبة الجانب الامريكي. وبالمقابل يتمهل الجانب الامريكي في التعامل مع النظام الايراني ، ويكتفي بفرض عقوبات اقتصادية عليه ، بحيث يأمل ان تؤدي هذه العقوبات الى شرخ في البناء الاجتماعي داخل ايران ، ويحدث التغيير المطلوب لصالح المعارضة او لصالح الاصلاحيين في الداخل.

ان فوز اوباما وما يعانيه من مشكلات داخلية واقتصادية حادة ، يمنح الملالي فرصة المناورة من جديد ، وقد ردت على العقوبات وما تتوخاه الادارة الامريكية من تغيير داخلي ، بمزيد من القمع للمعارضة في الداخل وارتكاب مجازر بحق الابرياء الذين يجبرون على الاعتراف بذنوب لن يقترفوها ، او صلات وهمية بقوى خارجية.

الانباء من داخل ايران تفيد ان الملالي الذين ساقوا العشرات من المواطنين الى اعواد المشانق قبل اسبوع ، يشمرون عن سواعدهم لسوق المئات الاخرين الى المشانق ، ووصلت بهم الوقاحة حد ان يطالبوا السجناء بثمن حبال المشانق ، وكلف السجن.

ولم تسلم المعارضة الخارجية من الايذاء المتعمد ايضا ،فيجري اصدار وثائق تفيد بعائدية املاك الاشرفيين في مخيم اشرف الى هذه الوزارات ومؤسساتها ، مثل مولدات الكهرباء والسيارات الشخصية التي تم شرائها من اموالهم الخاصة بهدف مصادرتها وحرمان اصحابها الحقيقين من نقلها الى مخيم ليبرتي. اضافة الى الايذاء المتعمد للاشرفيين في مخيم ليبرتي.

ان تصرفات نظام الملالي ضد مواطنيهم واهدار المال العام في اعمال الارهاب الدولي ، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة كلها اعمال تستدعي التدخل الجماعي لايقاف هذا الارهاب المنظم الذي يقع في قائمة الجريمة المنظمة والابادة الجماعية.

ان الرئيس اوباما امامه مهمة كبيرة للتعامل مع نظام الملالي ، والتعامل مع النظام السوري الذي يذبح شعبه بلا رحمة ، بدعوى مواجهة المؤامرة الخارجية والعصابات المسلحة.

* كاتب اردني
[email protected]