bull;بالرغم من المشاهد المأساوية التي نعايشها ما بين سوريا وغزة، فلا أجد مناصاً من اللجوء الى التاريخ للاستشهاد بومضات ساطعة مما أورده لنا، كي نقارن بين ما كانوا عليه، وما نحن فيه الآن.. لعل ما يجري في الساحة العربية في الوقت الراهن يجعلنا في حاجة الى مجموعات من المنظمات الأهلية ndash; ولا أقول الأحزاب ndash; التي تكاد تتقارب بصفاتها مع طائفة العيارين، بعد أن دبَّ في أوصالنا اليأس من الحكام والسياسيين، فلم يبق أمامنا إلا الدعوات التي تكاد أن تكون شبه طوباوية للامتثال لما كُنَّا عليه في التاريخ القديم!!..
* * *
في العصر العباسي، كثرت التيارات الثقافية والفكرية والسياسية، ومما يلفت الإنتباه أن بعض هذه التيارات قد أخذ حقه من البحث والتحليل عند المعاصرين، والبعض الآخر لم يحظ بإهتمام يذكر!!.. ولا شك أن أغلبية ساحقة لم تسمع عن طائفة (العيَّارين) التي كانت تضم نفراً من الشباب العربي، إجتمعوا وتعاهدوا على نصرة الضعيف من القوي، والفقير من الغني، والمظلوم من الظالم.
هذه الطائفة ظهرت قوية نامية وظلت زمناً طويلاً مسموعة الكلمة، مرهوبة الجانب..
وعندما تولى الخلافة العباسية الناصر لدين الله، رأى أن يستفيد من هذه الطائفة، فدعا الشيخ عبد الجبار ابن صالح البغدادي الملقب بالمتزهد طالباً منه أن يوضع زي خاص يرتديه فتيان طائفة العيّارين، كي يميزوا عن سواهم، وبمرور الزمن صارت (الفتوة) التي تتمثل بالعيّارين، من كيان المجتمع الإسلامي، حتى أن الخليفة الناصر أراد أن يضع لها من الأوصاف والشروط والتعاليم، ما يضمن إستمرارها كمدرسة لتربية النشئ على الدين والخلق، والفداء.
فدعا إليه الفقيه ndash; الحنبلي ndash; البغدادي أبا عبد الله محمد الشارم المعروف بابن عمار البغدادي، وكلفه بوضع كتاب عن الفتوة.. وكذلك وضع أحمد ابن إلياس النقاش الخرتبرتي كتابه تحفة الوصايا، يعرض فيه للفتوة في الاسلام.
وفي عام 1940 أكد المستشرق الإيطالي (ايتوري روسي) ضمن بحث له عن الفتوة في بلاد الرافدين، أشار فيه.. إلى أنهم أصل الفروسية، وهم الأصل في وضع بروتوكول لأخلاقيات الفرسان في عصور الفرسان الأوروبية.
ويؤكد المؤرخ الفرنسي (فورييل) : أن أخلاق العرب وأساليبهم في الحياة هي التي جعلت أخلاق سكان جنوب فرنسا في القرن الحادي عشر تكون أكثر تهذيباً، لأنهم كانوا يمتثلون بالعرب ويرونهم مثيرين للإعجاب والإحترام.
ويقول الكاتب الإنكليزي (استانلييه لانبُول) عن الفتوة العربية خلال الحروب الصليبية : quot; إن كل من درس تاريخ الحروب الصليبية ليس في حاجة إلى أن يدرك أخلاقيات الحضارة الحقيقية من شهامة، وترفع، وخلق، وتسامح، وفتوة، كانت جميعها إبان تلك الصراعات إلى جانب المسلمين.
bull;وبعد.. فإن أخلاق الفتوة الإسلامية التي زخرت بها كتب التاريخ تحدثنا عن أناس آمنوا بربهم وبأوطانهم.. لم يفجروا.. ولم يقتلوا.. ولم يلوثوا تاريخ أُمتهم بمسميات وألقاب صبغت تاريخ أعراق حضارة بما أصبح يطلق عليه (الإرهاب).
- آخر تحديث :
التعليقات