التعامل مع التاريخ وأدواته يشكل قضية حساسة ودقيقة للغاية، ولكن عندما تعيد الأمم الحديثة كتابة تاريخها من جديد، بواسطة الأدوات المختلفة التي يديرها العقل البشري، فإنها تنطلق من إعتبارات كثيرة أبرزها تغذية الأجيال الراهنة بالعناصر الإيجابية والإبداعية والحضارية التي تنعم بها البشرية..
فالغرب الذي يطفح تاريخه بالسلب، والايجاب الذي أفاد البشرية جمعاء، إلا أن السلب منه والمتمثل بالمذابح والإنتهاكات والحروب وصكوك الغفران وما إلى ذلك، يحاول مفكروه أن يلتقطوا الجوانب المضيئة لتقديمها بمشهد بريء وناصع للأجيال الراهنة..
وهم بذلك يحاولون أن يمسحوا عن ذلك التاريخ ما علق به من أدران.. في حين أن كُتاب ومفكري الغرب يقرون ويعترفون أن انطلاقاتهم الحضارية والادبية والفكرية بل والعلمية، جاءت في مراحل متأخرة وفي بقاع صغيرة من العالم الغربي، إذا ما قورنت بما كانت عليه الحضارة العربية المتأثرة أصلاً بحضاراتٍ سابقة عليها كالحضارة الفارسية والصينية والهندية والاغريقية، فإنها كانت الأكثر تقدماً عن حضارة الغرب.. ولكنها لأسبابٍ يطول شرحها لم تواصل الاستمرار في تدفق العطاء الحضاري..
أي نعم أن التاريخ العربي تشوبه الكثير مما لا تُحمد ذكراه، وهذا أمر طبيعي في تاريخ الشعوب والأمم، ولكن تلك الهنّات والسقطات التاريخية العربية ما حالت دون بروز شخصيات عربية وإسلامية رفدت البشرية بأرقى معطيات الفكر من ثقافة، وفلسفة، وطب، وهندسة، وقوانين، ومنطق، ورياضيات، وما إلى ذلك من جوانب حضارية.. ناهيك عن الابداعات الشعرية.
وبكل أسف فإن الصراع الذي أوجده الغرب في الشرق الأوسط بعد أن رسّخ وجوداً اسرائيلياً مصطنعاً، أوجد معه صراعاً تاريخياً سعى ويسعى لتهميش كل ما هو معطىً حضاري قدمه العرب للبشرية.. فالاعلام الغربي الممثل في الصحافة والاذاعات والسينما والتلفزيون، ليس له من بضاعة تتناول العرب والمسلمين سوى أنهم شخصيات هامشية، أو ملفقة، أو عصابية، أو متعطشة للدماء، أو إنها شخصيات صنعها السيف والقلم تاريخياً، لكن ابن خلدون أو ابن رشد أو ابن سيناء وسواهم من المخترعين والمبدعين لا يؤتى على ذكرهم بالايجاب، وإنما كثيراً ما تناولتهم الأقلام بالنهش والدس والتخريب..
وبسبب الكراهية التي امتدت مع وجود اسرائيل، وتلقفتها الأنفس المستجيبة لنداءات الشر بسبب اختلافات الطوائف والأديان، ظهرت في العالم العربي حثالات من البشر تحمل الحقد والحسد والكراهية في جيناتها ضد العرب والمسلمين، ومن آثار هذه الحثالات تم اخراج مهزلة كارثية وصفتها القيادات الأمريكية بالقاذورات التي يشمئز منها العقل الانساني، تناولت رمزاً مقدساً لمليار ونص مليار انسان بصور شوهاء، نمّت عن حقد مجموعة من الأقباط ممن يُنكرهم بل ويحتقرهم الأقباط الشرفاء، فأولئك الذين أنتجوا تلك المهزلة لا يُشترى الواحد منهم في غلاء الرجال بفت بعرة!!.. بسبب سفالتهم واجرامهم ومخالفتهم للقوانين، حتى في البلدان التي استضافتهم!!..
والأدهى والأمر، بل والأتعس أن بعض البائسين من حثالات البشر يرددون (إنها حرية رأي)!!.. لعنة الله على تلك الحرية التي تتعمد مع سبق الاصرار والترصد جرح مشاعر مليار ونص المليار انسان بسبب الحقد الظاهر والباطن في نفوسهم..
وإني لعلى ثقة أن الذين سيكتبون التاريخ مستقبلاً عندما يقفون على هذه الحقبة التي ظنَّت نفوس الخنا أنهم يسيؤون بها الى هذا الرمز العظيم، سيقف التاريخ خجلاً أمام هذا الحدث!!.. أما صانعوه فمن العار أن يؤتى على ذكرهم دون أن يُصطحب ذلك الذكر بأقذر الصفات وأحقرها!!..