ظلت ndash; ولازالت ndash; نتائج ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية متوقفة كُلياً على صياغة دستورٍ جديدٍ، بعد أن شُكلت له اللجان.. وهذه اللجان منذ أن تشكلت وحتى الآن وهي تعاني من الشد والجذب، ناهيك عن مقاطعة الخبراء والقضاة الدستورين والأحزاب الليبرالية من الانخراط فيها، لأن الاسلاميين الذين يهيمنون على مصر الآن يريدون فرض سلطتهم عليها ليصوغوا دستوراً مصرياً مفصلاً على مقاييس تعاليم حسن البنا، والهضيمي، وأمراء الاخوان الذين أعقبوهم!!..
نعود الى عنوان المقالة لنجد: أن من بين تراث الرئيس جمال عبد الناصر مجموعة من المقالات والخطب والبيانات التي جُمعت في كتابٍ ضخم، وجدت من بينها بيان (30) مارس، الذي يحدد فيه البنود الأساسية للدستور المصري، وأجد أنه من المناسب جداً في هذه الأيام أن أطرحها، نظراً لما احتوت عليه من رؤيا شاملة لكل ما يحتاجه الانسان في مصر هذه الأيام.. والنقاط التي ذكرها جمال عبد الناصر تتلخص بالتالي :

1-أن ينص الدستور على تحقيق وتأكيد الانتماء المصري الى الأمة العربية تاريخياً ونضالياً ومصيرياً، وحدة عضوية فوق أي فرد، وبعد أي مرحلة.

2أن ينص الدستور على حماية كل المكتسبات وتدعيمها، بما في ذلك النسبة المقررة في الميثاق للفلاحين والعمال في كل المجالس الشعبية المنتخبة، واشتراك العمال في إدارة المشروعات وأرباحها، وحقوق التعليم المجاني، والتأمينات الصحية والاجتماعية، وتحرير المرأة، وحماية حقوق الأمومة والطفولة والأسرة.

3-أن ينص الدستور على الصلة الوثيقة بين الحرية الاجتماعية والحرية السياسية، وأن تتوفر كل الضمانات للحرية الشخصية والأمن بالنسبة لجميع المواطنين في كل الظروف، وأن تتوفر أيضاً كل الضمانات لحرية التفكير والتعبير والنشر والرأي والبحث العلمي والصحافة.

4-أن ينص الدستور على قيام الدولة المصرية وإدارتها.. لأن الدولة المصرية لم تعد مسألة فرد، ولم تعد بالتنظيم السياسي وحده، وإنما أصبح للعلوم والتكنولوجيا دورها الحيوي.. لهذا فإنه يجب أن يكون واضحاً أن رئيس الجمهورية يباشر مسؤولية الحكم بواسطة الوزراء، وبواسطة المجالس المتخصصة التي تضم خلاصة الكفاءة والتجربة الوطنية بما يحقق إدارة الحكومة عن طريق التخصص واللامركزية.

5-أن ينص الدستور على تجديد واضح لمؤسسات الدولة واختصاصاتها بما في ذلك الاقتصادية والاجتماعية.. كذلك فإن من المرغوب فيه إفساح الفرصة لوسائل الرقابة البرلمانية والشعبية لتحقيق حسن الأداء وكفالة أمانته.

6-أن ينص الدستور على تأكيد أهمية العلم باعتباره المعيار الوحيد للقيمة الانسانية.

7-أن ينص في الدستور على ضمانات بحماية الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة، وحدود كل منها ودوره الاجتماعي.

8-أن ينص في الدستور على حصانة القضاء.. وأن يكفل حق التقاضي، ولا ينص في أي إجراء للسلطة على عدم جواز الطعن فيه أمام القضاء.. ذلك أن القضاء هو الميزان الذي يحقق العدل، ويعطي لكل ذي حق حقه، ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات.

9-أن ينص في الدستور على إنشاء محكمة دستورية عليا يكون لها الحق في تقرير دستورية القوانين وتطابقها مع الميثاق ومع الدستور.

10-أن ينص في الدستور على حد زمني معين لتولي الوظائف السياسية التنفيذية الكبرى وذلك ضماناً للتجدد وللتجديد باستمرار.

***

رحمك الله يا عبد الناصر، فهذه الوثيقة الصغيرة من وثائقك فيها الرد الكافي على كل أولئك الذين يتحدثون بجهلٍ مطبق عن أعظم فترة ازدهار سياسي وحراك وطني كنت تقودها بشجاعة وشرف، لولا تآمر المتآمرين من الداخل والخارج ممن ترعبهم فكرة وحدة العرب التي كنت تسعى إليها.