قبل وصوله إلى دمشق عقب جولة شملت العديد من دول المنطقة حرص المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي التأكيد على قضيتين أساسيتين بشأن الأزمة السورية، وهما:
الأولى: التأكيد على أن حل الأزمة السورية سياسي وليس عسكريا، وعليه نفى صحة الأنباء التي نسبت إليه بشأن اقتراح يقضي بنشر ثلاثة آلاف عنصر كقوة حفظ سلام دولية في سوريا، وهو نفي جاء منسجما مع تصريحاته السابقة بأن لا نية لإرسال قوات دولية أو عربية إلى سوريا، فحسب الإبراهيمي إرسال مثل هذه القوات يعني نهاية الحل السياسي.
الثانية: ان أي حل سياسي ينبغي ان يقوم على وقف العنف والأعمال العسكرية تمهيدا للبدء بعملية سياسية تحقق طموحات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والتعددية ويحفظ وحدة الأراضي والدولة السورية، وكامتحان لهذا المسار اقترح الإبراهيمي هدنة مع عيد الأضحى تكون بمثابة امتحان لأطراف الأزمة، ولإمكانية البحث عن عملية سياسية تنتج الحل السلمي.
فور طرح الإبراهيمي مقترح الهدنة، توالت ردود الفعل من مختلف الأطراف، النظام أبدى الاستعداد له شرط تجاوب كافة الأطراف معها، المجلس الوطني بدوره أعلن عن تأييده لها، في حين اشترط الجيش الحر الموافقة بجملة من الاجراءات، لعل أبرزها: فك الحصار عن حمص لإدخال المواد الغذائية والطبية لها والافراج عن معتقلين وعدم استغلال النظام الهدنة لوجيستيا على الأرض، بينما أعلنت مجموعات مسلحة رفضها للهدنة لقناعتها لعدم جدية النظام، وعلى المستوى العربي والإقليمي أبدت كل من الجامعة العربية وتركيا وإيران تأييدها للهدنة فيما اتسمت المواقف الأوروبية والأمريكية بنوع من الحذر والغموض.
في الواقع، بغض النظر عن هذا التباين في المواقف، فأنها بالنسبة للإبراهيمي كانت أخبار مقبولة وربما جيدة، إذ أنها تبدو له بمثابة قناعة بأن الأزمة أرهقت الجميع، النظام والمعارضة، القوى الإقليمية والدولية المتصارعة، فكمية الدم المراق باتت تشكل صرخة إخلاقية وإنسانية في وجه الجميع، للبحث عن حل سياسي عبر طرح مجموعة من الخطوات المتسلسلة على شكل خطة عمل بحثا عن حل منشود. دون شك، الوضع في سوريا صعب جدا، ومن الواضح ان الحلول العسكرية في ظل عدم إقدام واشنطن والأطلسي عليها لن تؤدي إلى حل في ظل تعقيدات الأزمة بعد ان تحولت إلى أزمة إقليمية ودولية بإمتياز، وبالتالي حلها لا يمكن الا من خلال توافق بين هذه الأطراف، وعليه فان ما طرحه الإبراهيمي بخصوص الهدنة قضية في غاية الأهمية، سواء لضرورة وقف معاناة السوريين التي تتفاقم يوما بعد أخر، أو لجهة إمكانية اطلاق عملية سياسية بعد اختبار الهدنة وحقيقة مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، وبالتالي إذا كان المطلوب هو إقامة سوريا ديمقراطية، تعددية ومدنية... فان السؤال أو التحدي الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا لا تجرب الأطراف المعنية الحل السياسي؟ ولماذا لا يكون المدخل إلى هذا الحل من خلال الهدنة التي طرحها الإبراهيمي؟ ولماذا إصرار البعض على استبعاد الحوار رغم القناعة بعدم جدوى الخيار العسكري وإفشال كل مبادرة تطرح بهذا الخصوص؟ هذه الأسئلة وغيرها، تشغل بال المعنيين بالأزمة السورية، والإجابة عنها تشكل مسؤولية سياسية واخلاقية للجميع، كما أنها تشكل تحديا للجميع.
الإبراهيمي في دمشق، يبحث عن إحداث اختراق للتحرك نحو الحل السياسي، وهو هنا يبحث في كيفية التعامل مع اختلاف الإرادات الإقليمية والدولية المتناقضة والمتصارعة على الساحة السورية؟ في كيفية جعل النظام والمعارضة التخلي عن المكابرة وعن النهج العسكري والانعطاف نحو الحل السياسي. دون شك، مهمة الإبراهيمي صعبة جدا كما قال الرجل بنفسه مرارا، ولكن ذلك لم يمنعه من البحث عن عناصر الحل، فهو في بحثه هذا، يدرك جيدا ان هناك فرقا كبيرا بين من يريد الحل السياسي ومن إدارة المعركة على الأرض.
في النهاية، المعنى الأول والأخير بالأزمة هم السوريون الذين ينبغي لهم إيجاد الحامل السياسي لإيجاد مخرج لأزمتهم، وهو مخرج لا يكون الا من خلال الحوار والتوصل إلى توافقات بشأن مرحلة انتقالية تمهد لانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة وديمقراطية، لأن غير ذلك يعني استمرار سيلان الدم السوري وتدمير تاريخهم وهدم ما بنوه خلال العقود الماضية والانفتاح على المجهول. وعليه من أجل وقف كل ما سبق، الا تستحق دعوة الإبراهيمي إلى قبول الأطراف المعنية بهدنة قد تفتح أبواب الحل؟ كي يكون الحل السياسي ممكنا، ينبغي ان لاتكون الهدنة المنشودة فرصة لالتقاط الأنفاس ومحاولة إعادة تجميع القوات والخطط للانقضاض على الخصم بقدر ما تكون البحث عن الحامل السياسي، انها المسؤولية الإخلاقية عن وقف إراقة الدم السوري تحت انقاض المدن التي تدمر عن سابق إصرار وتصميم.