تمر العلاقات التركية - السورية في لحظة تاريخية حاسمة بعد ان تحولت المناطق الحدودية بين البلدين إلى واحدة من أهم المناطق الساخنة في العالم، حيث القصف المتبادل والاستعدادات العسكرية على جانبي الحدود والتصريحات التركية النارية... باختصار كل شيء يوحي وكأن الحرب بينهما باتت على الأبواب. قبل أيام اجبرت السلطات التركية طائرة مدنية سورية قادمة من موسكو على الهبوط في أراضيها بغية تفتيشها، وقبل ذلك فوض البرلمان التركي الجيش القيام بعمليات عسكرية داخل سوريا، وبعدها لم يتوقف القصف التركي المتقطع للداخل السوري...هذه الخطوات تبدو وكأنها ترجمة مباشرة لكلام اردوغان عن تغير قواعد اللعبة والانتقال إلى مرحلة الحرب المباشرة بعد ان انتهجت تركيا خلال مراحل الأزمة السورية أسلوب الحرب الناعمة من خلال دعم المعارضة السورية المسلحة والسياسية وحشد المواقف الإقليمية والدولية لإسقاط النظام السوري. لعل الرسالة التركية الأولى من هذا التصعيد هي أن أنقرة لم تعد تتحمل بقاء الأزمة السورية على هذا النحو بعد قرابة 20 شهرا على انطلاقتها خاصة وان تداعيات هذه الأزمة باتت تمس الأمن الوطني والقومي في ظل تطور العامل الكردي داخل تركيا وعلى حدودها الجنوبية داخل سوريا، وكذلك لاستفادة المعارضة التركية المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري ضد حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب اردوغان، وعليه يمكن القول ان التصعيد التركي في المواقف لا يتعلق بالرد على سقوط قذيفة سورية داخل الأراضي التركية أدت إلى مقتل خمسة أشخاص بقدر ما يتعلق بسياسة أنقرة تجاه النظام السوري، فالمطلوب حسب الموقف التركي من الآن فصاعدا هو أفعال على أرض الواقع خاصة بعد الضوء الأخضر الذي حصل الجيش التركي عليه من البرلمان، وعليه فان سيناريو الاشتباك أو الصدام المباشر بين الجانبين وتحوله إلى حرب بات واردا بقوة، وهو سيناريو يقوم على حصول اشتباك مباشر بين الجيشين التركي والسوري في المنطقة الحدودية، فيقوم الجيش التركي الذي حشد قوات وأسلحة في المنطقة الحدودية باستدعاء الحلف الأطلسي للتدخل وفقا لمثياق الحلف الذي يقضي بدعم عضو في حال طلبه المساندة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل باتت الحرب على الأبواب؟ يرى قسم من المحللين السياسيين الأتراك أن التصعيد التركي هو سياسي ويدخل في إطار إيصال رسالة حاسمة للنظام السوري، وكنوع من التعويض عن تدهور مصداقية سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية تجاه الأزمة السورية بعد ان رفعت السقف عاليا، بمعنى أخر ان هذه الخطوة لا تعني الذهاب إلى الحرب وانما في إطار تداعيات الأزمة على سياسة حكومة اردوغان، وهؤلاء يرون ان قرار الحرب هو في الأساس قرار أمريكي وليس تركي، خاصة وان أنقرة تدرك ان أي حرب تركية ndash; سورية قد تفتح أبواب المنطقة أمام حرب إقليمية في ظل وقوف إيران وروسيا والعراق إلى جانب النظام السوري، وقدرة هذه الأطراف على إشعال الداخل التركي وجعل تركيا الخاسر الأكبر في مثل هذه المواجهة. عكس هذه الفئة يرى قسم أخر أن التصعيد التركي والذي وصل إلى القصف العسكري للأراضي السورية يحمل معه سيناريو المواجهة العسكرية وان هذا الخيار بات يشق طريقه على أرض الواقع بعد تفويض البرلمان والدعم الأطلسي للموقف التركي، وان جميع تحركات تركيا ومواقفها هي في إطار الاستعداد لنقل المواجهة إلى حيز التنفيذ، لطالما ان سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية تنطلق من حقيقة انه لا تراجع عن خيار اسقاط النظام السوري بعد ان بلغت العلاقات بينهما مرحلة القطيعة واللاعودة. عند الحديث عن حرب تركية ndash; سورية لا بد ان يقفز إلى سدة المشهد التركي جملة من الاعتبارات، لعل أهمها :
1- ان تركيا تخشى من أن يؤثر اندلاع حرب نظامية بين البلدين على مسار الأزمة السورية والمطالبة بإسقاط النظام من الداخل خاصة بعد ان بلغت المواجهة بين النظام والجيش الحر ومجمل المعارضة مرحلة متقدمة.
2- ان أي اجتياح تركي للأراضي السورية سيحول تركيا إلى دولة احتلال لأرض دولة عربية، وربما يذكر البعض بعودة الدولة العثمانية، وهو ما سيؤثر سلبا على صورة تركيا في العالم العربي، فضلا عن وجود معارضة تركية واسعة رافضة للحرب.
3ndash; ان اي حرب تركية قد يدفع بالنظام السوري إلى دعم حزب العمال الكردستاني بأسلحة نوعية ولاسيما الصواريخ المتطورة والمضادة للطائرات، وهو ما قد يفجر الداخل التركي ويجعل منه ساحة معارك كبيرة في ظل القدرات اللوجستية لحزب العمال وقدرته على التحرك والانتشار في المناطق الحدودية مع كل من سوريا والعراق وإيران وأرمينيا.
4- ان خيار الحرب من قبل تركيا لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار عامل حلفاء سوريا، أي إيران وروسيا والعراق وحزب الله، فتركيا تدرك أن هذه الأطراف لن تقف مكتوفة الأيدي ولاسيما إيران التي تقول ان أمن النظام السوري من أمنها، وروسيا التي ترفض أي اجراء عسكري أو قرار دولي بهذا الخصوص.
6- ان تركيا تدرك ان أي حرب ضد النظام السوري لا يمكن دون قرار أمريكي يجعل من جيوش الحلف الأطلسي الأداة الأساسية لهذه الحرب، ولاسيما ان سوريا دولة تمتلك قدرات عسكرية متطورة، حيث الصواريخ القادرة على الوصول إلى العمق التركي إذا ما نشبت الحرب بين الجانبين، وبالتالي فان أي حرب منفردة ستكون بمثابة مغامرة قد تجلب تداعيات كارثية على الداخل تركيا في وقت تنتهج فيه تركيا سياسة الحرب الذكية وليست المواجهة المباشرة.
ولكن رغم الاعتبارات السابقة، فان خيار الحرب بدا وكأنه بات يشق طريقه بقوة، وهنا يرى المتابعون ان ثمة أمران يشكلان حيثية الموقف التركي.
الأول: ان حكومة اردوغان بنت سياستها تجاه سوريا والمنطقة عموما انطلاقا من إسقاط النظام السوري، وعليه بعيدا عن القصف الناري على جانبي الحدود، فان جميع التحركات العسكرية والسياسية التركية يصب نحو تحقيق هذا الهدف، فبقاء النظام السوري سيؤدي إلى افلاس سياسة اردوغان التي قطعت جميع مراكبها مع هذا النظام.
2- ان اردوغان في قرار نفسه يعتقد ان الموقف الأمريكي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لن يبقى على حاله، وعليه فان الوقت المتبقى إلى حين انتهاء الانتخابات الأمريكية بالنسبة لاردوغان هو وقت الاعداد لسيناريو الحرب وتهيئة الداخل وحشد المواقف الإقليمية والدولية ولاسيما الحلف الأطلسي الذي كرر في الأيام الأخيرة من تأكيده الوقوف إلى جانب أنقرة. وعليه، يمكن القول انه بين سعي اردوغان إلى اسقاط النظام السوري واستعداد الأخير للمواجهة، تبدو المواجهة بينهما باتت حتمية.